جان ميتري: المنظر والمخرج والناقد السينمائي الفرنسي
ترجمة: مرسلي لعرج
جان ميتري المؤرخ والناقد والمنظر السينمائي الفرنسي، وأيضا هو مخرج لحوالي 15 فيلما (بين عام 1929 وعام 1936) وهو مؤلف العمل الأساسي في فهم ينابيع الفن السابع خصوصا في ”جمالية وسيكولوجية السينما (1965)” و”السيميولوجيا قيد التساؤل (1987)” والذي يظهر خصوصية السينما مقارنة بالأدب والمسرح على سبيل المثال، وعن طريق هذا يبين كيف يؤثر ذلك في طريقتنا لرؤية العالم وهذا اعتبارا من اللحظة التي نبلور فيها تصورنا حول السينما بأنها فقط ترجمة بالصور لتمثل نستطيع أن نجده في الأدب والذي يمكن مقاربته بشكل أفضل لكيف تظهر السينما الصراعات؟ وكيف تتدخل فيها؟
وموازاة مع ذلك وجنبا إلى جنب مع أنشطته كمخرج وموثق للسينما فقد عمل مع (هنري لانغلوا على تأسيس نادي السينما الفرنسية) الذي أسهم ويساهم دائما في التفكير حول السينما، فالأمر لا يتعلق بمِؤلف نظري جاف يتخذ من الفلسفة والمنطق قاعدة (حتى وإن كان يعتقد بأن تحليلا جيدا لا يمكنه الاستغناء عن عناصر الفلسفة والمنطق)، ولكن في كثير من الأحيان من مقاربة عملية مكتسبة ”من الميدان ” ومن الممثل السينمائي ومن الولع بالسينما وعشقها.
هذا الولع بالسينما وعشقها هو أساس عمله الضخم الذي بدأ في تأليفه في العام 1967 وأنهاه في العام 1980 (والذي يغطي الفترة من 1895 إلى 1980) وبعد تذكاريته السينمائية العالمية (200000 بطاقة و2000 مخرجا) والتي نشرت بداية من طرف الإيدهاك من 1963 إلى 1972.
مؤلفه ”جمالية وسيكولوجيا السينما” يشكل عمله المركزي وهو ثمرة تطبيق المنهج الإبيستيمولوجي، هذا الأسلوب والمنهج لا يمكن أن يحصل بالاستغناء عن الممارسة وأحد أسباب الازدراء والاستصغار النظري المتأتي من نقص العناية الواجبة والمنتظمة والصبر في دراسة الأفلام، هو أنه غير مربح لدراسة السينما بدون دعم ثقافة فنية جدا في مجالات الرسم والجرافيك، كما أنه يستعيد جميع المشاكل النظرية الأساسية -السينما كلغة وسيكولوجية حركات الكاميرا وعمق المجال ومفاهيم الزمن والفضاء والواقع وهياكل الصور التي وضعت من طرف جميع أسلافه.
بالنسبة له، وعلى عكس الكثير من المحللين الذين يسعون جاهدين للعثور على تطابقات بين الصورة والكتابة (بين السينما والأدب)، بل ترجمة آثار الصورة في عبارات أدبية، فإن شروط التعبير الفيلمي بدون شك تقوم على سيكولوجية التصورات وظواهر الوعي.
جان ميترى في مؤلفه ”السيميولوجيا قيد التساؤل” يعمق هذا المفهوم للسينما الذي ليس على الاطلاق قابلا للاختزال إلى شكل لساني، الشيء الذي يجعلنا نستجلب المكونات مثل التراكيب والأفعال وأدوات الربط والبنيات النحوية، بل على النقيض من ذلك يريدأن يظهر الطبيعة الخاصة والمستقلة للطبيعة الفيلمية.
