السينما كمصدر لبث الخوف وتوجيه الهلع
تعتبر السينما فن مفعم بالحيوية، وقد صاحب تطور السينما تنوع فى انماط الأفلام التى تقدم، سواء أن كانت أكشن أو كوميدية أو واقعية أو خيال علمي أو غيرها، وينظر الأغلبية من الناس نظرة سطحية للسينما على إعتبارها مجرد أداة للتسلية والترفيه، بينما يذهب البعض لرؤية أكثر واقعية من حيث إستخدامها للدعايا والإعلان وإستغلالها فى أغراض سياسية وإقتصادية على إعتبار أنها ليست فقط إحدى أدواة القوى الناعمة ولكنها أيضا الجانب اللامع من هذه القوة وأكثره جاذبية، في حين يذهب القليل إلى الجزء الذى يهتم بتأثيراتها النفسية على المشاهد، حيث يقوم كل نوع من أنواع الأفلام بإشباع حاجات نفسية معينة لدى المشاهد مما يؤدى الى تخفيف حدة التوتر والقلق فى حياة الفرد، ولذلك يتجه الأشخاص لمشاهدة أفلام مثل الأكشن والكوميدىا والدراما وغيرها من الأفلام، ولكن لماذا يذهب الأفراد لمشاهدة نوعية من الأفلام التى تتسبب فى خلق الشعور بالخوف مثل أفلام الرعب؟ وما تفسير ذلك؟
يرجع سكيب داى يونج أستاذ علم النفس بكلية هانوفر انديانا بالولايات المتحدة الأمريكية السبب إلى أنه على الرغم من أن أفلام الرعب تحتوى على عناصر مثيرة للخوف والرعب ولكن غالبا ماتنتهى بتدمير المسخ ونجاة بعض الأشخاص الطيبين، وتكون هذه اللحظة هى المكافأة حيث يتم التخلص من مشاعر الخوف والقلق التى إنتابت المشاهد بمجرد إنتهاء الخطر سواء بالقضاء على مصدر الرعب داخل الفيلم أو حتى بانتهاء الفيلم نفسه، فبعد إنتهاء تلك اللحظات المرعبة التى تصاحبها زيادة فى ضربات القلب وإثارة للمشاعر السلبية وإستدعاء ذكريات مزعجة تكون النهاية هى المكافأة حيث يشعر المشاهد بالرضا والإشباع الأخلاقي حالة انتهاء الشر وموت مصدره، أو بالتطهير والارتياح بمجرد انتهاء الفيلم وما يرتبط به من إثارة مشاعر الخوف والقلق.
إستمرار الشعور بالخوف والوصول إلى الهلع
يعتبر الخوف غريزة فطرية مرتبطة بالإنسان منذ ولادته، حيث يكون الخوف مصدر لتنبيهه للهرب عند تعرضه لخطر، أو حتى مصدر لهو وتسلية عند مشاهدة الشخص لفيلم رعب أو اللعب بإحدى الألعاب المخيفة في الملاهي، كما أن ما يميز الخوف هو كونه شعورا مؤقتا يرتبط بالحدث مصدر الخوف حيث ينتهى هذا الخوف بمجرد انتهاء الحدث، وتعتبر أفلام الرعب مصدر مؤقت لتوليد الخوف الترفيهي.
ولكن قد يحدث أحيانا إنتهاء فيلم مع إستمرار لحالة الخوف والقلق لفترة طويلة، بل تمتد حالة الخوف للوصول لدرجة الهلع، هذا الشعور الذى يتعدى الخوف ويكون أكبر منه ويستمر مع الشخص ويسبب له حالة من الفزع والتوتر والقلق من مصدر تهديد محتمل يعود على الشخص بالأذى والضرر.
