غزة والأسد.. في مهرجان كان!

في تقديمه للفيلم الفلسطيني المشارك في تظاهرة “أسبوع النقاد” بمهرجان كان السينمائي الذي يحمل عنوان “ديغراديه”، أي حلق الشعر مدرجا، قال رئيس جمعية النقاد الفرنسيين، وهي الجهة المنظمة للتظاهرة، إنه رحب بعرض الفيلم لأنه أولا فيلم فلسطيني عن غزة، وثانيا لأنه يمتلئ بالمواقف الطريفة المضحكة، وهو أيضا أمر نادر “في السينما العربية من بعد أن غادرنا يوسف شاهين، أو “العزيز جو”، حسبما استطرد.

والحقيقة أن التقديم على هذا النحو أساء دون أن يقصد، فليس صحيحا أولا أن “المرح” غائب عن السينما العربية، وثانيا النظرة الدونية إلى الفيلم كعمل ينبغي تشجيعه من باب الليبرالية، رفضه أحد مخرجي الفيلم -وهما التوأم أحمد ومحمد ناصر خلال تقديمه لفيلمه، حين طالب الجمهور الكبير الذي ازدحمت به قاعة “ميرامار” الشهيرة في كان التي تعرض بها أفلام أسبوع النقاد- التعامل مع الفيلم من زاوية بعيدة عن النظرة النمطية التقليدية المعتادة للأفلام التي يصنعها الفلسطينيون.

كما أوضح أنه وشقيقه، قررا من البداية الابتعاد عن فكرة أن يكون الفيلم وسيلة لعرض “القضية”، أو لتأكيد الشعارات النضالية، موضحا أن الدافع لعمل الفيلم كان الرغبة في تقديم الوجه الإنساني للفلسطينيين في قطاع غزة، وتحديدا للمرأة الفلسطينية التي عادة ما تظهر من خلال نشرات الأخبار، في صورة المرأة المحجبة، المترهلة، الباكية الحزينة.

موضوع الفيلم يبدو متأثرا بالفيلم اللبناني “سكر بنات” لنادين لبكي، فهو مثله يعتمد على فكرة الجمع بين عدد من الفتيات والسيدات داخل صالون تجميل (كوافير) في مدينة غزة، تديره سيدة روسية بمساعدة فتاة فلسطينية، وتصوير المواقف الطريفة والتعليقات المباشرة التي تأتي على ألسنة النساء. ولا يغادر الفيلم هذا المكان سوى في المشهد الأخير.

ومن خلال المجموعة المتباينة من النساء، وعبر الاتصالات التليفونية العديدة باستخدام الهاتف المحمول، يعرض الفيلم صورة من الداخل لتناقضات العيش في غزة، وما يقع على المرأة تحديدا من ضغوط مضاعفة، أولا، بسبب علاقتها المضطربة بالرجل، وثانيا، نتيجة الحصار والضغوط العديدة التي تتعرض لها في ظل حكم “حماس” .

لدينا المرأة المتشددة المحجبة، وتلك التي أهملها زوجها وأصبح يقضي كل وقته في المسجد، وتلك التي تريد استعادة جمال زائل لضمان استمرار علاقتها بعشيق غامض، والفتاة التي تريد أن تتزين قبل زفافها، والمرأة التي تعاني من ضيق التنفس، والأخرى الحامل التي تكاد أن تضع مولودها في المحل، والمرأة التي يضربها زوجها بانتظام… وهكذا.

هناك الكثير من الانتقادات لحكومة حماس، وتقول الشخصية التي تمثلها هيام عباس، إن الحياة كانت أفضل قبل حماس، لكن الفيلم يسخر أيضا من عجز حركة فتح، ولا يتوقف أزيز طائرة إسرائيلية دون طيار تحلق فوق المنطقة، ثم تندلع الاشتباكات العنيفة فجأة خارج المحل، فتتصاعد حدة الصراعات بين النساء وبين صاحبة المحل، بعد انقطاع الكهرباء، وعدم قدرتهن على المغادرة.

حدود المكان مع التكرار والاستطرادات، ربما تكون قد أفقدت الفيلم بعضا من رونقه وطزاجته. لكن الطريف أنه يصور علاقة بين شاب وبين مساعدة الكوافيره، تشعر بأنه يكذب عليها أي ليس جادا في الزواج منها، ويقوم صاحبنا بوضع أسد يقال إنه سرقه من صاحبه، أمام الدكان، ويسحبه، ثم يطارده أمن حماس ويقبضون عليه هو والأسد الصغير الذي يرقد مستسلما إلى جواره في سيارة الأمن.

فما الذي يرمز إليه هذا الأسد؟ هل هو الشعب الفلسطيني النائم الذي يمكن أن يثور ويغضب في القريب؟ ربما!

Visited 10 times, 1 visit(s) today