بونوا باتار لخص هذه الطبيعة الخاصة: فبالدرجة الأولى تجري في الزمن وهذا يعني أن الذاكرة الفورية والمباشرة تحتل الدور الأول، وبهذا فمن الواضح أن السينما هي الجار الأقرب للموسيقى، وفي ضوءهذا، ومع ذلك فإن هذا انطباع سمعي، بينما الفن السابع يعتمد على الذاكرة الشبكية (العين) هذا اللجوء إلى الزمن أود القول المدة (…) من نتائجه الخارجية امكانية تعديل المنطق الفيلمي، لذا يمكن لمخرج استخدام التكرار كإجراء سردي لفقرة أو لشيء أكثر دلالة، أو تداخل لقطات سابقة (…) ومما هو مهم أيضا هو التداعيات الداخلية للبعد الزمنى، استخدامات واستعمالات الفلاش –باك والتكثيف الزمني، على سبيل المثال، وهي علامات غير قابلة أن تنقل في أي شكل لساني أو على الأقل بكثافتها أو بالمنهجة والنظمنة (…)، كما أنها تجري بعد ذلك في المكان ومؤداه في هذا المقام البعد الذي نرجع إليه والذي تحيل إليه الكاميرا هذا من جانب ، ومن جانب آخر إطار العرض الذي يشكل الفيلم ذاته.
ومن هذا الممر فمن الضروري فهم أن نسيج اللغة السينماتوغرافية خاص وإن تشابهها مع فن آخر هو سطحي فقط (…) متري يصر (جزء كبير من الجماليات مكرس للتقنيات) بشأن ما يعنيه عمق المجال، فالمجال بالنسبة له هو كل الفجوة المحفورة بالمنظور في حدود الشاشة الفيلمية (…) لكن التحليل المكاني لميتري لا يقتصر على البنية السياقية للمخطط أو تنوع الزوايا لالتقاط المشاهد وما يهمه إلى أقصى درجة هو تسلسل مدة الصور المشكلة في المكان، وبعبارة أخرى، ما هو رائع في اللغة الفيلمية هو أن نرى كيف تتابع الفضاءات أو تتداخل في الزمن، الطابع الكرونولوجي لهذه الفضاءات الفيلمية هوما يمنح لهذه الأخيرة حرية حاسمة، ووضع الواحد تلو الآخر، تصوير شيئين اثنين في مكان جد محدد، أي اللجوء إلى نوع من التهوين (الذي يتمثل في عملية تواصلية للتخفيف من وجهة نظر للدلالة على وجهة نظر أقوى) ونوع من الترميز (عملية تواصلية والتي تقوم على أخذ-على سبيل المثال-الجزء ككل، الشراع بالنسبة للسفينة …).
وهو ما يجعل من غير الممكن استخدامها في الأدب أو الموسيقى، لا لشيء إلا لأن الحيز الذي يشكلها والأشياء المرتبطة بها هو ما يجعل معناها على الاطلاق غير متوقع وهو الشيء نفسه بالنسبة لسياقها(…) ”جان ميتري، السينما في حد ذاتها تعاقب رموز والتي تعطيها العمليات التقنية معنى من المعاني. “وهكذا فإن اللغة الفيلمية هي مرجعية، أي أنها تتكون انطلاقا من علامات والتي هي إشارات إلى واقع وتطمح إلى الأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي ليس هو كليا ما تعينه العلامات التي يحملها (…) الأشياء بالنسبة للسينما (…) لا معنى لها إلا من خلال مفاهيمها”.
ما هو الفيلم الناجح أو الفيلم الجيد بالنسبة لجان ميتري؟
سيما في الطابع الابتكاري واستدامة هذا الابتكار في منظور تاريخي، مما يجعلنا نرى، ونرى مجددا عدة مرات فيلما، مع تجدد كل مرة لذة المشاهدة، قدرته أخيرا على اثارة المشاعر أيا كانت مأساوية أو كوميدية وقدرته على اثارة التفكير، فعمل كوميدي مضحك سيكون مضحكا أكثر وبالتالي محررا، لحظات الضحك هي القوى المحركة للمشاعر والتفكير، ثم كفايتها نوعا ما، فالقصة مرئية و أما الموسيقى وضجيجها فهي مكملات، ونحن نتذكر لمعرفة ما إذا كان الفيلم جيدا ما قاله ستيفن سبيبليرغ في مقابلة علنية في برنامج ”استديو الممثل” (التي بثت في التلفزيون، على قناة متخصصة في السينما)، من الضروري تقديم الفيلم (ما هو سهل بواسطة مانيتوسكوب) بدون صوت. فسيولة وتدفق الصور يجب أن تكون مثلما هو جوهر التاريخ مفهوم.
