“حامل اللقب”.. متعة الأداء المشرف

مع الاهتمام ببعض التفاصيل الصغيرة كانت ستجعل فيلم “حامل اللقب” من أهم وأفضل الأفلام الكوميدية في الأعوام الأخيرة وهو الفيلم الذي يتصدر بطولته هشام ماجد للمرة الأولى منفزدا بدون شركاء النجاح السابقين أحمد فهمي وشيكو، وفيلم “حامل اللقب” مأخوذ عن فكرة لكيرليس أيمن فوزي واشترك في تأليفه هشام ماجد وإيهاب بليبل ومن إخراج هشام فتحي في تجربته السينمائية الأولى بعد عدد من المسلسلات والبرامج التي تعاون في بعضهم مع بطل فيلمه هشام ماجد على غرار مسلسل “خلصانة بشياكة” وبرنامج “الفرنجة”.

منذ انفصال الثلاثي (فهمي – شيكو – هشام ماجد) قدم ماجد مع شيكو فيلمين هما “حملة فريزر” عام 2016 و”قلب أمه” في 2018 والفيلم الثاني ينطبق عليه وصف أهم وأفضل الأفلام الكوميدية في الأعوام الأخيرة فقد نجح في الحصول على اللقب الذي لم يستطع “حامل اللقب” الحفاظ عليه.

والأفلام الكوميدية الجيدة في الفترة السابقة يمكن أن تعد على أصابع الأيدي بعيدا عن سقوط نجوم الكوميديا مثل هنيدي وحلمي وسعد وتراجع تامر حسني على مدار فيلمين وسيطرة كوميديا الإفيهات السطحية التي يتزعمها جيل مسرح مصر، وترنح كريم عبد العزيز وأحمد عز بين الكوميديا والأكشن لم يتبقى سوى عدد قليل من الممثلين الذين يحافظون على مستواهم في تقديم الكوميديا بصورة مميزة ومع أفلام رامز جلال تعتبر تجارب الثلاثي السابق (فهمي – شيكو – هشام”) نقاط ضوء في مسيرة الكوميديا.

يكمل هشام ماجد ذلك النهج وللمرة الأولى بمفرده ولم يبتعد كثيرا عن الإطار العام لنوعية الأفلام التي قدمها مع الثلاثي حيث اللجوء إلى فكرة فانتازية تدور حولها حبكة كوميدية طريفة على غرار العودة في آلة الزمن إلى السبعينيات “سمير وشهير وبهير”، فتيات يتحولن إلى رجال “بنات العم”، ووضع قلب سيدة في جسد مجرم خطير “قلب أمه” جاءت الفكرة في “حامل اللقب” وكانت الرجل الذي يصبح حامل في طفل.

تبدو فكرة الفيلم بسيطة لكن على مستوى التنفيذ شديدة الصعوبة والتعقيد لأن على مستوى الأعمال السابقة التي تناولت تحول الرجال إلى سيدات والعكس كانت ترتكز على بعض النظريات العلمية والواقعية لكن فكرة وجود راجل حامل فهي ضد الطبيعة البشرية من الأساس.

نحن أمام زوجين هما يحيى ومسك لديهما عدة مشكلات أولهما الفارق الاجتماعي لكن المشكلة الأهم والاوضح والاكبر هي عدم الإنجاب وهذا ما ظهر خلال المشهد الأول أثناء وجود الثنائي عند طبيب أمراض نفسية والذي هو في نفس الوقت والد مسك والذي قدم دوره “عماد رشاد”، والذي تحول الأمر خلال المشهد إلى طلب مسك الطلاق قبل التراجع عن قرارها، ويظهر خلال المشهد الأول الفروق الطبقية بين الثنائي فلولا كون يحيى مشهور لم يكن يمكن أن ينجح هذا الزواج.

 رغم فشل مسك في الإنجاب إلا انها تعمل طبيبة امراض نسائية أما يحيى فهو لاعب كرة قدم مشهور أصبح في أوائل الثلاثينيات ويبدو أن بداية موسمه الجديد مع ناديه لم تكن مثالية وبدأ مستواه في الهبوط مما أدى إلى تراجع سعره في سوق اللاعبين وتلك المشكلة هي التي تؤرقه أكثر من عدم الإنجاب، يحاول الحصول على عقد احتراف في نادي سعودي لتأمين مستقبله قبل الاعتزال.

ويعد الفيلم التجربة الثانية للمنتج محمد حفظي مع كرة القدم بعد فيلم “العالمي” الذي قدمه عام 2009 وقام ببطولته يوسف الشريف لكن الفارق بين الفيلمين غير الزمني هو أن في العالمي هناك تركيز على مسيرة بطله داخل الملاعب وانتقاله لأحد أندية القمة ثم احترافه الخارجي مع بعض من الملامح حول حياته الشخصية والأسرية عكس “حامل اللقب” فالفيلم يركز بشكل أساسي حول علاقة يحيى بزوجته مسك وهي الأساس والمحرك الرئيسي للأحداث وان معانتهم الأسرية التي تؤرقهم وتحديدا مسك فكرة عدم الإنجاب أي انها امور بعيدا تماما عن ملاعب كرة القدم.

