فيلم “الخطاة” واختراق الستار بين الحياة والموت

توفر رقمياً منذ عدة أيام قليلة فيلم الرعب الأشهر وحديث هذا العام والحائز علي أشادات نقدية وجماهيرية فاقت التوقعات العالمية له وهو فيلم “الخطاة” Sinnersبعد أن حقق نجاحا غير مسبوق (بفئته التصنيفية) بإيرادات عالمية بلغت ٣٥٠ مليون دولار، وهذا أكثر من ضعفين مما أنفقته عليه الشركة المنتجة (ورانر بروس) مما جعل الشركة تبدأ في الاعداد لانتاج جزء ثانٍ من العمل، وتعزز الثقة في مخرجه ريان كوجلر البالغ من العمر تسعه وثلاثين عاماً والذي بدأ مسيرته في عام ٢٠١٣ بحصيلة سينمائية بلغت 5 أفلام حتى الآن.

يعود فيلم “الخطاة” الي عام ١٩٢٣ تزامناً مع عودة التوأمين (سموك وستاك مور) الي كلاركسديل في الميسيسيبي بعد سنوات قضياها في العمل الشاق والخطير مع عصابة شيكاغو، حيث قاما بحصد العديد من الأموال المسروقه من رجال العصابات ليقوموا بشراء مخزن من مالك أرض يُدعي “هوغوود”، بهدف إقامة ملهي ليلي وحفله استثنائية وخاصة لمجتمع العبيد وأنصار البلوز، وعلى عكس المتوقع تتحول الليله المنشودة بالتحرر الي مسرحية مأساوية حاملة معها استغاثات الماضي والحاضر والمستقبل من خطايا الإنسان.

يأخذ ريان جوكلر المشاهدين في رحله تطهيرية وروحية تحبس الأنفاس وتُعيد النظر في العديد من عقائد وأمور الخير والشر وتنفي معصومية الخطايا من الكائن البشري.

وعلي نطاق فريد يُعيد كوجلر أعمال “مصاصي الدماء” للساحه السينمائيه بسرد مرهق وصادم علي كافة مستويات الصناعة التقنية والفنية للعمل، وبموسيقي “البلوز” يتم إحياء وتعميم عصر العبيد (طالما كانت نوع الموسيقي التمردي دائماً وأبداً لأصحاب البشره السوداء في اوائل القرن العشرين).

ومن خلال تلك الانبعاثات الوترية على “الجيتار” أثناء الحفل يضخ كوجلر الروح في الأشياء قبل الجماد لتعزيز هزلية الفكرة من عدم الي وجود وهذا ما تترتب عليه مشاعر من دموع وفرح وتحرر وسجن لا تمثل غير الإنسان بتناقضاته وخطاياه.

وطدت الجمله الافتتاحيه للفيلم “هناك أساطير عن أشخاص يُولدون بموهبة ابتكار موسيقي بمنتهي الأصالة، الي حد أن يمكنها اختراق الستار بين الحياة والموت واستحضار أرواح من الماضي والمستقبل” -كل ما أراد أن يبرزه كوجلر من خلال إحدى شخصياته المحورية في العمل والذي يُدعي “سامي” (ابن عم سموك وستاك مور) والذي صاحبهم الي ذلك الملهي المشؤوم ليقوم بعزف نغمات البلوز الموروثة والتي تسببت في جلب هذه الأرواح الشريرة لأفراد الحفل جميعهم قبل أن تشرق الشمس ماحية معها كل ما تم تعريته وإظهاره من حقيقة أبدية لا محالة، لأفراد الجنس البشري. 

رغم وجود العديد من الأفلام التي برعت في تحقيق معادلة فنية مثالية لنوعية أعمال مصاصي الدماء مثل ( ليلة رعب، برام ستوكر دراكولا، مقابله مع مصاص دماء، العالم السفلي) الا أن كوجلر أراد أن يضفي طابعا مختلفا علي مشروعه السينمائي مع المحافظة علي كسر الحاجز بين ما تمثله هذه الأفلام له من تأثر، وبين ما يريد أن يخلق لنفسه الهوية الفنية التي تجعل من فيلمه تحفة فنية تخلد في أذهان المشاهدين.

