“سينما الهلاك”: الصهيونية والفن السابع
ينطلق الناقد السينمائي المصري أمير العمري في كتابه “سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية” من ذلك الخلط المتعمّد بين الأفكار والأفلام عند استخدام الغرب في دراساته وكتاباته النقدية كلمة “اليهودية” و”اليهودي” لوصف سينما أو فيلم أو مهرجان سينمائي، بينما هناك اتفاق بين نقاد ومؤرخي السينما في العالم كله على استخدام تعبيرات مثل السينما الهندية والأميركية والعربية والأفريقية لوصف النشاط السينمائي في هذا البلد أو ذاك.
في الطبعة الثالثة من الكتاب الصادرة عن خطوط وظلال”، يوضح المؤلّف أن هذا الخلط أدى إلى استقرار الكثير من المفاهيم الخاطئة، ليس فقط عند معظم النقاد الأوروبيين من غير اليهود، ولكن أيضاً عند بعض النقاد والباحثين العرب، الذين يميلون إلى نوع من التبسيط فى تناولهم لموضوع اليهود واليهودية عموماً، وموضوع السينما الصهيونية بوجه خاص، استناداً إلى نظريات عتيقة أقرب إلى الأساطير الخرافية، معرباً عن استغرابه كيف يمكن مواجهة أيديولوجية تقوم على الأساطير عن طريق اعتناق وترويج أساطير مضادة.
ويستعرض العمري الجذور الأولى لليهود في السينما العالمية، حيث بدأوا نشاطهم باستئجار صالات أمامية لمستودعات البيع والشراء في أحياء المهاجرين الفقراء بالولايات المتحدة، واستخدموها كصالات لعرض الأفلام، قبل أن يبدأوا في إنشاء دور العرض الكبيرة، مروراً بظهور مئات الأفلام الهوليوودية التي تصوّر شخصيات يهودية في العقود الثلاثة الأولى من القرن الشعرين فقط، لكنها تراجعت بعد ذلك رغم تزايد الهيمنة للأثرياء اليهود على شركات الإنتاج.
يستعرض الكتاب الجذور الأولى لليهود في السينما العالمية في مطلع القرن العشرين، كما يضيء العلاقة بين هوليود و”إسرائيل” في فصل كامل، يتحدّث خلاله عن الطرق التي تمّ من خلالها دعم الكيان الصهيوني، وأولها إنتاج الأفلام الدعائية التي تجّمل وجه “إسرائيل” وتبرر قيامها على اغتصاب حقوق الفلسطينيين، وثانيها بالدعم المالي المباشر عن طريق التبرعات وإقامة الحفلات التي يشارك فيها كبار نجوم هوليوود من الصهاينة وأصدقاؤهم، ويقدر حجم ما حصل عليه الصهاينة من هوليوود وحدها، منذ قيام “إسرائيل” حتى اليوم بشكل مباشر وغير مباشر، بمليارات الدولارات.
إلى جانب اعتماد سياسة ثابتة للإنتاج المشترك أو تصوير الأفلام الأميركية في “إسرائيل” بالتعاون مع مركز السينما الحكومي الإسرائيلي”، بحسب العمري الذي يوضّح كيف لعب نجوم هوليوود الصهاينة دوراً بارزاً من أجل الترويج لفكرة تصوير الأفلام في أرض فلسطين المعروفة بامتياز مناخها وتنوّع المناظر الطبيعية فيها وانخفاض الأسعار فيها نسبياً بسبب استغلال الصهاينة للعمال العرب الفلسطينيين.
ويتطرّق الكتاب أيضاً إلى توظيف الهولوكوست في السينما عبر تناوله الظاهرة نفسها تاريخياً، ووجهات النظر المختلفة التي دارت ولا تزال تدور حولها، وموقف الحركة الصهيونية والغرب منها، وكذلك ردود الفعل الصهيونية على مسرحية “الهلاك” لـ جيم ألن التي أثارت ضجة كبيرة في بريطانيا عام 1987، وتحدّث خلالها عن الصلات الخفية بين الصهيونية والنازية وأخرجها كين لوتش، كنموذج للحصار الذي تفرضه جماعات الضغط التي تصل في نشاطها إلى العنف ضد كل من يطرح وجهة نظر نقدية للآراء السائدة في الموضوع، وكيف عالج بعض السينمائيين في الغرب ظاهرة “الهولوكوست” أو الظاهرة النازية بشكل إنساني بعيداً عن الدعاوى الصهيونية مقابل تناول السينما الصهيونية للموضوع ذاته وتطور أشكال المعالجة في ضوء التطورات السياسية للصراع العربي – الإسرائيلي، بغرض ترسيخ عقدة الذنب وابتزاز الحكومات في الغرب وضمان تأييدها لـ “إسرائيل” ودعم سياستها التوسعية والعدوانية في شتى الظروف.
يقدّم العمري مجموعة من المخرجين اليهود من خلال مقاربة أفلامهم وجملة مواقفهم تجاه “إسرائيل” وتناقضاتهم العديدة في هذا السياق، ومنهم المخرج الهولندي رودلف فان دنبرغ الذي مُنعت جميع أفلامه من العرض في “إسرائيل” باستثناء فيلم “باستيل”.
ويناقش أيضاً في أحد الفصول السينما الإسرائيلية التي نشأت من داخل البنية الفكرية للمجتمع الإسرائيلي، أي من داخل العقيدة الصهيونية، فسعت إلى تأكيد القيم القومية اليهودية ودعم الأساطير والأفكار اليوتوبية وخلط فكرة العذاب في الماضي، بفكرة البطولة اليهودية لأولئك “المعمدين فى النار”، وإلى ترشيد فكرة التوسع غير المحدود عن طريق الحروب العدوانية والإشارة إلي بعض الممارسات والضغوط التي يتعرض لها الأفراد بفعل جموح الطموح الصهيوني من خلال ما أطلق عليه البعض في الغرب “أفلام الموجة الإسرائيلية الجديدة”.
عن جريدة “العربي الجديد” لندن، 3 مارس 201