صورة المحارب 13 المسلم كما يتمناها الكثيرون

الإختلاف هو أحد السنن الكونية التى تؤدى إلى إتزان الكون وإستمرار الحياة، فقد خلقنا الله مختلفين فى الشكل والجنس والعقيدة والميول والأفكار والرؤى وغيرها من الإختلافات العديدة، وإذا اراد الله أن يخلقنا متماثلين لكان الأمر سهلا بالنسبة له، ولكن المنطق يقول أن الإختلاف يحقق التوازن والتكامل ، ولذلك فقبول الإختلاف هو أمر منطقى وبديهى أما رفض هذا الأختلاف فهو الأمر الغير منطقى الذى لن يغير من واقع نعيشه أو سنه كونية فرضت علينا.

صورة المسلم فى السينما الأمريكية

إعتادت السينما الأمريكية منذ الثلاثينات على نقل صورة سلبية عن العرب والمسلمين فى أفلامها، وكانت الصورة النمطية الأكثر شيوعا التى تقدم عن العرب هى أنهم مجموعه من الجهلاء والمتخلفين والهمج ومحبي النساء.

وقد ذكر الناقد الأمريكى من أصل لبنانى “جاك شاهين” فى كتابه “الصورة الشريرة للعرب فى السينما الأمريكية” أن صورة العرب السيئة لم يصنعها المخرجون أو المؤلفين الأمريكيين من أنفسهم ، وإنما ورثوها وزخرفوها عن الأوروبيين الذين كانوا أول من أوجدوا الصور الكاريكاتيرية للعرب منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وقد إختزل الكتاب والفنانون الأوروبيون المنطقة فى كونها مستعمرة ، حيث ترتبط رسوماتهم وصورهم عن العرب بالصحارى والبدو المتخلفين الذين يطلقون لحيتهم ويركبون الجمال ، وقصور يسكنها حكام فاسدون تابعون للإستعمار يلتف حولهم الجوارى والعبيد ، وحشد الكتاب فى قصصهم وصورهم صور من الباعة الغشاشين فى اسواق العامة القذرة والإتجار بالجوارى وبائعات الهوى ، وأصبحت هذه الصورة محفورة ومن الصعوبة محوها في الثقافة الشعبية الأوروبية.

ومن ناحيتنا نرى أن إستمرارهذه الصورة السلبية وتحولها من مجرد بدو أو همجيين إلى إرهابيين تحديدا فى سينما هوليوود فيرجع لعدة إعتبارات ، ومن أهمها الإعتبار السياسى الذى قام بخلق صورة نمطية لعدو جديد بدلا من السوفيت الذىن فقدوا بريقهم بعد إنهيار الإمبراطورية السوفيتية فى 1991 ، ولذلك كان لابد من إختيار خطر جديد وعدو جديد يتم تنميطه وتقديمه للمجتمع الأمريكى لخلق الخوف وتبرير سياسات ومواقف الإدارة الأمريكية ،أما الإعتبار الثانى والذى ساعد على سرعة ترسيخ الفكرة السلبية عن العرب يعود إلينا نحن كعرب ومسلمين ، فقناعة الكثيرين منا بالأفكار المسمومة التى يبثها بعض من الشيوخ والدعاة ، والتى ترسخ خطبهم للعنصرية وعدم قبول الأخر وتروج للجهل والتطرف وتحريم كل ماهو مخالف لأفكارهم وتعادى المنطق نفسه كان من العوامل التى يسرت من ترسيخ الصورة السلبية عننا وتصديقها لدرجة تعميم هذه الصورة علينا جميعا.

فيلم المحارب 13

تعتمد سينما هوليود على التنوع فى طرح الموضوعات وأيضا التنوع فى الأراء حيث يتمتع صناع السينما هناك بقدر كبير من الحرية بعكس صناع السينما فى الدول العربية، لذلك فعلى الرغم من تقديم العربى المسلم بصورة مشوهه فى عشرات الأفلام مثل  فيلم True lies  1996 ، وفيلم  American Sniper 2014، وفيلم American assassin 2017  وغيرها من العديد من الأفلام التى قامت بشيطنة العرب ، قامت أيضا السينما الأمريكية بتقديم مجموعة من الأفلام التى قامت بنقل صورة العربى المسلم بطريقة جيدة ومن أشهرها Robin hood prince of thieves 1991 حيث قدم مورجان فريمان صورة العربى المسلم، وفيلم kingdom Of Heaven 2005.

وعلى الرغم من هذه الأفلام السابق ذكرها ولكن يظل فيلم “المحارب 13”  The 13th warrior(1999 بطولة انطونيو بانديراس وعمر الشريف هو أكثر الأفلام التي ركزت على إنصاف العربي المسلم وتقديمه بصورة جيدة.

وقصة هذا الفيلم مأخوذة عن رواية أكلة الموتى للروائى الأمريكى “مايكل كراشتون” الصادرة فى 1976 وتدور أحداث الرواية فى القرن العاشر، ويذكر المؤلف أن روايته تستند إلى مصدرين، الاول هو المخطوطات الأصلية لأحمد بن فضلان بطل القصة، والثاني قصة البيولف وهي ملحمة شعرية إنجليزية وطنية حدثت بين القرن الثامن ومطلع القرن الحادي عشر في الدنمارك والسويد.

وتدور أحداث الفيلم عن أحمد بن فضلان الشاعر والكاتب العراقى المسلم الذي يقوم الخليفة بإرساله كسفير له إلى أوروبا فى بلاد بعيدة فى الشمال (الجمهورية الروسية) كعقاب له ونفى مؤقت له، وأثناء رحلته يقع أسير فى يد بعض محاربين الشمال (الفايكنج) الوثنيين ويأخذوه إلى قبيلتهم هو والشيخ الذى يصاحبه ويعتبر مرشد له والذى يقوم بدوره الفنان عمر الشريف.