وهذا ما ترتب عليه عدة عوامل قام كوجلر باستغلالها كنوع الغناء والموسيقي الذي لم يقدم من قبل في هذه النوعية من الأفلام ، وساعد كوجلر في ذلك براعة المؤلف الموسيقي للعمل لوديغ جورانسون، الحائز علي جائزة الأوسكار فئة “أفضل موسيقى” عن فيلم “أوبنهايمر” عام ٢٠٢٣ ، وأيضاً مديرة التصوير اوتومن دورالد التي عملت في العديد من الأعمال الشهيرة وسبق لها التعامل مع كوجلر من قبل في فيلمه “النمر الأسود: واكاندا الي الأبد” ، ويرجع أحد أهم اسباب تميز الجانب التصويري من العمل إلى اعتماد الشركه المنتجة علي كاميرات الايماكس لتصوير الفيلم، مما ساهم في إبراز وجعل الالوان والزوايا تؤدي بدورها لتجربة بصرية فريدة من نوعها.

يذكر أن فيلم “الخطاة” هو التعاون الرابع الذي يجمع بين مخرجه ريان كوجلر وبطله مايكل ب. جوردان بعد أن سبق لهم وتعاونا في أفلام (محطة فروتفيل، العقيدة، الفهد الأسود) مما جعل الاندماج بينهما أكثر تناغميه وسهولة، ولا يذكر من قبل أن حقق فيلم من بطولة مايكل ب جوردان نجاحا مثل الذي حققه أحدث أعماله مع كوجلر والذي ينطبق عليه نفس الأمر أيضاً، ما يضعهم في مصاف نجوم هوليوود واستمرارية فرض سلطة كبيرة من عملهم علي الحصيلة الإيرادية رغم تنافسه التجاري الصعب مع اخر اجزاء سلسلة النجم توم كروز (المهمة المستحيلة) الذي أعرب مؤخراً بعد حضور فيلم كوجلرعن إعجابه الشديد به قائلاً “تهانينا لريان ومايكل ولجميع الممثلين وفريق العمل. لا تفوتوا مشاهدة الفيلم في السينما ومشاهدته حتى شارة النهاية!” (وكانت إشارة توم كروز للمشاهدين، لما يتضمنه الفيلم من مشهد فاصل بعد شارة النهاية).

وليس فيلم توم كروز وحده ما ينافس فيلم “الخطاة” بل انطلق مؤخراً بدور العرض النسخة الحية من أحدث إنتاجات ديزني وهو فيلم ” ليلو وستيتش” الذي حقق في أقل من شهر إيرادات تخطت الـ ٦٠٠ مليون دولار عالمياً ، ما يجعله مرشح قوي لحصد أعلي إيراد سينمائي ضمن أفلام هذا العام.

ومع اقتراب مدة الشهرين علي بداية عرض فيلم “الخطاة” في أبريل الماضي في دور العرض، توفر منذ عدة أيام قليله للمشاهدة الرقمية ما أعاد تداوله لمنصة البحث العالمية مرة أخري باحتفاء شديد به وبقدرة صناعه على خلق عمل أصلي وملهم لدي صناع السينما.

ويذكر أن العمل حقق اشادات واسعه على المستوي النقدي والجماهيري تمثلت في تقييمات ومراجعات إيجابية.

فبحسب موقع “الطماطم الفاسدة” بلغ تقييم العمل ٩٧٪ من قبل النقاد والجمهور ما جعله محل أنظار على المحمل التجاري والفني.

وبعد هذا القدر من رد الفعل الإيجابي على أحدث أعمال كوجلر تم الإعلان على أن الجزء الثاني من العمل قيد التنفيذ حالياً في محاوله أخري لنجاح ساحق يتخطي ما حققه الجزء الأول من العمل،

فهل سيحقق كوجلر المعادله السينمائيه التي تجعل من فيلمه سلسله خالدة، أم سيخفق ويسقط في بئر النمطية؟