الفيلم القصير “السبرتاية”.. ألعاب تخطيء الهدف!
أجواء فيروزية، قطعات مونتاجية محسوبة ما بين التترات وبين تقديم الممثلين، وتبيان العلاقات التى تجمعهما. إنها البداية التى تثير الفضول، وتوحى بأن المفترج مقبل على مشاهدة فيلم روائى طويل، إنها البداية التى تزعق بأعلى صوتها، بأن ثمة شىء مهم سيتم قوله، وأننا بصدد مشاهدة فيلم رائع، مثقل بحالة مميزة، وايقاع رشيق جذاب، وحدوتة محبوكة.
ولكن الحقيقة تغاير كل ما سبق، فنحن بصدد مشاهدة فيلم قصير، مدته لا تبتعد كثيرا عن مدة عناوين البداية التى امتدت فى راحة ومثابرة لتحمل أسماء صناعه، بتمهل وتأني من يحرص على هندمة الشكل دون أى إعتبار، فيلم قصير يحمل اسم “السبرتاية” بنفس منطق التباهى الخاوى الوفاض من أى معنى أو علاقة وثيقة بمضمون ما قدمه الفيلم، الذى تم عرضه ضمن عروض الأفلام القصيرة بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وفى صورة مُلفتة يُكتب اسم أحمد حداد مؤلف ومخرج وبطل الفيلم، وكأنه صاحب تاريخ عظيم يؤهله لوضع اسمه بهذه الطريقة.
باطن الخُدعة
أولها القصة، التى تتحدث عن شاب تقع فى غرامه ثلاث فتيات، وهي بلا شك عامل جذب مهم يستحق الإلتفات، والحقيقة انها حكاية ثرية إن أنصفتها المعالجة، وهذا ما لم يحدث فى فيلم أحمد حداد، الذى قدم سيناريو مُهلهلا بصورة ملحوظة، لخص لقاءه بالفتيات الثلاث فى اختصار مُخل لا يمت للمنطق بصِلة، فبعد مشهد أو مشهدين تتعلق كل فتاة به وتخبره عن احتياجها التام له، بدون أى مبرر مُقنع، فمنهم مثلا فتاة، تتعلق بحبه لأنه بادر إلى الدفاع عنها بينما كانت تعبر عن رأيها فى وقفة احتجاجية، وعلى الرغم من كل التنافر الذى حدث بينهما فى لقاءاتهما الأولى، ينقلب الأمر رأسا على عقب، وتتحول إلى متيمة واقعة فى حبه بجنون. بينما تشعر أخرى بنفس المشاعر حياله، لمجرد وفاة أقرب الناس إليها، ووجوده بجانبها فى هذا الموقف. أما الفتاة الثالثة، فتخبره بنفس المعنى، على الرغم من أن قوام علاقتهما جنسى بحت، رغم أنه يعتبرها شخصية عملية، كما لا يوجد بينهما ما يستدعى أن تشعر معه بإحساس يُخالف تركيبتها الجامدة.
يبدأ الفيلم بمشهد يوحى بإختيار البطل الإنحياز لوجوده مع الفتاة الثالثة، وهذا المشهد يتقدم السرد التفصيلى لتفاصيل بقية علاقته بالفتاتين الأخرتين، ولكن وجودهما فى المشهد ذاته لا يوضح أن ثمّة أى شىء جدى كان يربطه بهما من قبل. من الجائز أن نفترض أن أحداهما تكن له بعض المشاعر، ولكن من غير المقبول أن نُفكر أنه كان متورطا مع كليهما فى علاقات حميمة دافئة بمثل هذا الشكل الذى تم الكشف عنه فيما بعد، فبدا هذا المشهد هزليا بعدما اتضحت هوية الجميع، فما الذى يدعو فتاتين كانتا ترتبطان بعلاقة وثيقة مع شاب ما إلى حضور تجمع كهذا، يقف فيه هو لصيقا بمن فضلها عليهن، والأدهى أن إحداهما تقف وتبكى بشكل صارخ أمام الكل، أما الفتاة الأخرى فتتراقص مجاملة للحبيبين.
يوازى تلك المشاهد المرتبكة الساذجة، خط درامى آخر، لسيدة أربعينية تحيا وحيدة بعد وفاة زوجها، تتبدى عليها علامات التوق الجسدى والروحانى لزوجها المتوفى، تُحادث صورته، وتفصح فى اشارات خفية بالحوار عن مدى اشتياقها الجسدى له. وفجأة وبدون أى مبررات كالعادة، يذهب إليها البطل، باحثا عن عنوان أحدهم بنفس العمارة، بينما أخطأ وأدرك بابها هى.
تصر على استقباله لسبب غير معلوم، وتقرأ له الفنجان، وبعد محادثته عن البنات الثلاث، يحدث بينهما انجذاب ما …. إلخ، وهكذا يمكننى أن أسرد الكثير من المواقف التى لم ولن تخدم الخط الدرامى الأساسى بأى شكل، فما الداعى إلى جود هذه السيدة من الأساس، فهى لم تقدم له حتى وفقا لخبرتها فى قراءة الفنجان، أى استنتاجات أو قراءات قد تعود بشكل أو بآخر على علاقاته المرتبكة التى أخبرها بها، بينما تفلسف السيناريو، وخاض منطقة جديدة أثقلت كاهله المهترىء سلفا، فأساء للصورة التى قدم بها هذه السيدة فى بداية ظهورها وهى تحتفظ بنفسها لذكرى زوجها وكأن بينهما قصة حب قوية، وفى الوقت ذاته لم يضف لشخصية البطل العبثية إلا علامات استفهام كبيرة.
عناصر الخُدعة
* الإسهاب فى استخدام أغانى فيروز بدون توظيف يليق بها، ظهور السبرتاية فى آخر مشهد بالفيلم بدون مدلول مقنع، وكأنها متلازمة فيروز والقهوة التى اشتهرت بكونها رمز لأى حالة جدية، إضافة إلى وجود بعض أبيات الشعر بإمضاء أحمد حداد بعد إنتهاء العناوين فى بداية الفيلم. كل هذه المظاهر المرتبطة بدعم مضمون الفيلم ووضع لا فتة كبيرة غير مرئية تقول “فيلمنا يحمل مزاجيتة الخاصة” .
* اللجوء إلى ممثلة فى قوة سلوى محمد على، والإستعانة بصوتها فى إملاء أبيات الشعر فى البداية، إضافة إلى لعبها دور هذه المرأة الأربعينية، ولكن على الرغم من طلتها الهيبية إلا أنها لم تقو على نفى تلك المسحة الطفلولية التى ظهرت على الفيلم بأكمله.