السينما والأنظمة الشمولية

منذ بدايات القرن العشرين وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها تنبه العالم لخطورة هذا الفن الساحر المبهر الذي يسرق الألباب ويأسر الوجدان، فالصورة بألف كلمة كما قال المثل الصيني، واللقطة السينمائية الواحدة تستطيع أن تصف ما يكتب في صفحات ويقال في أعظم الخطب. والخطورة ليست في القدرة فقط بل في التأثير، السينما صنعت تمازجا بين الصور الإدراكية الخارجية والصور العقلية الداخلية كالذاكرة والخيال والأحلام، فأصبحت الصورة السينمائية جزءً من صور العقل الأساسية فكان لها هذا التأثير الهائل على ذهنية المشاهد وإدراكه وخياله.

وقد رصدت الأنظمة الشمولية “التوتاليتارية هذا التأثير فاستخدمت السينما كوسيلة ناجعة في تحريك الوعي الجمعي وتطويع الشعوب، وإعادة صياغة خيال الجماهير وفرض إطار أيديولوجي حول وعيهم، وقد نجحت بعض الأنظمة في صنع ما سميَ بعد ذلك بالسينما الدعائية، بعد إدراكهم لأهمية فن الصورة في التأثير والشحن وتوجيه العيون نحو السراب حتى تكتمل أركان الهيمنة التي اعتمدت على المبالغة وقلب الحقائق وتزيف الواقع حتى الأفلام التي لم تحمل صيغة إيديولوجية واضحة استخدمتها هذه الأنظمة لتشتيت انتباه الجماهير بعيداً عن الحقائق.

ويرى جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازية، حتمية السيطرة على السينما حتى وإن لم تكن تحمل رؤيه سياسية بل أن جوبلز أشهر وزير دعاية على مر التاريخ، أعجب بأفلام صنعت في معسكر الأعداء ونجده لاحظ التأثير الكبير لفيلم “المدمرة بوتمكين” على الفكر السياسي من خلال الاستجابة العاطفية، ووصفه بأنه “فيلم رائع ليس له نظير في السينما، أي شخص ليس لديه قناعة سياسية راسخة يمكن أن يصبح بلشفيا بعد مشاهدة الفيلم على حد قوله.

ويقول موسوليني مؤسس الفاشية الإيطالية (تمتلك السينما ميزة كبيرة غير متوفرة في الصحيفة أو الكتاب وهي التحدث إلى العيون، التحدث بلغة يمكن فهمها من طرف جميع شعوب الأرض).

ويرى رواد المنهج التاريخي الاجتماعي في دراسة الفن أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في مجتمع من المجتمعات، وبين الأشكال الأساسية للثقافة في هذا المجتمع، ومن بينها الفن بأجناسه المختلفة، وهي العلاقة التي ترسخت بشكل خاص مع ظهور السينما أي الفن الذي تميز بسهولة تلقيه وسرعة انتشاره. ولم يكن من الصعب رصد أن كل النظم الاستبدادية والشمولية رغم تباينها الجغرافي والتاريخي اشتركت في نظرتها الاستغلالية للسينما كأداة توجيه وشحن وتعبئة ودعاية لتحسين صورتها وشيطنة أعدائها.

ريفنشتال أثناء التصوير

السينما والرايخ الثالث

بدأت الحقبة النازية عندما عين هتلر مستشاراً لألمانيا في 30 يناير 1933 وبدأ الحزب النازي في تصفية المعارضة والانفراد بالحكم وأصبحت السلطة مركزية في يد الفوهرر الذي أصبحت سلطاته أعلى من القانون.

وقد لا يعرف البعض أن هذا الدكتاتور الذي كان طرفا أصيلا في حرب تسببت في هلاك الملايين هو نفسه الرسام عاشق الموسيقى ومتذوق الفنون الذي تحول لسفاح ذي نزعة طهرانية تسببت في مقتل وتشريد الملايين ودخول العالم في ظلمات الحرب والدمار.

