في وداع إنيو موريكوني عبقري موسيقى الأفلام
مايك بارنز ودوان بيرج
ترجمة: رشا كمال
حقق إنيو موريكوني شهرته من تأليفه موسيقى أفلام الويسترن السباجيتي للمخرج سيرجيو ليوني، كما وضع حائز الأوسكار، أصوات وموسيقى أفلام “أيام الجنة”، “بعثة التبشير” The Mission، “سينما باراديسو”، و”الحاقدون الثمانية”.
إنيو موريكوني صاحب النغمات الأخاذة ذات النزعة المبتكرة التي أبرزت الأجواء المشحونة وحدة المشاهد المتصاعدة الخالية من الحوار في أفلام سيرجيو ليوني، رحل عن عالمنا عن عمر 91 عاماً في روما إثر مضاعفات عقب تعرضه للسقوط مما أسفر عن كسر في عظمة الفخذ في الأسبوع الماضي.
توفي الموسيقار الإيطالي صاحب رصيد يزيد على 500 فيلم- من بينها 7 أفلام، مع ابن بلاده سيرجيو ليوني الذي كان قد تعرف إليه وبدأ صداقته معه في المدرسة الابتدائية.
عاش موريكوني طيلة حياته في روما، وكان البوق أول أداة موسيقية تعلم العزف عليها، وفاز بجائزة الأوسكار عن موسيقاه لفيلم “الحاقدون الثمانية” للمخرج كوينتين تارانتينو عام 2015، كما ترشح عن موسيقاه التي وضعها لأفلام “أيام الجنة” لتيرانس ماليك (1978)، و”بعثة التبشير” إخراج رولاند جوفي (1986)، و”غير قابلين للرشوة” إخراج براين دي بالما (1987) ، و”باجسي” للمخرج باري ليفينسون (1991)، وفيلم “مالينا” للمخرج جوزيبي تورناتوري (2000).
ونال الملقب بـ المايسترو، جائزة الأوسكار الشرفية (قدمها له كلينت إيستوود) في عام 2007 عن مساهمته الرائعة والمتعددة في مجال فن موسيقى الأفلام السينمائية. وفاز بجائزة ديفيد دي دوناتيلو إحدى عشرة مرة وهي أعلى جائزة شرفية للسينما في إيطاليا.
أضافت موسيقى موريكوني الحادة والنابضة بالحياة رونقاً لسلسلة أفلام سيرجيو ليوني منخفضة التكلفة، “من أجل حفنة دولارات” 1964، “مزيد من الدولارات” 1965، “الطيب والشرس والقبيح” 1966، والأفلام الثلاثة من بطولة إيستوود، وفيلم “ذات مرة في الغرب” (1968)، وكذلك فيلم “اخفض رأسك أيها الأحمق” (1971).
قال سيرجيو ليوني الذي توفي في 1989 ذات مرة: “لا غني عن الموسيقى، فأفلامي تكاد تكون صامتة، حيث يأتي الحوار في المرتبة الثانية، ولهذا فإن الموسيقى تبرز المشاعر والأحداث بشكل أبلغ من الحوار، كما قال” طلبت من موريكوني كتابة ووضع الموسيقى قبل البدء في عملية التصوير حيث كانت جزءا فعلىا من عملية كتابة السيناريو”.
تركيز موريكوني على آلة واحدة مثل العزف المنفرد لآلة البوق في “الطيب والشرس والقبيح”، والمزمار الذي حلق صوته في خلفية فيلم “بعثة التبشير”- أثرى من قيمة إسهاماته الفنية.
كما أحب الملحن الكبير صوت الجيتار الإلكتروني وآلة القيثار ووظف أصوات مثل الصفارات، أجراس الكنائس، صوت فرقعة السياط، عواء الذئب، زقزقة العصافير، دقات الساعة، أصوات النساء والأعيرة النارية، وذلك لبناء نسيج صوتي متلاحم ومختلف عن المعتاد في مجال توزيعات الأستديو المتعارف عليها.
وقال: “يمكن لجميع الأصوات بمختلف أنواعها أن تكون مفيدة في نقل وتوصيل المشاعر، فهي موسيقى نابعة من صوت الواقع”.
التعاون الأخير بين موريكوني وليوني كان في فيلم “ذات مرة في أمريكا” الذي يدور في فترة حظر الخمور في الولايات المتحدة، كما تعاون مع المخرج تورناتوري، أبرزها في فيلم “سينما باراديسو” الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1988.
لم يعجبه مصطلح “الويسترن سباجيتي”، وأشار إلى أن أعماله لهذا النوع من الأفلام تعتبر مجرد نقطة في بحر أعماله الواسع، وهذا واضح من سجل أعماله المتميز مع مختلف المخرجين العظماء أمثال:
جيلو بونتيكورفو (معركة الجزائر)، دون سيجل (بغل للأخت سارة) ، برناردو برتولوتشي (1900)، جون بورمان (طارد الأرواح الشريرة- الجزء الثاني: الزنديق) ، إدوارد مولينارو (قفص المخابيل)، جون كاربنتر (الشيء)، وليام فريدكين (ثورة)، بريان دي بالما (غير القابلين للرشوة) ، بيدرو المودوفار (قيدني من أعلى وأسفل) ، فرانكو زيفيريلي (هاملت) ، فولفجانج بيترسين (في خط النار)، مايك نيكولز (وولف) ووارن بيتي ( بولورث).
