علامات في النقد

د. صالح الصحن

يعد النقد Criticism مفصلا ثقافيا هاما في منظومات الأدب والفن والوسائط الاخرى، وهو نشاط فكري معرفي وجمالي يعبر عن قدرة متفردة في التحليل والتفسير للأعمال الفنية، لتشكيل الانطباع، ووجهة النظر، والرؤية الخاصة لموقف إبداء الرأي التقييمي إزاء عمل ما، سواء كان منجزا أدبيا ام فنيا.

والنقد في الحياة الثقافية والفنية يأتي بعد مراحل طويلة من التجارب والخبرات والاطلاع الواسع للمعارف والنظريات الادبية أو الفنية، وللروايات والاشعار والقصص والدراسات. اما في الفنون فذلك ما يتجلى في اعمال الفنون التشكيلية من رسومات ولوحات ومنحوتات وتصاميم وزخارف وخطوط وتشكيلات وغيرها، اما في الفنون السمعية والمرئية فذلك ما يتمثل في تحليل وفهم الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والعديد المنوع والمختلف من البرامج والفعاليات التلفزيونية المتعددة.

ويمكن تأشير بعض العلامات عن اشتراطات النقد في القطاع البصري في السينما والتلفزيون ومنها:

* أن ممارسة الكتابة النقدية تتطلب معرفة مدارس النقد ومناهجه ونظرياته واساليبه، والتحري عن ما تدعو اليه المدارس والاتجاهات والنزعات الفنية منها، الشكلية والواقعية والانطباعية والسريالية والبنيوية والتفكيكية والسيميائية والاسلوبية والمفاهيمية والظاهراتية والتداولية، والشخصانية وغيرها، التي تسهم جميعها في خلق الرؤية الخاصة بالناقد واسلوب كتابته.

* الناقد عندما يكتب عن الافلام السينمائية أو الأعمال التلفزيونية، جدير به أن يعرف أن هناك ثمة عناصر وأدوات في السينما هي غيرها في التلفزيون، منها بناء السيناريو وتصميم حلقات المسلسل وطريقة السرد، ونظرة المخرج الذاتية والموضوعية في أسلوب عرض الاحداث في المشاهد وتداخلها واشتباكها واختلاف فلسفة الزمن في كلا الوسيطين، وكذلك  تباين الاحساس في  لغة الصورة ونوع اللقطات واسلوب تصميمها، ومساحة تضمين حدود الحوار في الفيلم وسعة تسيده  في التلفزيون، وغيرها في الحركة وتقنيات توظيف الاضاءة والمكان والديكور والتقنيات الرقمية الحديثة المتقدمة.

* أن الناقد قد يكتشف ويشخص في العمل الفني أحيانا علاقات ومعطيات ومؤشرات تعطي تفسيرا وتأويلا لمعنى معينا لا يخلو من إثارة، كما يعتقد هو في عمل ما، وهذه ذاتها قد تغيب عن ناقد آخر، دون أن يتوقف عندها. ولم ينتبه لها بما يحقق اختلافا في مهارات الكشف والتحليل، ومستويات الكفاءة النقدية.

* النقد للشاشة هو قراءة لكل ما يظهر فيها من عرض، بدءا من النص والسيناريو إلى التمثيل والاخراج والمونتاج والملابس واختيار الأماكن والديكورات والالوان والموسيقى وكل العناصر الداخلة في العرض السمعي البصري. فالنقد يقرأ حكاية النص وقيمته واسلوب كتابته وطريقة السرد والبعد البصري والحركي للسيناريو ومساحته المرئية وما يحقق من متعة ومعرفة، ويقرأ أيضا اسلوب الاخراج ومهارات المخرج في رؤيته ومعالجاته الاخراجية وبصمته المتفردة، وكذلك يتوقف عند سحر أداء الممثلين وابتكاراتهم وقيمة الشخصيات المجسدة، فضلا عن التوظيف الأمثل للموسيقى والمونتاج وملائمة الاماكن التي تدور فيها الأحداث، وغيرها من الموجودات والتقنيات، فضلا عن البعد الفلسفي للعمل الفني.

* النقد بحاجة إلى لغة ومفردات وجمل وصياغات خاصة بالكاتب نفسه كأسلوب نقدي يميزه عن غيره، ويعتمد التوصيف والكشف والتحليل الجمالي والفلسفي للمنجز وعلى وفق معايير مشبعة بالفهم العميق لعناصر بناء المنجز الفني وطرق وتقنيات واليات الاشتغال الاحترافي، دون ادنى بساطة وسطحية وانطباعات مستهلكة عامة.