ومن يقرأ كتاب “هتلر والسينما” لبيل نيفن يعرف مدى ولع هتلر بفن السينما وكيف استخدم هذا الفن للتأثير على الجماهير وشحنها عاطفياً لتؤمن بنبوءته السياسية التي هدفت لغزو العالم ،ورغم رفض هذا المذهب للآخر واستبداده المطلق نال الحزب النازي قوة كبرى لم تكن لتأتي لولا الدعاية التي عرفت باسم “الهتلرية” أو “الجوبلزية”، نسبة إلى جوزيف جوبلز الذي سعى لتحويل هتلر لأسطورة، وأجاد في ذلك حتى أنه ابتدع حيلة دعائية جديدة لتصوير هتلر كأنه المنقذ الوحيد لألمانيا عبر طائرة تجارية كبيرة يجول من خلالها هتلر على مائة قرية ألمانية تحت شعار “القائد فوق ألمانيا “، وقد صورَ هتلر داخل الطائرة وهو يرى ألمانيا من السماء، لتعرض هذه الأفلام فيما بعد في جميع أنحاء البلاد.

ريفينشتال مع هتلر

ليني ريفنشتال

اشتهرت ريفنشتال كممثلة ألمانية أثناء فترة السينما الصامتة وكان أول أفلامها كمخرجة “الضوء الأزرق” (1932)، ولفتت ريفنشتال نظر هتلر الذي يحمل طموحا فنيا مشتعلا. وفي نفس السنة استمعت ريفنشتال إلى خطبة ألقاها هتلر جذبت انتباهها بقوة، فأعجبت بخطابه وبطريقته التي يستحوذ بها على انتباه الحاضرين.

ومنذ ذلك الحين بدأت علاقة هتلر مع ريفنشتال التي أسهمت في الدعاية للنظام النازي عبر عدة أفلام وثائقية، أولها فيلم “انتصار الإيمان”، عام 1933، أعقبته بفيلم آخر من تأليفها وتصويرها وإخراجها عام 1934 بعنوان “انتصار الإرادة”، واستكملت ريفينشتال ثلاثيتها بفيلم “يوم الحرية: قواتنا المسلحة” عام 1935، والذي يروي انتصارات الجيش الألماني، أما الفيلم الذي أخرجته ريفينشتال بشكل منفصل هو فيلم “أوليمبيا”، والذي يصور أوليمبياد برلين عام 1936.

 يقول هتلر: “باستطاعتك أن تصور للجمهور الجنة كما الجحيم، أو الحياة البائسة للغاية وكأنها الجنة”. وقد قام الحزب النازي بعملية تطهير لصناعة السينما من الطليعة الفنية ومن عدد كبير من الفنانين والخبراء والتقنيين. وهرب ما يزيد عن 1500 صانع للأفلام من ألمانيا ليحل محلهم فنانون انتهازيون لا يحمل بعضهم الموهبة، وكانت وزارة الدعاية تقوم بمراقبة السيناريوهات وتُشرف على إنتاج الأستوديوهات.

وقد تجاوزت سيطرة النظام النازي على السينما حدوده القومية لتصل إلى امتداده الاستعماري، فقد فرضت ألمانيا الرقابة الصارمة على صناعة السينما في الدول التي احتلّتها وعلى رأسها فرنسا.  ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، حققت السينما النازية أرباحا قياسية، كما استطاعت أن تقهر الأسواق الأجنبية بإقصاء المنافسة الأميركية تماما.

وباحتلال معظم دول أوروبا كان أمام جوبلز “جمهور أسير” طالما اشتاق للحصول عليه. كان جوبلز يسعى للسيطرة الثقافية على أوروبا، وكتب في يومياته في 19 مايو 1934: “يجب أن نصبح السلطة السينمائية الأكبر في أوروبا، ويجب ألّا نسمح للأفلام التي تُنتج بواسطة الدول الأخرى إلّا بأن يكون لها طابع محلي محدودهكذا كانت السينما أيضا أداة تجارية لدحض الأنظمة الاقتصادية للخصوم بالسيطرة على أسواقها الخارجية

السينما في عهد المرشد

وصل بينيتو موسوليني إلى رئاسة الحكومة الإيطالية في أكتوبر 1922، وجمع بعد أسابيع فقط كل السلطات بيده بتفويض من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ثم قام بتعديل الدستور كي يعطي لحزبه (الحزب الوطني الفاشي) الأغلبية البرلمانية. باختصار أقام سلطة دكتاتورية “شخصية”. وأعطى موسوليني لنفسه لقب (المرشد) وكانت السينما، إلى جانب الإعلانات في الشوارع والإذاعات والصور، أحد سبل تمجيد شخصيته.