وفى هذه الأثناء يرسل ملك إحدى المقاطعات برسول الى القبيلة التى تأسر أحمد بن فضلان ويطلب منهم مساعدتهم فى إرسال محاربين لقتال قبائل متوحشة تقوم بتدمير المقاطعة، فيتم الإستعانة بمشعوذة لتختار عدد المحاربين فيتم إختيار إثنى عشر محارب بعدد شهور السنة ثم تذكر أنه لابد من وجود محارب ثالث عشر غريب عن البلده ليعاونهم فيتم إختيار أحمد بن فضلان بإعتباره الغريب الوحيد وإرساله للحرب مع مقاتلى الفايكنج.

تناول صناع الفيلم شخصية أحمد بن فضلان وتم طرحها بطريقة ناضجة ، وتم التعمق فى أبعاد الشخصية الثلاثة (الشكلى، الإجتماعى، النفسى)، ولكن فى البعد الإجتماعى والذى يؤثر بدوره على البعد النفسى تم التركيز أكثر على البعد الثقافى والدينى، فأحمد بن فضلان هو عربى ومسلم وبشرى وليس ملاكا لايخطأ، فهو شخص يؤمن بأن الله واحد أحد، وأن محمد هو رسوله ونبيه، وهو لا يشرب الخمر ولكنه قد يضعف أحيانا أمام غرائزه الجنسية وينجذب لإحدى النساء فهو فى النهاية بشر ، وبذلك فرغم إلتزامه الدينى ولكنه قد يخالف تعاليم دينه أحيانا ، ولكنه لا يخالف أبدا الأسس التى نزل من أجلها الدين والتى تدعو للرحمة ومناصرة الضعيف ، وبذلك فقناعة أحمد بن فضلان كمثال للمسلم فى هذا الفيلم هى أن تعاليم دينه التى أمن وسلم بها لا تسرى إلا على نفسه وليس على غيره، ولذلك فهو لا يشغله من يشرب الخمر أو من ترتدى ملابس عارية ، ولا من يؤمن بالله أو من يشرك به ولكن مايشغل باله هو الوقوف مع الحق وحماية الضعفاء من نساء وشيوخ وأطفال القبيلة التى يتم الفتك بهم من قبل جماعات متوحشة لا تعرف الرحمة.

رسائل ضمنية

الفيلم به عدة رسائل ضمنية لها دلالات هامة جدا، فسنجد أن رغم إختلاف العقيدة الدينية لأحمد بن فضلان والمحاربين الوثنيين ولكنهم إجتمعوا على الإنسانية، وكأنها دلاله على أن الأديان تحث في الأساس على الإنسانية، أما الإنسانية فهى دين من ليس له دين، ولذلك فالإنسانية تعتبر رمزية لمبدأ جامع للمختلفين في الرأي واللغة والعقيدة والفكر.

على الرغم من أن بطل الفيلم أحمد بن فضلان كان أقل المحاربين فى القوة والبنية الجسمانية وأكثرهم خوفا وقلقا من الخطر رغم شجاعته، ولكن صناع العمل خلقوا فى شخصيته عوامل جذب أخرى تجعله شخص مميز عن غيره، فقد كان أحمد بن فضلان مهذبا مثقفا، يتمتع بالذكاء والحكمة وسرعة البديهة، بالاضافة إلى إنسانيته وقبوله للأخر وخوفه عليهم وإستعداده للتضحيه بروحه سواء من أجل الأبرياء أو من أجل زملاؤه، فهذه إحدى تعاليم دينه.

ينتهى الفيلم بإطلاق سراح أحمد بن فضلان وتوديعه لما تبقى من المحاربين بعد أن اعتبروه واحد منهم فيقول له أحد المحاربين أننا سنصلى من أجلك لألهتنا فنحن لدينا أكثر من اله اما فى بلادكم فتؤمنون بإلاه واحد فى دلاله واضحه على مدى قبول الغرب للإختلاف العقائدى ، وينتهى الفيلم بوصول احمد بن فضلان لبلاده وقيامه  بكتابة رساله هامه فى مذكراته تعكس فكر وشخصية المسلم الحق ، فقد قام بكتابة رساله يدعوا ربه لأصدقائه الوثنيين الذى حارب بجانبهم ولن يلتقى معهم مرة أخرى بدلا من الدعاء عليهم ، وقد طلب من ربه أن يرحمهم بدلا من أن يطلب منه أن يريه فيهم عجائب قدرته أو أن يخسف بهم الأرض لانهم لا يعبدوه ، وقد كان محتوى الرسالة الآتي:

“الحمد لله رب العالمين، إنزل رحمتك على عباد الأوثان، الذين يؤمنون بآلهة أخرى، والذين يقاسمونا الغذاء وضحوا بدمائهم، وأصبحت بفضلهم أحمد بن فضلان إنسانا وعبدا مطيعا لك”، وتعتبر هذه الرسالة ملخص لجميع الدلالات والرمزيات والرسائل الضمنية التي يحتويها الفيلم، ففيها رمزية على تسامح الإسلام وقبوله للعقائد الأخرى حتى لو وثنية، ومن ناحية أخرى رمزية أخرى للغرب بأنه هو مصدر لتعليم العرب والعالم كله الإنسانية التى أفسدها بهاليل الدين والمتشدين وأيضا لتغيير البشر إلى الأفضل، وأن البشر مهما إختلفت عقائدهم فالعالم سيكون أفضل إذا إجتمعنا على الحد الأدنى من الاتفاقيات بيننا وهي (الإنسانية).

Visited 198 times, 1 visit(s) today