في ظل تعثر يحيى الكروي وصيامه عن التهديف رغم أنه مسيطر على “أوضة اللبس” يعود للتهديف مرة أخرى لكن بهدف ذاتي يؤدي إلى خسارة فريقه، وفي المؤتمر الصحفي يسخر يحيى من إحدى الصحفيات التي جاءت العمل وهي في شهور الحمل مما يجعل يحيى يتحول إلى عدو المرأة ويصبح مادة للهجوم والسخط من قبل السيدات على مواقع السوشيال ميديا وفي الشارع حيث يتعرض للتجريح اللفظي والجسدي وعندما يتعرض للضرب من مجموعة من السيدات يتم نقله للمستشفى ويجد من التحاليل أنه – أي يحيى – حامل في الشهور الأولى.

بعد تغليف ودعم تلك الفكرة الفانتازية الطازجة بمجموعة من المشاهد والمواقف الكوميدية سواء خلال علاقة يحيى ومسك أو المباريات والتدريبات أو محاولات يحيى الذهاب إلى طبيب من ذوي الأساليب الملتوية بهدف الإجهاض تكتشف مسك الحقيقة وان زوجها حامل وتصر على الاحتفاظ بالطفل التي فشلت في الحصول عليه خلال زواجها بيحيى، وتحاول بشتى الطرق إبعاد يحيى عن كرة القدم وتقديم كل الدعم له من أجل هذا الطفل.

يوجد في كرة القدم مصطلح يسمى الأداء المشرف وذلك يطلق على فريق قدم كل شئ في المبارة لكنه لم يحقق الفوز ولها مصطلح آخر  يسمى خسارة بطعم الفوز، وكلمة الفوز في فيلم “حامل اللقب” ترتبط بعدم تفوقه على الأفلام الكوميدية المميزة القليلة لكن هذا لاينكر الحصول على جانب وقدر كبير من المتعة خلال هذا الأداء المشرف للفيلم في المجمل لكن بقت هناك تفاصيل صغيرة هي التي جعلت الفيلم لا يحافظ على اللقب أو جعله تجربة كوميدية مكتملة الأركان.

أهم تلك التفاصيل كانت ظهور الشخصيات الذين  قدموا الادوار المساعدة بشكل سطحي ونمطي مبالغ فيه في بعض المشاهد وفي مقدمتهم سمير “محمد سلام” مدير أعمال يحيى وزوج شقيقته والشخصية الثانية كانت المدرب الذي أدى دوره “أحمد فتحي” والثالثة شخصية شقيقة يحيى وقدمت الدور “دنيا ماهر”.

رغم ان هذه الأدوار لم تكن مقحمة على الأحداث لكنها فقدت بوصلتها قليلا أثناء التوظيف وظلت تترنح بين الكوميديا الجيدة وبين السطحية بعض الشئ خصوصا شخصية المدرب التي لم يكن لها أي ملامح محددة سوى انه شخص لا يفقه شئ في كرة القدم برغم انه يتولى تدريب وصل لنهائي بطولة إفريقيا.

عكس شخصية سمير رغم أن البناء لها ورسمها كان جيدا لكن جنوحها للكوميديا أحيانا لم يكن في محله، فإذا تم التعامل باهتمام ببعض التفاصيل حول الشخصيات الثلاث كان الفيلم سيكون من المنافسين بجدارة على اللقب، على النقيض جاءت شخصية طبيب الإجهاض التي قدمها “محمد ثروت” موظفة بشكل مميز في الحبكة سواء في الظهور في بداية الأحداث والربط الذي جاء في نهاية الفيلم.

لم يكن من الصعب توقع نهاية الفيلم منذ بدايته رغم ذلك لم تفقد متعة المشاهدة ليس فقط بسبب جرعة الكوميديا الدسمة والمفعمة بفكرة جنحت للجنون لكن أيضا بسبب الأداء المميز لمعظم الأبطال في مقدمتهم هشام ماجد الذي ينجح بجدارة في أولى تجاربه مع البطولة المطلقة خاصة وانه لاعب كرة سابق فقد ركز على التفاصيل الخاصة بحركات وردود أفعال لاعيبن الكرة خاصة خارج الملعب وعلاقتهم بمن حولهم سواء كانت زوجته او أسرته أو حتى مع الإعلام والجماهير، وبالطبع الأداء والحركة أثناء المباريات والتدريبات ليؤكد هشام على وجوده وبقوة في القائمة القصيرة للممثلين المستمرين في تقديم الكوميديا الجيدة.

أما دينا الشربيني فقد قدمت أفضل دور في مسيرتها حتى الآن بعيدا عن أدائها المبالغ والمفتعل في أعمالها التلفزيونية الأخيرة ورغم تقديمها لتجارب كوميدية على مستوى السينما مثل “ثانية واحدة” و”كدبة كل يوم” لكن ظهرت في “حامل اللقب” في صورة مغايرة تماما عن ما قدمته من قبل وأضافت إلى فيلم “حامل اللقب” لمحة كوميدية نسائية مفقودة في معظم الأفلام المصرية الحالية.

فقد يحيى لقب بطولة إفريقيا بعد ان أطاح بالكرة خارج المرمى في ركلة الترجيح الأخيرة بعد أداء مشرف في البطولة والمبارة مثلما الحال مع الفيلم نفسه الذي فقد لقب أفضل فيلم كوميدي لكنه حظى بمتعة الأداء المشرف التي أحيانا تكون مرضية وكافية عند قطاع كبير من الجماهير.

Visited 13 times, 1 visit(s) today