سكورسيزي ودي نيرو يصنعان نجاح “الأيرلندي”
نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقابلة مع المخرج الكبير مارتن سكورسيزي الذي اختارت الصحيفة فيلمه “الأيرلندي” ليصبح فيلم العام 2019.
وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا ربما يكون غير مسبوقا النسبة لأي فيلم من أفلام سكورسيزي. وهو نجاح يدعو للتوقف أمامه، فلماذا كل هذا الإقبال على مشاهدة الفيلم سواء في القاعات التي عرضته عروضا محدودة أو من خلال عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية مثل لندن ونيويورك والقاهرة ومراكش، أو عن طريق شبكة نتفليكس التي تبث بنظام الاشتراكات عبر شبكة الانترنت لمشتركيها البالغ عددهم 160 مليون مشترك في العالم.
يقول سكورسيزي إنه لم يتوقع مثل هذا النجاح “إننا- يقصد هو وأبطال الفيلم الأربعة روبرت دي نيرو وآل باتشينو وهارفي كايتل وجو بيتشي- اقتربنا من نهاية العمر، وقد أردنا أن نقدم أفضل ما يمكننا، واذا كان هذا قد لمس وترا لدى الجمهور فهو أمر رائع“.
منذ زمن بعيد يحاول سكورسيزي أن يعود للتعاون مع الممثل الكبير روبرت دي نيرو الذي قام ببطولة 9 من أفلامه، وكان دي نيرو هو الذي التقط قصة “الأيرلندي”ولفت نظر سكورسيزي إليها وهو الذي اقترح الاستعانة بجو بيتشي الذي عمل معهما من قبل في فيلم “رفاق طيبون”، وآل باتشينو الذي لم يسبق له العمل مع سكورسيزي من قبل.ويجب ملاحظة أن سكورسيزي والممثلون الثلاثة الرئيسيون، من أصل إيطالي. ومعروف أن للإيطاليين بصمة خاصة في هوليوود، وخاصة في الأفلام التي تتناول دور “المافيا” الصقلية في علاقتها بدهاليز السياسة الأميركية، وعلى رأسها بالطبع فيلم “الأب الروحي” لكوبولا، وفيلم “رفاق طيبون” لسكورسيزي نفسه.
ويعتبر فيلم “الأيرلندي” استكمالا له على نحو ما أو فرعا من فروعه، مدها المخرج الكبير على استقامتها وصنع من قصة فرانك شيران القاتل الذي يقوم بدوره روبرت دي نيرو، ملحمة سينمائية لا تنسى.
سكورسيزي يتطرق في حديثه مع صحيفة “الغارديان” الى العلاقة بين السياسة والفيلم، ويقول إنه مع الممثلين، أدركوا في مرحلة ما خلال تصوير الفيلم أن هذا هو الموضوع الأساسي، وقد تطلعوا الى بعضهم البعض وتأكدوا أن المسألة تتعلق بالفساد، لكنه لا يرى أن هذا الفساد جديدا، لكنه بلغ حاليا مرحلة حرجة في عهد الإدارة الأميركية القائمة
.
سكورسيزي كان قد هاجم قبل فترة قصيرة أفلام هوليوود الخرافية مثل سلسلة أفلام “مارفل” وسلاسل الأبطال الخرافيين (السوبر هيرو) وكان لتصريحاته أصداء كثيرة داخل أروقة صناعة السينما في الولايات المتحدة، وسانده في انتقاده اللاذع لتلك الأفلام زميله وصديقه فرنسيس كوبولا. وهو يبدي انزعاجه الشديد من هيمنة مثل هذه الأفلام على قاعات العرض السينمائي، ويستنكر أن تحتل مثل هذه الأفلام مثلا 11 قاعة من بين 12 قاعة من قاعات دارللعرض السينمائي. أي أن الأفلام التي تخرج عن هذا التصنيف لا تجد فرصة حقيقية للعرض. ولكنه يرى أن الطابع التجاري الفيلم لا ينفي عنه بالضرورة طابعه الفني، فقد يوجد فيلم فني ويحقق في نفس الوقت إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، ويضرب مثالا على ذلك فيلم “الغناء في المطر” لستانلي دونن الذي لايزال صالحا للمشاهدة حتى يومنا هذا. ولكن سكورسيزي يتساءل: كيف يمكننا أن نحمي الأفلام الفنية؟
ويضيف “اننا لا يمكننا صنع فيلم مثل “الطيار” The Aviator اليوم، ولا “شاترلاند” حتى لو كنت أنا مخرجه وديكابريو بطله، وقد صنعت فيلم “الراحل” فقط بفضل قوة النجم. وعندما أردنا انتاج هذا الفيلم، أي “الأيرلندي” وجدنا جميع الأبواب مغلقة، ما الذي يحدث بالضبط؟ 10 شاشات تعرض نفس الفيلم؟ الناس يشتكون من أننا عرضا فيلمنا لمدة 4 أسابيع فقط في دور العرض، وكنا نود أن نعرضه لمدة أطول من هذا، لكن المفاوضات بين نتفليكس وشبكات دور العرض لم تصل الى نتيجة.
يضيف سكورسيزي معلومة مهمة تعليقا على عرض فيلم “الأيرلندي” على شبكة نتفليكس، أن فيلم “ملك الكوميديا” الذي أخرجه عام 1982 وقام ببطولته روبرت دي نيرو، لم يستمر عرضه سوى أسبوع واحد فقط في دور العرض. وتم تجاهله لمدة عشر سنوات!
طبعا أعيد الاعتبار مؤخرا لـ”ملك الكوميديا” بعد التحية الموجهة له في فيلم “الجوكر” لتود فيليبس (بطولة جواكين فينيكس). وعن هذا الفيلم يقول سكورسيزي إنه سعيد للغاية به وخاصة أنه يعيد إلى الذاكرة فيلمه “سائق التاكسي” وفيلم “ملك الكوميديا“.
وعن تعاونه مع نتفليكس في انتاج الفيلم قال سكورسيزي إن أهم شيء كان الحصول على التمويل وعلى حرية الابداع دون أي قيود رغم معرفته أن الفيلم ربما لن يعرض في دور السينما أكثر من أسبوع فقط حتى يسمح له بدخول سباق الأوسكار، وهو أمر جيد “لنجوم الفيلم وليس لي أنا، فقد أصبحت عند نهاية مسيرة حياتي وربما يكون هذا هو آخر فيلم أخرجه”.
ويقول أيضا إنه كان لابد من طرق وسائل جديدة في عرض الأفلام واستقبالها.
لا أظن أن سكورسيزي يعتزل الإخراج السينمائي. فالسينما لها سحرها الكبير الذي لا يمكن لفنانالسينما أن يقاومه.