جريدة “الجريدة”: الجائزة المُحرمة على “مُحرم”!
فاض الكيل بالكاتب الكبير مصطفى محرم وإلا ما كان قد توجه باللوم إلى وزارة الثقافة المصرية، حسبما قالت صحيفة مصرية، لأنها تجاهلته،وامتنعت عن منحه جائزة “النيل” للفنون، لكنني تمنيت لو أنه ترك مهمة الدفاع عنه لغيره من الملايين الذين يُقدرونه حق قدره، ويعرفونه حق معرفته، ويُدركون يقيناً أنه واحد من كبار المبدعين الذي أثرى الشاشة الكبيرة، بأفلامه التي رسمت طريقاً جديداً للسينما المصرية؛ مثل :”أغنية على الممر”،”ليل وقضبان”، “أهل القمة،”أبناء وقتلة”، “الجوع”، “الحب فوق هضبة الهرم” و”الغرقانة”، وأضاف الكثير للمكتبة العربية بأبحاثه ومؤلفاته في فن كتابة السيناريو، وترجماته السينمائية التي تؤهله لنيل الجائزة بجدارة فضلاً عن إسهاماته في مجال الدراما التليفزيونية التي تمثلت في “عائلة الحاج متولي” و”لن أعيش في جلباب أبى”.
الأمر الذي لا جدال فيه أن مصطفى محرم، المولود في 6 يونيو من العام 1939، يتعرض لظلم صارخ، غامض وغير مُبرر،بسبب إصرار جهة ما أو شخص مجهول على تهميشه، طوال السنوات الماضية، وحرمانه،عن سبق إصرار وترصد، من جائزة “النيل”، التي انطلقت العام 1999 تحت اسم جائزة “مبارك”، وتُمنح لواحد فقط من البارزين في مجالات : الآداب، الفنون، العلوم الاجتماعية والعلوم التكنولوجية المتقدمة، في حين ذهبت الجوائز إلى من يُطاولهم في القيمة والقامة والمكانة، بل أن من بينهم من حصل على جائزة “النيل” بعد سنوات قليلة من فوزه بجائزة الدولة التقديرية !
حسب القانون تبلغ القيمة المالية لجائزة “النيل” أربعمائة ألف جنيهاً بالإضافة إلى ميدالية ذهبية، ولا يجوز تقسيمها أو منحها لشخص واحد أكثر من مرة، ويُشترط فيمن يُرشح للفوز بالجائزة أن يتم ترشيحه عن طريق مجلس إحدى الهيئات العلمية التي تشتغل بصفه أصلية في ممارسة البحث والإنتاج في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، والمحددة بقرار المجلس الأعلى للثقافة، وأن يكون الترشيح في نطاق تخصص الهيئة التي تتولى الترشيح، وأن يكون المرشح على قيد الحياة وقت ترشيحه لنيل الجائزة، وأن تنطبق عليه شروط أساسية أهمها :1) أن يكون له مؤلفات أو أعمال أو بحوث سبق نشرها أو عرضها أو تنفيذها 2) أن يكون له إضافة نوعيه واضحة إلى مجاله المعرفي بما يحقق نقله نوعية فيه 3) أن يكون له ريادته وتأثيره على أجيال متتابعة 4) أن يكون انتماؤه الأصيل للوطن متمثلا في إنتاجه ومواقفه 5) أن يكون لإنتاجه قيمة معترف بها على المستويين المصري والعربي.
مما سبق يتضح بشكل قاطع أن ثمة معايير محددة، وشروطاً صارمة، للترشح للجائزة ثم الفوز بها، ليس من بينها، بكل تأكيد، أن يتمتع المرشح بالقبول في الأوساط العلمية والثقافية أو يملك خفة الظل التي تدفع أعضاء المجلس الأعلى للثقافة إلى التصويت له، وبتطبيق الشروط على الكاتب الكبير مصطفى محرم ندرك، بجلاء، أن مؤلفاته وأعماله وبحوثه مثلت إضافة نوعيه واضحة إلى مجاله المعرفي ـ الحقل السينمائي ـ وحققت نقله نوعية أكدت ريادته وتأثيره على الأجيال المتعاقبة، مثلما لم يتخل يوماً عن انتمائه للوطن، وهو ما عبرت عنه مواقفه التي ذاع صيتها، وإبداعاته التي أجمع الكل على قيمتها، على الصعيدين المصري والعربي.
ما الذي حال إذن بين الكاتب الكبير مصطفى محرم والفوز بجائزة “النيل” هذا العام، والأعوام الماضية، رغم أحقيته،وجدارته، بها ؟ وكيف تذهب جائزة “النيل” هذا العام إلى الكاتب محفوظ عبد الرحمن،الذي حصد “التقديرية” العام 2003، ونالها الكاتب الكبير وحيد حامد في العام الماضي، بعد أن فاز بالتقديرية في العام 2008، وشرَفها المخرج الكبير يوسف شاهين في العام 2007، وهو الذي استحق التقديرية في العام 1993، بينما تخلو قائمة المرشحين العام بعد الآخر من اسم مصطفى محرم؟
خطأ “محرم” ـ في رأيي ـ أنه شديد الاعتزاز بنفسه، كثير الحرص على كرامته، مفرط الثقة في ثقافته، لا يتهافت ولا يبتز.. مشاغب لكنه ليس ظاهرة صوتية ..لا يجد مانعاً من الانغلاق في محيط أسرته، والاكتفاء بصحبة الدائرة الضيقة من الأصدقاء والمقربين، ومن ثم تصور البعض أنه “مغرور”، ولما وجد الفرصة مواتية ليثأر منه استثمرها وحرمه من جائزة يستحقها، وإن كنت أخشى،على الجانب الآخر، أن يكون كاتبنا الكبير قد تعرض لطعنة غادرة من قبل الهيئة المخولة بترشيحه، وأن تكون قد امتنعت عن تزكيته بما يخل بشرط رئيس من شروط الترشح للجائزة!
في كل الأحوال تبدو المطالبة ضرورية، بعد مجمل الانتقادات التي طالت جوائز الدولة في مصر، طوال السنوات الأخيرة، بالعمل على إعادة النظر في نظام التصويت والترشيح، وإدخال تعديل تشريعي على قانون الجائزة.