يقول موسوليني (السينما هي السلاح الأقوى) هكذا كان يري السينما أداة فاعلة لترسيخ الثقافة الشعبية الفاشية التي حرص هذا النظام التوتاليتاري على تطويرها بما يخدم هيمنته وسياسته الحديدية ويحسن من صورته الدميمة ، فتم بناء المدينة السينمائية (سيني سيتا)  1936 شرق روما بما يضاهى استديوهات هوليوود وفي هذه المدينة جرى فيما بعد تصوير أفلام إيطالية وعالمية شهيرة مثل (لا دولشي فيتا) لفللينى و(بن هور) لويليام وايلر.

موسوليني

وقد مرت السينما الإيطالية في ظل النظام الفاشي بثلاث مراحل. المرحلة الأولى كانت في العشرينات، أي السنوات الأولى من حكم الفاشية، حيث كان الفن السينمائي خاضعا لـ «الرقابة» الصارمة.

ولم تتردد السلطة آنذاك من إيجاد مؤسسة تابعة للدولة مهمتها تنفيذ تلك الرقابة، حتى أنها فرضت ترجمة (دوبلاج) على الأفلام الأجنبية إلى اللغة الإيطالية، وما عنى إعادة كتابة حوار الأفلام بمنظور أيديولوجي مغاير وتميزت تلك الفترة أيضا بعدم الاهتمام المباشر بهذا بفن السينما.

لكن الأمر تغيّر منذ مطلع الثلاثينات حيث وضعت الدولة يدها بشكل مباشر على الصناعة السينمائية وسعت إلى صبغها هي أيضا بالإيديولوجية الفاشية كي تقوم بدور دعائي مباشر للنظام وتم إنتاج العديد من الأفلام عن الثورة الفاشية كان أهمها فيلم “الحرس القديم “إخراج أليساندرو بلازيتي. ثم المرحلة الثالثة منذ نهاية سنوات الثلاثينات ومطلع الأربعينات حيث ظهرت بعض ملامح المقاومة السينمائية للفاشية مع بدايات موجة الواقعية الجديدة والتشكيك بالنظام الفاشي عبر الفن السينمائي.

الرقيب الأكبر

يعتبر ستالين أحد أهم طغاة العصر الحديث وكان مجرد ذكر أسمه كفيلاً بأن يزرع الهلع في قلوب الملايين فلم ينجو من بطشه العدو ولا الصديق ولم يكن ستالين موهوباً في سفك الدماء والترهيب فقط بل كان يحمل موهبة فذة في التزيف والخداع وعكس الحقائق.

وكانت السينما هي أقرب الوسائل لقلبه التي استخدمها ليجعل من نفسه أسطورة تمشى على قدمين وينسج من خيوطها الضوئية قصص تمجد شخصه وتدعم حكمه الشمولي الذي تميز بالقمع الجماعي والتطهير العرقي والترحيل ومئات الآلاف من عمليات الإعدام والمجاعات التي أودت بحياة الملايين رغم أن ستالين بطل أيديولوجي للحركة الماركسية اللينينية التي جعلت من الاتحاد السوفيتى قوة عظمى.

ستالين

 فيلم “سقوط برلين”- 1950 من إخراج مخائيل شيوريلي  يرصد لحظة حاسمة في تاريخ الحرب العالمية الثانية حينما انتحر هتلر وحاصر الجنود السوفيت مقر حكمه. هنا تظهر طائرة في السماء، ويجرى الجنود تجاه هذه الطائرة لاستقبال البطل جوزيف ستالين.

في هذا المشهد المشحون بعواطف الانتصار والفخر ترى أعلام الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، والاتحاد السوفيتى، كلهم يهرولون للوقوف تحية للبطل القادم لإعلان النصر، والحقيقة أن ستالين لم يذهب لبرلين أبدا فقد جعل هذا المشهد الذي أبكى ستالين نفسه حين رآه صاحب النصر الأول الذي هزم أسطورة التحدي النازية وهبط من السماء ليجني ثمار المجد والنصر هكذا صنعت سينما ستالين منه بطلا أممياً من ورق.

دولة يوليو المستمرة

لعب اللواء محمد نجيب (أول رئيس جمهورية مصري) دور أول ناقد سينمائي للسينما “في عهد الملكية” حيث قال بعد مرور أيام من ثورة يوليو في بيان للسينمائيين كان عنوانه “الفن الذي نريده”: “إن السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وعلينا أن ندرك ذلك، لأنه إذا ما أُسيء استخدامها فإننا سنهوى بأنفسنا إلى الحضيض، وندفع بالشباب إلى الهاوية“.

