“راس السنة”.. تغير معطيات الصراع الطبقي

انجي المقدم، بسمة، شيرين رضا بطلات فيلم "راس السنة" انجي المقدم، بسمة، شيرين رضا بطلات فيلم "راس السنة"


يعتبر فيلم “راس السنة” أول عمل يتم توزيعه سريعا إلى المنصات الالكترونية بعد أيام قليلة من طرحه في دور العرض، فمعظم الأفلام المصرية تتواجد على المنصات لكن بعد فترة ليست بالقليلة باستثناء “الممر” الذي كانت له ظروف خاصة، لكن يبدو أن تفشي وباء كورونا الذي اجتاح العالم وأدى إلى إغلاق كلي لدور العرض جعل صناع فيلم “راس السنة” الذي يعتبر شراكة إنتاجية بين “روتانا ستوديوز” و”فيلم كلينك” يقررون طرحه سريعا على منصة “شاهد” خلال عيد الفطر.

“راس السنة” من بطولة إياد نصار، بسمة، أحمد مالك، إنجي المقدم، علي قاسم وشيرين رضا ومن إخراج محمد صقر في تجربته الأولى عن سيناريو لمحمد حفظي.

ينتمي الفيلم لتيمة الليلة الواحدة حيث تدور الأحداث خلال نفس اليوم، وكما يظهر من العنوان أن الأحداث في يوم الاحتفال برأس السنة الجديدة، وبشكل عام للسينما المصرية رصيد كبير من أفلام اليوم الواحد لكن عدد قليل منهم الذي دارت أحداثه يوم رأس السنة كان أخرهم “سكر مر” للمخرج هاني خليفة عام 2015 والذي كانت أحداثه خلال أيام رأس السنة في بداية أربعة أعوام متتالية بداية من 2012 إلى 2015.

ويأتي في مقدمة أفضل الأفلام التي دارت أحداثها يوم رأس السنة “ليلة ساخنة” لعاطف الطيب و”أرض الأحلام” لداود عبد السيد، فهذا اليوم كان مجرد حدث يتم خلاله لقاءات عن طريق الصدفة بين شخصيات من الطبقة المتوسطة والفقيرة والمهمشين تظهر من خلالها أدق التفاصيل في الشارع المصري والتحولات التي شهدها المجتمع خلال فترتي السبعينيات والثمانينيات، وكيف أصبحت العاصمة قاسية على أبنائها.

أما في فيلم “راس السنة” الذي تدور أحداثه في نهاية عام 2009 فالعاصمة لا تشغله لأن معظم أبطاله من الطبقة العليا شديدة الثراء، بالتالي انتقل مسرح الأحداث والانتقال إلى مدينة الغردقة وتحديدا إحدى القرى السياحية الفخمة حيث يقيم أحد رجال الأعمال الأثرياء حفل بمناسبة بداية العام الجديد ودخول حقبة جديدة من استمرار القوة والنفوذ وسيطرة رأس المال في سحق الطبقات الدنيا.

اياد نصار في لقطة من الفيلم

ومن هنا فإن معطيات الصراع الطبقي تغيرت عن الماضي فلم يعد هناك وجود للطبقة المتوسطة التي كانت حلقة الاتصال بين الطبقتين العليا والدنيا، كانت الطبقة الوسطى الركيزة التي تحافظ على الهوية الثقافية للمجتمع، لكن في الفيلم تبدلت وأصبح يمثلها كمال أو “كمين” كما يلقبه أصدقائه وهو”الديلر” الذي يقوم بتوزيع المخدرات، و”فتحي” مدرب المساج صاحب الحيل الخادعة دائما.