* النقد في هذا القطاع هو قراءة جمالية للنص وحكايته، وطريقة السرد وتقنياته والفكرة التي يحملها والموضوع الذي تدور عنه الأحداث، فضلا عن  تشخيص الافكار والتصورآت التي يلوح بها النص. وهو كذلك قراءة تحليلية جمالية للشكل والصورة والتكوينات السائدة في جسد الفيلم او المسلسل، والذهاب أكثر دقة إلى نوع اللقطة واضاءتها وزاويتها، وحركتها، مع القيمة الفنية العالية التي تحملها مكونات المشاهد الصورية ودلالاتها من خلال كيفيات توظيف الزمن والمكان والحركة.

* يتطلب النقد الجرأة في التشخيص والتحليل وكشف الافكار والمفاهيم والصور والحركات على وفق المعايير والاشتراطات الذهنية والحرفية المعروفة والكتابة بموضوعية وحيادية عالية بعيدا عن الامزجة الذاتية والانفعالات المرتدة والمواقف الشخصية والاهواء المغرضة.

* على النقد ان لا يكون دعائيا أوترويجيا لحالة ذاتية قصدية، وإنما هو ضمير موضوعي لتشريح كل معطيات العمل الفني “سينما وتلفزيون” فكريا وجماليا، فهو يطلعنا على أن هذا العمل لمن ينتمي، وكيف تم فهمه وتفسيره، وماذا كان يحمل من قيمة فنية وفكرية ورسالة وفلسفة في مجمل عناصره ومكوناته.

* يشتغل النقد وفق المعايير الفكرية والجمالية والحرفية التي تعي كثيرا معنى الضوء والصورة والحركة والكلمة والشكل والمكان والزمن ودلالات الألوان والخطوط والكتل والتكوينات وغيرها من التصاميم، بما في ذلك مستوى الايقاع الداخلي والخارجي ومسوغات التعبير الحركي.

* للنقد مسؤولية  كشف الموقف الدرامي إزاء الواقع والحكايات والقصص والمواضيع التي تتناولها الافلام والمسلسلات، والتوقف عند نصوصها وكيفيات المعالجات الدرامية والاخراجية لها وفق اسلوب معين وكذلك مستوى رؤية المخرج وماذا أضاف إلى هذا  النص وماذا تصرف به من حذف وتغيير. فالنقد  ليس سردا وشرحا لموجز قصة الفيلم او المسلسل ومجرياتها كما نقرأها في كتاب، وإنما ان نفهمها من الصورة ومكملاتها المرئية والبحث عن المعنى المتولد من خلال اللقطات والاصوات ومجمل العرض الصوري بما في ذلك صياغة الحوارات وأنواع الشخصيات واسلوب بناءها دراميا  وطبيعة ادورها وخصائصها وسلوكياتها مع البيئة والاماكن والازمنة التي تدور فيها الأحداث  وكذلك البحث عن العلامات السيميائية في كشف المعاني، ومجمل الرموز والدلالات والايحاءات التي تحمل الافكار والمفاهيم المتعلقة بخيوط القصة.

* على النقد مراعاة ثقافة المجتمع ومدى تقبله للمواضيع المتناوله، وان يكون الأقرب إلى الضمير الناطق للخطاب السائد وليس متمردا عليه بنزعة مضادة، مع ضرورة الاهتمام ومراعاة خصوصيات القيم والعادات والتقاليد المعروفة بهذا المجتمع دون غيره. ونعتقد ان الناقد هو من يقف في وسط المسافة بين المنجز الفني وبين الجمهور بوصفه أكثر تخصصا في حرفة الكشف والتحليل ومعرفة أسرار الفيلم خصوصا إذا كانت أفكاره النقدية محط اهتمام وتقبل وتفاعل مع الجمهور العام،

* على النقد ان يكون له موقف واضح من المواضيع والأفكار الحساسة الخطيرة التي تثير جدلا في المجتمع، او التي قد تتخذ موقع المسكوت عنه بدرجة التحفظ، لأسباب دينية أو أخلاقية أو سياسية.. وغيرها، وعليه أيضا ان يتصدى للافكار المريضة والملوثة والهدامة التي يتبناها المنجز الفني، وكذلك للمغالطات والأخطاء التاريخية وتشويه الحقائق وخاصة في الأعمال التاريخية والروحية وغيرها من الانحرافات.

* النقد بحاجة إلى فضاء إيجابي في تقبل الملاحظات النقدية من قبل صانع المنجز الفني وجهة الانتاج سواء كان في كشف الأخطاء والعيوب أو في بيان الإشادة بايجابيات العمل الفني  دون تشنج وردود أفعال سلبية، وهذا ما يعتمد على رفعة اللغة النقدية وسمة التهذيب التي تحملها دون هجوم وتسقيط واستهجان وازدراء وتشهير، واخيرا، نحن بحاجة إلى لغة نقدية علمية معرفية موضوعية حيادية تشخيصية، هدفها التقييم لغرض تقويم المنجز الفني وبناء ذائقة جمالية رفيعة المستوى في الثقافة السينمائية.

Visited 13 times, 1 visit(s) today