“الفيل الأزرق- 2” الإفراط في الرعب للتحايل على تفكك السيناريو
تحمل مسألة تقديم جزء ثان من فيلم معين جانبين: الأول أن القائمين عليه ليسوا بحاجة إلى بناء الشخصيات من جديد فهذه الشخصيات تم التقديم لها من قبل، والجانب الثاني وهو الأصعب كيفية استكمال ودعم البناء الذي بدأ في الجزء الأول، وهنا السؤال الأهم الذي يجب طرحه بعد مشاهدة الجزء الثاني من فيلم “الفيل الأزرق” للمخرج مروان حامد وبطولة كريم عبد العزيز ونيللي كريم وهند صبري ومن تأليف أحمد مراد وهو متصدر شباك التذاكر في مصر حاليا.. هل نجح البناء فى الفيل الأزرق 2؟
التزم الجزء الأول من “الفيل الأزرق” تماما بالرواية التي كتبها أحمد مراد وتحمل نفس الإسم، فبناء الشخصيات في السيناريو اعتمد عليها بتسلسل منطقي يحيى “كريم عبد العزيز” الطبيب النفسي المضطرب نتيجة الإدمان وحادثة وفاة زوجته وإبنته، وعلاقته بقضية شريف الكردي “خالد الصاوي” المتهم بجريمة قتل ثم عودة يحيى لقصة حبه القديمة مع لبنى “نيللى كريم” وسارت بالتوازي حبكة مراد الخاصة بمعاناة الثنائي يحيى وشريف مع وجود أقراص الفيل الأزرق وهلاوسها.
شهد الجزء الجديد ضعف في مسألة البناء على الماضي فنجد أنفسنا أمام جزء ثاني مبتور تماما عن الأول سواء على مستوى التطور الدرامي للشخصيات أو في علاقتها ببعضها مثلا لماذا العلاقة فاترة بين يحيى ولبنى ولماذا عاد يحيى إلى الادمان؟
هذا التمهيد كان مهما حتى يعرف المشاهد ماذا حدث خلال خمسة أعوام وما التطور الذي طرأ على الشخصيات، لكن وجدنا أنفسنا أمام نفس الأمر من جديد وأن المتغير الوحيد وجود فريدة كبديلة لشريف.
وبالتالي لم يفلح الفيلم في خلق أحداث جديدة من رحم الحبكة القديمة التي امتازت في هذه الجزئية بمراحل برغم ظهور شخصية جديدة وهي فريدة “هند صبري” التي من المفترض انها محورية في الاحداث لكن لم تكن سوى صورة كربونية من شخصية شريف الكردي في الجزء الأول لتكتمل معها سلسلة التكرار الهزيل، ليقوم الطبيب بفك طلاسم قضية فريدة بدلا من شريف.
ونفس الأمر ينطبق حول جدوى شخصية دكتور أكرم “إياد نصار” دراميا فهي لم تضيف أي جديد لا على مستوى خطوط الشخصيات أو على مستوى تدرج الأحداث فأكرم شخصية مبتورة ظهرت دون تأسيس وانتهت فجأة دون أي تأثير ولم يكن تجسيد إياد الجيد للشخصية كافيا لإنقاذها.
لهذا لجأ المخرج مروان حامد إلى أمرين للتغلب على تفكك السيناريو أولا الإسهاب في مساحة مشاهد الخدع والغموض والتشويق التي كانت أقرب إلى أفلام الرعب، وفي هذه الجزئية نجح مروان في تنفيذ هذه المشاهد بمنتهى الدقة والحرفية فقد جعل المشاهدين في حالة من التوتر والترقب وأحيانا الخوف، وثانيا تقديم صورة سينمائية مميزة كعادة أفلامه دائما لكن هنا يجعلنا نطرح سؤال آخر هل وجود الصورة المبهرة كافيا لإشادة بالفيلم، وما جدوى جمال الصورة طالما لن تكون إضافة للعنصر الدرامي؟
تيمة “الفيل الازرق” التي تعتمد على خليط بين الحقيقة والحلم والهلاوس مميزة يخرج من كنفها حبكات درامية كثيرة لكن التفوق يكون في كيفية صياغة الأحلام مع الواقع وتوظيف الهلاوس مع الحقيقة والحلم، وكيف يخدم كل منهم الآخر دراميا وهو ما ظهر بشكل أفضل في الجزء الأول، أما الجزء الثاني فقد ظهر استطراد ممل خصوصا في مشاهد الهلاوس التي كانت مجرد إعادة للمشاهد الحوارية بين الأبطال يحيى ولبنى وفريدة لكن مع استخدام خدع بصرية وحكايات فنتازية فلكلورية لم تجدي دراميا ولم يكن لها محل من الإعراب، فمن المفترض أن يصل السرد للمشاهد عن طريق تلك الحكايات “الهلاوس” ولا تكون مجرد تكرار لتفاصيل جاءت على لسان الأبطال خلال بداية الأحداث.
واستكمالا لحالة التكرار التي سيطرت على الفيلم فقد ظل مرتكزا على نفس تفسير الخدعة التي تعتمد على الانعكاسات في المرآة وهو خط درامي أصيل في هذه النوعية من الأفلام التي تعتمد على الجانب الغرائبي وعالم الجن والأمراض النفسية.
كريم عبد العزيز ممثل موهوب مجتهد خفيف الظل يحمل كل مواصفات النجمالجماهيري يجيد في اختياراته الخاصة بشباك التذاكر لكنه دائما يقدم أفضل أداء تمثيلي في أسوأ أفلامه مثل “خارج عن القانون” عام 2007 أفضل دور قدمه كريم في مسيرته لكن الفيلم في المجمل كان دون المستوى، في “الفيل الأزرق- 2” كريم في أفضل حالاته ممسك بخيوط الشخصية ومتحكم فيها خصوصا على مستوى تعبيرات وجهه التي امتزجت بين الخوف والقلق والإضطراب التي ظهرت من خلالها أزمة الشخصية النفسية ليرسخ أداء كريم شخصية يحيى راشد بصريا بعد أن ارتبط بها الجمهور على الورق في الرواية.
على النقيض تماما قدمت هند صبري أداء مبالغا فيه لشخصية فريدة من خلال إضفاء حركات جسدية وتعبيرات لم تضف أي جديد ولم تحمل أي إبداع ولم تحتملها الشخصية على المستوى الفني، أما نيللي كريم لم يمثل الفيل الأزرق بجزئيه أي إضافة لقيمتها وموهبتها، ونجد ظهورا باهتا لخالد الصاوي لم يكن مؤثرا سواء على مستوى الأداء التمثيلي أو في السياق الدرامي.
مثلما تسبب “ملاكي اسكندرية” في نقلة لنوعية الأفلام التي تعتمد على التشويق والنهاية الخادعة فأيضا الفيل الأزرق 2 سيفتح الطريق أمام الأفلام التي تعتمد على الرعب والخدع البصرية، ويبقى السؤال الأخير حول وجود جزء ثالث فنهاية الجزء الثاني كانت نفس نهاية الرواية لكن بعد الإنعزال الكبير بين الجزئين وابتعاد الثاني عن الرواية تماما فإن العامل التسويقي سيكون الفاصل الوحيد في مسألة وجود جزء ثالث أم لا