المشهد الافتتاحي في الفيلم عبارة عن لقطة من الأعلى بالكاميرا “بواسطة الدرون” لمجموعة من اليخوت التي الطافية على البحر، المسافات بينهم متباعدة واللون الأزرق “البحر” هو الذي يحتل الشاشة بصريا، وفي الخلفية إحدى المقطوعات التي تنتمي للسيمفونيات الكلاسيكية التي ترتبط بصورة أكبر بالطبقة العليا، والفيلم يدخل في تفاصيل تلك الطبقة التي تبدو من الخارج في صورة جميلة لكن في داخلها صراعات ومشاكل جعلتها في صورة هشة.

احتوى الفيلم خصوصا في نصفه الأول على مجموعة من العلاقات المتشعبة والمتشابكة التي توضح التفاوت الكبير بين الطبقتين والفوارق الشاسعة بين العالمين وتعرية المساوئ خلالهما، لكن الروابط بينهم شديدة التفكك والضعف من خلال تفاصيل قصيرة حول توتر تلك العلاقات دون أسباب واضحة.

أما الشخصيات فقد كانت بلا أبعاد درامية أو تفاصيل عن تاريخها ولو حتى من خلال جمل بسيطة، فقد أعطى الفيلم أولوية للتمهيد إلى الحفل على حساب التأسيس لشخصياته، مما أدى إلى فقدان التعاطف معهم ومع أزماتهم التي ظلت معظم الوقت إما مبهمة مثل شخصية رانيا “بسمة” أو غير منطقية مثل شخصية مريم “إنجي المقدم”  أو تاهت وسط الأفكار الكثيرة التي أراد الفيلم مجرد طرحها بهدف إضفاء دسامة مثل شخصية سوزي “شيرين رضا”.

جاء النصف الثاني من الفيلم بصورة أفضل تمثلت في لقاء كمال “الديلر” مع شريف الشاب الثري الباحث عن المخدرات، وتجمعهما رحلة قصيرة لتحقيق هدفين، الأول لم يتحقق وهو محاولة خلق ذروة للصراع الدرامي حينما تتسبب هذه الرحلة في مواجهة جميع الأطراف للمرة الأولى في منزل سوزي، لكن بسبب عدم التأسيس للشخصيات من البداية ظهرت وكأنها مفتعلة ومبتورة عن السياق.

الهدف الثاني وهو الذي تحقق بشكل جيد ويمكن أن نعتبره هو الفيلم من الأساس فقد كان من خلال لقاءين، الأول جمع بين كمال وشريف داخل سيارة الإسعاف وهما يمثلان الطبقة العليا والوسطى، والثاني الذي كان في السيارة الداخلية للفندق الذي ضم الثلاث طبقات، كمال وشريف ومعهما السائق الذي يمثل الطبقة المعدمة، ويتضح ان الثلاثي لديه نفس الأزمات لكن بتفاوت، وان كلا منهم لديه اسباب للحقد على الآخر، وكلا منهم أيضا ينتقد تصرفات أبناء طبقته.

اياد نصار مع أحمد مالك

المشاهد التي جمعت إياد نصار وأحمد مالك كانت الأقوى والأفضل توظيفا وصل خلالها حفظي للعمق في الفكرة الأساسية التي تتعلق بالنظرة الطبقية، عكس النصف الاول من الفيلم الذي شعرنا وكأنه يشاهد طبقة الأثرياء من الخارج مثلنا، مع الإفراط في عرض قصص قصيرة سريعة لشخصيات مقحمة لم يكن لها تأسيس درامي تسبب في التشويش والتشتت.

أخلص سيناريو الفيلم للشخصيات الذكورية لهذا ظهر الثلاثي إياد نصار وأحمد مالك وعلي قاسم في أفضل حالاتهم خصوصا في النصف الثاني من الأحداث، عكس الشخصيات النسائية التي لم تحصل على نفس القدر من الاهتمام لهذا لم يكن لهن أي تأثير زظهرن كأنهن ضيوف شرف، باستثناء المجهود الشخصي من هدى المفتي في تقديم شخصية “سيرين” بشكل جيد.

Visited 149 times, 1 visit(s) today