ثم الفيلم لا يحاول كشف الحقيقة بل التعبير عنها، الحقيقة المطلقة فهم خاطئ ومغلوط فليس هناك ما هو أكثر مللا من فيلم خيال أو دعاية أو فيلم وثائقي يريد أن يظهر كل شيء، فالسينما قبل كل شيء تتوجه إلى القلب والخيال، وانطلاقا من الانفعال والخيال يصبح التفكير ممكنا حول الوضعية التي تم عرضها، ويظهر الفشل الذريع الملاحظ بعد نجاح الجدة والابتكارات، وهذا بدون شك بفضل ضوضاء وضجيج الاعلانات وتليفزيون الواقع… فشل يحاول المخرجون التخفيف منه ونصنصته سينمائيا.
** جان ميتري، جماليات وسيكولوجيا السينما، المطبوعات الجامعية 1963 (المطبوعات الجامعية جان بول دو لارج 1990) تاريخ السينما(5أجزاء)، المطبوعات الجامعية،1967-1980، السيميولوجيا قيد التساؤل، مطبوعات دي سارف، مقتنيات الفن السابع 1987، السينما التجريبية مطبوعات سيغرز 1974، فيلموغرافيا عالمية (35 جزءا) إيدهاك،1963-1973، مصالح أرشيف الفيلم سي آن سي،1979-1988 .
بونوا باتار، مقال لجان ميتري: عملاق، في مجلة سينما أكسيون العدد60 ،
يوليو 1991، تاريخ نظريات السينما، كورلي تليراما.
هوامش المترجم:
لقد ورد العنوان في المقال الأصلي بهذه الصيغة (جان ميتري 1904 – 1988 )
وأضفنا له المنظر والمخرج والناقد السينمائي
النص مأخوذ من مدونة أوفر
*جان ميتري بدأ حياته مصورا تحت اسم مستعار (جون لوتور) وفي 1935 أسس رفقة هنري لونغلوا وجورج فرونجي حلقة السينما التي تحولت فيما بعد إلى السينماتيك الفرنسي.
مارس مهنة التدريس بالمعهد العالي للدارسات السينماتوغرافية (1944 -1966) ثم بجامعة مونتريال بكندا (1966- 1970 ) وبعد ذلك بباريس (1970-1975 ) ودرس كذلك في المدرسة العليا للصحافة بباريس.
وهو مؤلف لعديد الأعمال حول الفن السابع منها اثني عشرة مونوغرافيا معمقة لسينمائيين وجمالية وسيكولوجيا السينما (1963 -1965) وتاريخ السينما في خمسة أجزاء (1960 -1970) والفيلموغرافيا العالمية، والسيميولوجيا قيد التساؤل (1987).
أخرج العديد من الأفلام القصيرة التجريبية ومن أكثرها شهرة باسيفيك(الهادي) موسيقى آرثر هونيغر عرض في 1949 وتحصل على جائزة أحسن مونتاج في مهرجان كان السينمائي، كما شارك كذلك في مهرجان كان لمونتاج الفيلم القصير بفيلمه المعنون بالستار القرمزي لألكسندر أستريك.
وفي 1959 أخرج فيلمه الطويل الوحيد لغز فولي برجار.
وقد توفي في جانفي 1988 عن عمر يناهز 83 سنة تاركا وراءه تراثا غنيا حول الفن السابع.
مصادر
Théorie et histoire du cinéma
Introduction à l’esthétique du cinéma(2 volumes), IDHEC, 1960 (mimeo)
Dictionnaire du cinéma, Paris, Éditions Larousse, 1963
Filmographie universelle(35 volumes), IDHEC, 1963-1973 ; services des Archives du film du CNC, 1979-1988
Histoire du cinéma(en 5 volumes), Paris, Éditions Universitaires, 1967-1980
Esthétique et psychologie du cinéma(2 volumes), Paris, Éditions universitaires, 1965 ; réédition (1 volume) Paris, Éditions du Cerf, 2001 (ISBN 978-2-2040-6625-9)
Le Cinéma expérimental : Histoire et perspectives, Paris, Éditions Seghers, 1974
La Sémiologie en question, Paris, Éditions du Cerf1987
* استاذ بقسم علوم الاعلام والاتصال- جامعة وهران.