طُلب منه ذات مرة أن يضع موسيقى لأحد أفلام الممثل والمخرج كلينت إيستوود ولكنه لم يقم بذلك وهو ما ندم عليه لاحقاً. وفاتته فرصة التعاون مع ستانلي كوبريك لوضع موسيقى فيلم “البرتقالة الآلية”، حينما أصر ليوني على انشغال الموسيقار (لم يكن كذلك بالفعل) بوضع موسيقى أحد أفلامه.
حققت جملته الموسيقية (تشي ماي) للمسلسل الدرامي (حياة ولحظات ديفيد لويد جورج) لشبكة بي بي سي البريطانية شهرة عالمية، وحاز على جائزة “جرامي” عن موسيقى فيلم “غير القابلين للرشوة”.
استخدم تارانتينو المعجب الكبير بموريكوني العديد من مؤلفاته الموسيقية في أفلامه “أقتل بيل”، “جانجو طليقا”، وفيلم “أوغاد مجهولون”.
وصرح موريكوني في مقابلة معه في يناير عام 2016 بأن العمل مع مخرج فيلم “الحاقدون الثمانية” تارانتينو كان ممتازاً، حيث لم يضع له أي توجيهات أو إرشادات خاصة بالعمل.
وأوضح” قمت بوضع موسيقى الفيلم بدون أدنى معرفة من تارانتينو، وحازت على إعجابه عند حضوره لاستديو التسجيل في مدينة براغ، فالتعاون بيننا كان قائما على الحرية والثقة”.
في نوفمبر 2018 نشر مقال في مجلة “بلاي بوي” النسخة الألمانية، أبدى فيه موريكوني نقدا لاذعا لتارانتينو وأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأمريكية (التي تمنح جوائز الأوسكار). ولكنه أنكر تلك التصريحات المهينة وهدد بمقاضاة المجلة.
ولد موريكوني في 10 نوفمبر عام 1928، في إحدى المناطق السكنية بمدينة روما، وكان والده يدعى ماريو عازف لآلة البوق، وهي أول آلة تعلم الشاب الصغير العزف عليها، وبدأ بكتابة الموسيقى وهو في السادسة من عمره.
وتقابل مع سيرجيو ليوني لأول مرة في المدرسة الابتدائية وهو في الثامنة من عمره (ولن يتقابلا ثانياً إلا بعد مرور أكثر من عقدين).
والتحق بمعهد سانتا سيسيليا للموسيقى حيث درس على يد المؤلف الموسيقي الإيطالي الكبير غوفريدو بيتراسي.
وقام بتأليف الموسيقى للعديد من مسلسلات الدراما الإذاعية كما قام بالعزف في أوركسترا متخصصة لتأليف موسيقى الأفلام السينمائية.
وقال في إحدى المقابلات معه في عام 2001 “كانت أغلب هذه المؤلفات سيئة، لكني آمنت بقدرتي على الوصول للأفضل. كانت صناعة السينما الإيطالية قوية بعد الحرب، ولكن الموسيقى التي وضعت لتلك الأفلام ذات النزعة الواقعية لم تكن جيدة. وكنت بحاجة للنقود، فبدت فكرة تأليف موسيقى للأفلام السينمائية فكرة جيدة”.
عمل كموزع موسيقى لأستديو شركة راديو أمريكا وتعاون مع ماريو لانزا، بول أنكا، شارل أزنافور، تشيت بيكر. والمخرج لوتشيانو سالس في عدد من أعماله، واستعان به سالس عندما كان بحاجة لوضع موسيقى فيلمه “الفاشي” عام 1961.
وتوالى عمله في عشرات الأفلام بعد ذلك، وعندما كان ليوني يستعد لاخراج فيلمه الأول من أفلام الويسترن سباجيتي ” من أجل حفنة دولارات”، طلب منه وضع الموسيقى له. وفي محاولة لإقناع مشاهدي السينما الإيطالية ممن ضجروا بأفلام الغرب الأمريكي محلية الصنع، بإن الفيلم من إنتاج هوليوود، عملا تحت أسماء مستعارة بوب روبرتسون (سيرجيو ليوني) ودان سافيو (موريكوني).
وصرح موريكوني بإنه “بمرو الوقت تحسن مستوى ليوني في الإخراج، وكذلك مستواي في التأليف الموسيقي، إلى أن قدمنا أفضل ما لدينا سوياً في فيلم ” ذات مرة في أمريكا”.
عن مجلة “هوليوود ريبورتر” بتاريخ 6 يوليو 2020