“الفيل الأزرق”.. ماذا لو لم تكن أنت من يعيش حياتك؟
لكل منا تأثير في حياة الآخر، فنحن نعيش وفق تبادلية مسببة، فبحسب “يحيى راشد” لا شيء يحدث دون تفسير أو معنى أو هدف، حتى وإن لم يستطع أن يجد له تفسيرا.
“يحيى راشد” شخصية الطبيب النفسي الذي يعاني من اضطرابات نتيجة ما تعرض له في حياته من صعاب، والتي رسم خطوطها الكاتب أحمد مراد في روايته “الفيل الأزرق” التي صدرت 2012، وتم تحويلها إلى فيلم في عام 2014 ولاقى نجاحا جماهيريا واسعا، يعود بها مراد وطاقم العمل المخرج مروان حامد والممثل كريم عبد العزيز في الجزء الثاني من الفيلم نفسه لكن هذه المرة بسيناريو مكتوب خصيصا للسينما، فهل نجح مراد في صياغة سيناريو ناجح؟
للوهلة الأولى تشعر أن فيلم “الفيل الأزرق” بجزئه الثاني يقدم جرعة سينمائية دسمة وذات إيقاع مختلف عما ينتج في السينما المصرية في السنوات الأخيرة، بداية من الموضوع ثم إلى التصوير والإخراج، لكن مع التعمق تجد أن هناك ثغراتٍ في هذا العمل الفني ذي الانتاج الضخم.
تعاون مشترك
رغم النجاح الذي حققه الثنائي أحمد مراد ومروان حامد وتعاونهم في ثلاثة أفلام قبل “الفيل الأزرق” في جزئه الثاني، إلا أن هناك أزمة لا تزال مستمرة وهي السيناريو، لا أحد ينكر على أحمد مراد قدرته على تصور حكاية وحبكة متسلسلة الأحداث، لكنها تفتقر في أغلب الأحيان إلى التوازن أو الذكاء، ففي فيلم “الفيل الأزرق” نلمح سذاجة الحوار والسيناريو في بعض الأحيان، ما يفقد المشاهد بعض المتعة رغم الامتاع البصري وقدرة مروان حامد على إدارة أدواته وتمكنه منها بصورة كبيرة، ما دفع المشاهد للانجذاب نحو استكمال الفيلم.
في الوقت نفسه يحسب لمراد تطوير الحبكة بصورة ديكوباجية، كلعبة المكعبات عليك أن تضع كل قطعة في مكانها حتى نرى الصورة صحيحة، واستطاع أن يستغل حوالي ساعتين وهما عمر الفيلم لمد المشاهد بالتفاصيل لحل اللغز، وكطبيعة أفلام الألغاز فإ ما أن تكون خارج الحكاية وتكتفي بالتحقيق أم أن تتطور بها وتكون جزءً منها ما يضفي قدرا أكبر من الدراما على الحبكة، هذا مع حدث مع “يحيى راشد”، لكن على الفيلم الجديد أن يخلق حبكة جديدة حتى وإن تورط فيها البطل، كما حدث مع يحيى في الجزء الأول من الفيل الأزرق.
يحيى راشد دون سابق إنذار تستدعيه مستشفى العباسية للأمراض العقلية للحضور لقسم 8 غرب بناء على طلب إحدى المريضات النفسيات، المتهمة بقتل ابنتها وزوجها لكنها تدعي أنها لا تعلم شيئا عن هذه الجريمة وتنفي ارتكابها.
هذه هي القطعة الأولى في لعبة المكعبات، والتي تشبه إلى حد كبير جريمة “شريف الكردي”. تستمر أحداث الفيلم في التصاعد حتى نكتشف أن خصم “يحيى” في الجزء الأول لم ينته ومازال يطارده فـ “نائل” هذا الجن يتجسد في “فريدة” وهو من يرتكب هذه الجريمة، وكعادة “يحيى” في حل الغرائب بما هو أغرب يستعين بحبات “الفيل الأزرق” لتعاونه على حل اللغز والوصول إلى الحل.