من فيلم “رد قلبي”

منذ بداية دولة يوليو وضباطها متنبهين لدور السينما وتأثيرها في وعي الجماهير ونرى ذكر أسماء القادة صراحة في أفلام تلت الثورة ففي فيلم اللص الشريف 1953 غنى إسماعيل ياسين مونولوج 20 مليون وزيادة وفيه يقول “الجيش ونجيب عملوا الترتيب” وبعد إزاحة اللواء نجيب عن الحكم وبداية العهد الناصري نلاحظ إنتاج أفلام حملت رسائل سياسية واضحه على مستويين الأول هو تشويه العهد البائد كما أسموه والثاني هو تمجيد الثورة ورجالها الذين خلصوا البلاد والعباد من الفساد والطغيان والظلم الاجتماعي.

في عام 1955 يقدم أحمد بدرخان فيلم “الله معنا” عن قصة إحسام عبد القدوس والفيلم يناقش دور رجال القصر الملكي في قضية الأسلحة الفاسدة التي أدت لخسارة حرب فلسطين 1948.

وبعده بعامين وعن قصة يوسف السباعي يظهر فيلم “رد قلبي” إخراج عز الدين ذو الفقار وهو الفيلم الذي يحفظه المشاهد العربي فهو واحد من كلاسيكيات السينما المصرية حيث تأتي ثورة يوليو لتقضى على الفروق الطبقية ويستطيع على ابن البستاني الفقير الذي صنعت منه الثورة ضابطا أن يليق بحبيبته ابنة الأمير، فهي الرسالة الواضحة بأن ثورة يوليو جاءت منحازة للفقراء ومنتصرة للمقهورين والبسطاء بعد أن أعطت أبنائهم فرصة في مستقبل أفضل وحق في وطن تم استلابه من قبل طبقة معينة.  

ونرى تأكيدا على ذلك في فيلم “الأيدي الناعمة” حين قرر الأمير السابق (أحمد مظهر) مقايضة نياشينه بقطعة من الحلوى ليكتشف أن ابن صاحب عربة البسبوسة شاب يعمل في وزارة الخارجية أي سيصبح سفيرا وأن هذا ما وعدت به الثورة البسطاء وأبناء الفقراء.

 ونلاحظ أن عبد الناصر أمر بالإفراج عن عدد من الأفلام الممنوعة من العرض، مثل فيلم “لاشين” الذي مُنع عرضه لانتقاده العد الملكي. تلك النغمة التي استمرت في فيلم “القاهرة 30” إخراج صلاح أبوسيف وكان التركيز على شخصية محجوب عبد الدايم الشخصية المتسلقة التي تضحى بأي شيء لتصل لمآربها وهي الشخصية التي أفرزتها عهود ما قبل الثورة الفاسدة ومع أخر سنوات عبد الناصر يأتي فيلم “غروب وشروق” (1970) إخراج كمال الشيخ لتدين العهد الملكي وتظهر جبروت وطغيان رجال أمنه السياسي.

ويقدم يوسف شاهين عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي فيلم “الأرض” (1969) عن مأساة الفلاحين المعدمين وحرمانهم من الماء الذي يروى أرضهم في الثلاثينات هؤلاء الفلاحون الذين عانوا من ظلم وجور الإقطاع، الذي قضت عليه ثورة يوليو بقوانين الإصلاح الزراعي.  

وكان للأفلام الكوميدية نصيب في منظومة تسييس السينما فظهرت مجموعة أفلام إسماعيل ياسين في( الجيش – الأسطول- البوليس الحربي – الطيران) وحملت هذه الأفلام  الكوميدية القريبة من قلب الجماهير رسائل بوطنية المؤسسة العسكرية درع الوطن وسيفه تلك المؤسسة التي خلصها الضباط الأحرار من يد الملكية الفاسدة وجعلوها مؤسسة وطنية عمادها من أبناء البسطاء والفلاحين المصريين. لم ترصد الأفلام السينمائية في تلك الفترة الواقع الحقيقي لمصر على المستوى السياسي أو الاجتماعي ولم يشذ عن تلك القاعدة إلا محاولات المخرج المتمرد توفيق صالح الذي قدم فيلم “المتمردون” 1968 الذي منعت الرقابة عرضة حينها ويحاول صالح في هذا الفيلم تقديم كشف حساب لوعود الثورة التي لم تفي بها رغم شعاراتها الرنانة التي لم تغادر مكانها حين علقت على الجدران.

