“عندما تختفي الأمواج” وعندما يأكلك الذنب حياً

سلوى شلبي

 هل يغسل الماء آثام البشر مثلما يغسل أجسادهم؟ في هذه الحالة كم من الماء تحتاج البشرية حتى تتطهر من آثامها؟ هذه المعضلة جزء من أزمة أبطال فيلم ” عندما تختفي الأمواج When the Waves are Gone أحدث أعمال المخرج الفلبيني الشهير ” لاف دياز” ومدير التصوير “لاري ماندا”. عرض الفيلم خارج المسابقة في مهرجان فيسيا الدورة التاسعة والسبعين كما عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

ينتمي “لاف دياز” إلى مخرجي السينما البطيئة ففي هذا الفيلم نقضي الثلث الأول في التعرف على الشخصية الرئيسية “هيرمس” والتأسيس للأزمة التي تواجهها وهو من أفضل أقسام الفيلم. نشاهد قصة الملازم “هيرمس” الذي يعد أحد أعظم محققي الفلبين ويحاضر في أكاديمية الشرطة. نتعرف على مشاكله الشخصية وفلسفته في العمل وتغلبه على مشاعر الخوف من خلال حديثه مع صديقه المصور الصحفي “رافي”.

تنقلب حياة “هيرمس” رأساً على عقب عندما تبدأ حملة عنيفة للقضاء على المخدرات فيتم تصفية عدد من موزعي المخدرات في نفس الوقت بطريقة صادمة مع ترك لافتة مكتوب عليها ” أنا موزع مخدرات، لا تقلدني”. بالتزامن مع هذه الحملة يواجه “هيرمس” مشكلة عائلية تدفعه لترك التدريس ثم يصاب بمرض جلدي شديد “الصدفية” يروي “هيرمس” لصديقه “رافي” أنه شعر بأعراض المرض بعد مشاهدة صورة أول جثة لتاجر مخدرات. على الرغم من تفوق “هيرمس” في عمله يتضح لنا أنه شخص ذو طبع حاد وعنيف. ثم تظهر شخصية “بريمو” الذي خرج لتوه من السجن عازم على الانتقام من “هيرمس” ومن خلال متابعة رحلته من مدينة لأخرى نكتشف مدى جنون طباعه وعنفها. لم تكن متابعة شخصية ” بريمو” ممتعة كمتابعة “هيرمس” واستغرقت متابعته وقتاً أطول من اللازم دون الكشف عن علاقته بشخصية “هيرمس”.

يدين الفيلم تفافة العنف المتفشية في المجتمع والتي جعلت الحكومة تلجأ لجرائم للقتل للتخلص من تجار المخدرات فكيف يحصل المواطن أن يحصل على أي شكل من أشكال العدالة وسط حمى العنف والقتل التي يمارسها الأشخاص المنوط بهم تطبيق القانون؟ “هيرمس” بطل لا تنطبق عليه سمات البطل التقليدي فمع بداية الفيلم تبدأ حياته بالانهيار رويداً رويداً: تنهار حياته الأسرية ثم المهنية بسبب ممارسته العنف وعلى الرغم من مرضه وعدم جدوى علاجه لم يحاول أن يغير من الوضع شيء فهو كما قالت له أخته” جزء من النظام القائم على ثقافة العنف والقتل لذا أنت جزء من المشكلة وليس الحل”. على الجانب الآخر يقف المصور الصحفي محاولاً فضح تواطؤ الحكومة واستخدامها العنف.  

منح تصوير الفيلم بالأبيض والأسود مع حركة الكاميرا المهتزة شعوراً بأن الشخصيات محاصرة ومطارة معظم الوقت. كما جعلت طريقة التصوير وتتبع الشخصيات تجربة المشاهدة مختلفة فخلال الفيلم نتتبع انهيار حياة الشخصيات تدريجياً. ففي النصف الأول من الفيلم تعطي طريقة التصوير انطبعاً بالتشوش وعدم وضوح الرؤية ثم تتضح الرؤية وتصبح الصورة أكثر صفاءً مع انكشاف العلاقات بين الشخصيات الرئيسية ومع اتضاح نواياهم ودوافعهم.

ينشغل “بريمو” بفكرة التطهر من خلال الماء وتحديداً عن طريق التعميد بالماء لاعتقاده أن الشخص يتطهر من خطاياه ويولد من جديد مثلما حدث له في السجن. يحاول “هيرمس” أيضاً تخفيف حدة مرضه عن طريق مياه البحر لكن دون جدوى “لأن المرض يقبع داخل روحه وليس جسده فقط” كما أخبر “بريمو”. لا ينجح أي منهما في التطهر أو التخلص من الشعور بالذنب لأن الفساد المتغلغل في المجتمع والجرائم المريعة التي تم ارتكابها تجاه الأشخاص المستضعفين والأقل حظاً تحتاج لما هو أكثر من الماء لمحو آثارها.

فيلم “عندما تختفي الأمواج” يروي قصة انتقام كلاسيكية للغاية بطريقة فريدة وتأني شديد وعناية برسم الشخصيات وتحديداً شخصية البطل الرئيسي “هيرمس”. تكشف العلاقات بين الشخصيات عن الأوجه العديدة للفساد وثقافة العنف فباستثناء شخصية “رافي” وأخت “هيرمس” تمارس معظم الشخصيات العنف بشكل أو بآخر.

يعيب الفيلم المباشرة في طرح الفكرة وإدانة الفساد وخاصة في النصف الثاني من الفيلم. لم يكن الفيلم في حاجة إلى وضع العديد من الجمل الحوارية التي تستنكر العنف وتصف الفساد المتفشي في المجتمع على لسان “بريمو” وأخت “هيرمس”. لكن تظل تجربة المشاهدة مختلفة ومتميزة خاصة في الثلث الأول والثلث الأخير من الفيلم.

Visited 4 times, 1 visit(s) today