في أغلب الأوقات نشعر بوفاء أحمد مراد لروايته “الفيل الأزرق”، لاسيما أنه يستنسخ منها حكاية جديدة، ومع هذا فالفيلم يحمل الكثير من المميزات، تتمثل بقوة في كلمة “المخرج”، فمروان حامد مخرج أثبت أن له بصمة خاصة، وفلسفة في تكوين الصورة بصريا، وتكوين خط اتصال مع الجمهور، ففي الفيلم الذي نحن بصدده، هناك العديد من هذه السمات، بداية من اللقطات المشابهة للجزء الأول والتي تحضر في لقطات المستشفى وابتلاع حبات “الفيل الأزرق”، وصولا إلى استعادة حالة الارتباك التي عاشها “يحيى” في الجزء الأول، سيما أنه متورط في الحادثة.
جماليات بصرية
امتاز الفليم بطريقة تصوير دائرية تلائمت مع الحبكة الدائرية بالفيلم، وقدم مدير التصوير أحمد المرسي، الذي شارك الثنائي مراد وحامد في الأفلام الثلاثة السابقة، الفيل الأزرق، الأصليين وتراب الماس، واعتمد تقنية (اللقطة المشهد) في أغلب المشاهد ما منح الفيلم ديناميكية وحيوية، سيما في مشاهد الحركة.
وظهر التفاهم المتبادل بين المرسي وحامد في أغلب مشاهد الفيلم، كما تضافرت جهود المونتير “حمد حافظ، الذي شاركهم أيضا الأعمال السابقة، مع عناصر الصورة البصرية، فتباينت أساليب المونتاج المستخدمة وخفف من وطأة الحيرة التي كان يقع فيها المشاهدين بين الحين والآخر، واتضح العمل الجماعي في الصورة بين العناصر الأربعة المذكورة، لتكن الصورة هي البطل في الفيلم وعنصر الابهار الأول، سيما أن الفيلم يسبح ما بين الخيال والحقيقة، وهذا الخط الفاصل ظل ممسكا به “حامد” على مدار الأحداث.
وكالجزء الأول قدم الموسيقار هشام نزيه موسيقى تصويرية اعتمدت على التلوين اللحني حتى وإن احتفظ بتيمة الجملة اللحنية، كما استعان بعنصر الصوت البشري للمغنية “هند الراوي” كرفيق للآلات الإيقاعية والوترية، ليفسر من خلاله عدم الاتزان والتوتر الذي يصيب يحيى والمشاهد أيضا، وإن زادت في بعض الأحيان.
كان الأداء التمثيلي جزء من التكوين البصري وتحالف مع العناصر الأخرى لإنجاح الفيلم، ويعتبر أداء هند صبري في دور “فريدة نائل” هو الأبرز والأفضل، حيث تتمتع هند بحضور خاص على الشاشة كما تمنحها الشخصية التي تقدمها حضورا أكبر، سيما أنها متحكمة في مسار الأحداث والعليمة بما سيحدث قبل حدوثه، يليها كريم عبد العزيز في دور “يحيى” ويقدم أداء تمثيليا ناضجا ويكشف أنه ممثل يستحق محبة الجمهور له ففي فيلم “الفيل الأزرق” بجزئه الثاني نجد أداء متطورا لكريم عبد العزيز يوازي أدائه في الجزء الأول، مع مسحة كوميدية لم تخل بالحالة النفسية العامة للشخصية، فمنح توازنا محببا لدى الجمهور.
فيلم “الفيل الأزرق” في جزئه الثاني منح المشاهد لمحة قوية عن جزء ثالث، ومن الممكن أن يكون المتمم لهذه الثلاثية، وفي هذه المرة “يحيى” لن يكون متورطا فحسب مع “نائل” بل عليه أن يحارب نفسه لينجو بنفسه، ومن المؤكد أنه سيستعين بحبات الفيل الأزرق لتكون المخلص له.