سينما زوار الفجر

في عام 1973 يرحل المخرج الشاب ممدوح شكري حزناً وحسرة على منع فيلمه “زائر الفجر” الفيلم الذي نبش وراء الأسباب الحقيقية لهزيمة 1967  ولم يُسمح بعرض الفيلم إلا بعد الرحيل المأساوي لمخرجه ممدوح شكري، وتم حذف أكثر من 20 مشهد منه ، هذ الفيلم الذي تلاه أفلاما أخري مثل “الكرنك” إخراج على بدرخان و “وراء الشمس” إخراج محمد راضي و”إحنا بتوع الاتوبيس” لحسين كمال وكلها اتفقت على أن الفساد السياسي والقهر الاجتماعي وبطش الأجهزة الأمنية ومصادرة الرأي والاعتقالات العشوائية والتعذيب سببت هزيمة داخليه أدت لهزيمة أكبر أو نكسه كما أسموها.

https://www.youtube.com/watch?v=KSgDOAfhzCE

ويبدو أن الرئيس أنور السادات راقت له هذه النوعية من الأفلام التي استخدمها ضد خصومه السياسيين وصراعه مع بقايا العهد الناصري خصوصا وأن الدولة تحولت من النظام الاشتراكي للنظام الرأسمالى وبدأ عصر الانفتاح بكل جرائمه.

 تلك الفترة التي أهالت التراب على وجه المجتمع بعد أن انحسرت القيم وصار البشر وضمائرهم سلع رخيصة، وظهرت على السطح طبقات جديدة من اللصوص ورجال الأعمال (أهل القمة) مصاصي دماء البسطاء هذه الطبقات الطفيلية صعدت على أنقاض الطبقة المتوسطة التي دفع أبناءها ضريبة الدم والوطن تلك الفترة التي تجلت في موجة أفلام الواقعية الجديدة بأفلام محمد خان وعاطف الطيب وغيرهم.

خاتمة

 لم تتعرض هذه الدراسة لتقييم الأفلام المذكورة من الناحية الفنية أو تحصى كل الأفلام التي ظهرت في تلك الفترات الزمنية المذكورة ولكن كان الهدف هو إلقاء الضوء على استغلال الانظمة السياسية للفن السابع بما له من خصائص أهمها سرعة الانتشار وقوة التأثير في الجماهير وهذا ما يحتاجه السياسي ليدعم أركان حكمه الباطل ويروج لمشروعه بما يحمله من طروحات وإيديولوجيات زائفة.

وهذا لا يمنعنا أن ننوه أن في تلك الفترات التي حكمت فيها الانظمة الشمولية في مختلف بلدان العالم ظهرت أعمال سينمائية عظيمة على المستوى الفني والرؤية واللغة السينمائية، ففي مصر مثلا ظهر في الستينات فيلم “المومياء” لشادي عبد السلام الذي يحمل لغة بصرية تنضج بالإبداع وأفلام أيضا مثل “باب الحديد” و”شباب امرأة” و”البوسطجي” و”الزوجة الثانية” وغيرها.

إلا أن محاولة الأنظمة السياسية استمرت في مختلف العصور لاستخدام السينما للترويج والدعاية لتجميل الوجه وصناعة الأساطير للسيطرة على وعي العوام والتلاعب بعواطفهم. وليس غريبا أن نرى استحواذ تلك الأنظمة وأجهزتها على دفة الانتاج الفني بكل أشكاله. ولكن هل سيظل المتلقي العادي سهل الانقياد وهل مازال وعيه رهن التلاعب في ظل ثورة رقمية وفضاء مفتوح أسئلة تحتاج لإجابة.

المصادر

1- ستيفن ريتشي- السينما والفاشية.

2- بيل نيفن- هتلر والسينما ترجمة هيثم لمع.

3- إريك فرينتشلر، ألمانيا النازية وما بعدها، موسوعة تاريخ السينما في العالم، المجلد الثاني، ترجمة أحمد يوسف

4- بيتر كينيز- السينما السوفيتية تحت حكم ستالين.

5- درية شرف الدين- السياسة والسينما في مصر 1961-1981

6- شاكر عبد الحميد- عصر الصورة.

Visited 70 times, 1 visit(s) today