الفيلم الأمريكي “المسافرون”: رحلة خيالية إلى عالم جديد

كثيرا ما تنشأ قصص الحب وسط ظروف عصيبة قد تكون تحت قصف المدافع فى ظل الحرب  والدمار او فى غرق سفينة تحت الماء، وكثيرا  ماتندلع السنة لهيب الحب هذه وسط لحظة ضياع كاملة لمستقبل العاشقين وربما حياتهما ايضا ولا يجدان سبيلا اخر للنجاة سوى هذا الحب.

كما نرى قصة الحب التى نشأت وسط ضياع أبطالها فى فيلم “المسافرون”Passengers ، اورورا/ جنيفير لورنس كاتبة وصحفية طموحة ارادت ان تصنع كتابا لم ولن يكتبه غيرها ومن اجل ـمنيتها هذه قامت بحجز تذكرتى ذهاب وعودة على متن المركبة الفضائية “افالين” المتجهة الى كوكب جديد يدعى هومستيد أو الوطن البديل.

مدة الرحلة 120 عاما تضمن شركة السفر عبر الفضاء لركابها النوم والسبات حتى الوصول الى وجهتهم البعيدة كما تحمل المركبة اكثر من خمسة آلاف مسافر بين بائس اراد حياة جديدة وآخرين فضلوا خوض المغامرة لبناء كوكب سعيد لا يشبه الأرض، وبين فتاة مثل أورورا التى ارادت نشر كتابها بعد العودة الى الارض فى غضون 250 عاما حيث انها فترة كافية من شأنها ان تقدم للكاتبة الطموحة قراء من نوعيات مختلفة.

لم تتمتع أورورا بالسبات الهادىء الذى يؤهلها للوصول الى نهاية الرحلة والسبب يكمن فى جايم/ كريس برات مهندس الميكانيكا الذى يشارك ضمن الخمسة الاف راكب فى المصير نفسه، لولا عطل اصاب كابينة السبات خاصته بعد 30 عاما من النوم ليجد نفسه المستيقظ الوحيد على متن المركبة والجميع نيام عدا الأجهزة الآلية والرسائل المسجلة!

أصيب جايم بحالة من الاضطراب نفسها التى شاهدناها من قبل فى فيلم castaway  الشهير لتوم هانكس حيث الكائن الحي الوحيد فى عالم لا يشعر بوجوده ولا تعيره أجهزة المراقبة اهتماما، فما كان منه سوى ان يقوم بايقاظ الجميلة النائمة ليس بقبلة هذه المرة وانما على كارثة تستدعى الحياة على المركبة.. تسعون عاما اخرين للوصول الى العالم الجديد، لاحقا تنشأ علاقة حب بين الطرفين، ربما ليس فقط لانهما اخر الاحياء ولكن سوف تتضح كثير من النقاط التى يشتركان فيها سلبا وايجابا، يقضيان الوقت فى الحديث والمزاح واللعب بالالعاب الافتراضية على سطح المركبة والتى تم تجهيزها خصيصا للترفية عن المسافرين فى الاشهر الاخير بعد الاستيقاظ وقبل الهبوط على كوكبهم الجديد.

الأداء التمثيلى من أهم العناصر التى قام الفيلم على ركيزتها حيث اتقن كريس برات رسم انفعالاته وملامحه التى من خلالها تتعرف على معاناة الشاب الذى أصبح على علم بما ينتظره من مستقبل مظلم على متن مركبة فضائية فارهة تحتوى على جميع سُبل الراحة عدا شخص واحد يشاركه االمصير، ربما ساهم ارثر/ مايكل شين النادل الذى يسكب له مشروبه ليلا متبادلا الحديث معه فى بعض الحكم المأثورة للدنيا ولكن ارثر عبارة عن روبوت الى بنصف جسد بهيئة آدمية.. عام كامل يعيشه جايم فى جحيم الفقد، يضحك احيانا ويدمر ماحوله فى غيظ معظم الاحيان ويتراجع عن القفز خارج المركبة ليتوه فى الفضاء اللامنتهي.

بدورها جنيفير لورانس أجادت القيام بدور أورورا الكاتبة التى فقدت خططها المستقبلية على يد من أحبت واعتقدت انه مكافأة العالم لها، وكان من اكثر المشاهد تعقيدا عندما تعرفت على الحقيقة وان جايم سبب ايقاظها قبل الموعد المحدد فما كان منها سوى ان اجابت بنظرة مرعبة جمعت فيها جميع مشاعرها المتناقضة.

يستيقظ كاس/ لورانس فيشبورن احد افراد طاقم المركبة  ليثبت ان هناك خللا ما فى كبائن النوم الخاصة بالركاب عندما لم يجد سببا لاستيقاظه ومن هنا تبدأ احداث الاكشن والاثارة فى الفصل الثالث من الفيلم، ويعد ظهور “كاس” حلا دراميا لجأ إليه السيناريو- الذى قام بكتابته جون سبيتس- فى الثلث الاخير من الفيلم لمساعدة بطلي الفيلم فى التعرف على اسباب الخلل التقني فى محركات المركبة وتسليمهما كروت الدخول الخاصة بكبينة القيادة، يموت كاس بعد مشهدين من ظهوره كما حدد له الطبيب الآلى أنه بالفعل يحتضر ليس متبقى سوي ساعات قليلة على قيد الحياة، وبذلك يتخلص السيناريو سريعا من الحل الدرامى الذى استخدمه ليضع البطلين فى اختبارات حياة او موت حيث تنقذ ارورا حبيبها الذى تناست تماما انانية جايم التى تعامل بها فى البداية.

القفز عبر الزمن والسبات لسنوات والاستيقاظ فى وقت لاحق من اشهر التيمات التى تم استخدامها فى السينما الامريكية ومن ثم نجد ان صناعة فيلم مثل “المسافرون” Passengers  تتطلب الذكاء الشديد فى تقديم التيمة نفسها بشكل جاذب ومختلف وهذا مافعله المخرج مورتين تيلدوم فى تقديم  مشاهد مبهرة بصريا مثل مشهد انعدام الجاذبية فى اثناء ممارسة ارورا السباحة فى المسبح حيث ترتفع كتلة المياة الساكنة فى المسبح الى الاعلى محتوية الفتاة داخلها تعافر لجرعة اكسجين.

ينتهي الفيلم على عرض جايم لاورورا بضبط كابينة الطبيب الالية كى تستطيع استكمال رحلة سباتها ولكن المشهد التالي يظهران فى ابهى الملابس والابتسامة لا تفارقهما، قد يعيشان اقل من التسعين عاما القادمة سويا فى انتظار الموت المحتوم معا. 

Visited 179 times, 1 visit(s) today