في 1932 تم العرض السينمائي الأول للفيلم الأمريكي “Freaks“، وكانت تدور أحداث الفيلم عن سيرك يعمل فيه مجموعة من الأقزام والأشخاص المصابين بعيوب وتشوهات جسمانية، ثم تأتى فتاة جميلة تعمل معهم وتنظر لهم بسخرية، بينما يقع أحد الأقزام فى حبها فتقابل هذا الحب بالسخرية.
وبدون الخوض في تفاصيل قصة الفيلم الذى يخلو من الأشباح أو اكلى لحوم البشر، كان الهدف الأساسي وراء الفيلم هو نقل معاناة فئة معينة والتنبيه عن عدم جعلهم مادة للسخرية، خاصة أنه لم يتم تصويرهم بصورة شريرة، وقد كانت النتيجة منع هذا الفيلم بعد أول يوم عرض له، ومنع أيضا في ولاية أتلانتا وسحب من التوزيع، كما منع في العرض في بريطانيا حتى منتصف الستينات وصنف على أنه أكثر الأفلام رعبا فى هذا الوقت وظل كذلك لسنوات عديدة، وذلك لأن المخرج فى هذا الفيلم قام بإستخدام أقزام وأشخاص حقيقيين لديهم عيوب وتشوهات جسمانية وأشخاص مصابين باستسقاء في المخ.
وقد سبب هذا الفيلم حالة من الهلع للمشاهدين إمتد أثرها مع إحدى المتفرجات مما أدى إلى إصابتها بالإجهاض، مما دفع الاتحاد القومي للمرأة للدعوة بمقاطعة الفيلم ومنعه من العرض، وكانت المفاجأة حينما صرح صناع العمل أن ماتم عرضه للجمهور فى الأساس والذى كان يعتبر 90 دقيقة مدة الفيلم تم عرضه بعد حذف بعض المشاهد والتى كانت تبلغ مدتها 25 دقيقة ولا يعلم أحد حتى الأن ماذا كان يظهر فيها.
ونلاحظ من هذا أن السبب الرئيسى وراء منع فيلم مثل فريكس من العرض ليس لأنه تسبب في خوف المشاهدين، لأن من البديهي أن يتسبب فيلم الرعب فى الخوف بل بالعكس ففيلم الرعب الذى لا يسبب خوف لمشاهديه يحكم عليه بالفشل، ولكن عندما وصل هذا الخوف إلى حد الهلع الذى أدى إلى القلق المستمر للمتفرجين للدرجة التى نتج عنها إجهاض أحدى السيدات، تم منع الفيلم من العرض، ورغم عدم وجود أى تفاصيل عن حادث الإجهاض وكيف تم ولكن الإحتمال الأكبر قد يكون بسبب رعب هذه السيده من أن تلد طفل مشوه مثلما شاهدت فى الفيلم فأدى ذلك إلى الإجهاض سواء بقصد منها أو بدون قصد نتيجة للفزع الشديد.
أفلام ممتدة المفعول
قد تختلف درجة الفزع والرعب بإختلاف البيئة والثقافة السائدة للمجتمع من ناحية، وبالفئة العمرية أيضا من ناحية أخرى، ولذلك فنجد أن فيلم يعرض صورة لتماسيح النهر التى اعتدنا على مشاهدتها فى الأفلام يكون أكثر رعبا وهلعا لشخص سيقوم برحلة نهرية ويشاهد هذا الفيلم، بينما الفيلم الذي يتحدث عن إنتشار وباء أو مرض خطير معين ويراه الطفل أنه لا يوجد فيه أي رعب، يكون أكثر رعبا وفزعا من أفلام الزومبيز والاشباح بالنسبة لشخص ناضج يعرف مدى المعاناة التي يسببها المرض، ولذلك فعلى الرغم من أن أعمال الرعب تتسبب في الخوف الوقتي، ولكن قد تتسبب أيضا أعمال دراميه عادية قى خوف ممتد يصل إلى الهلع خاصة عندما يتم تصوير مصدر الخوف الموجود فى واقعنا على أنه ليس ببعيد عنا.
وقد استطاعت هوليود تلك الماكينة الإعلامية للولايات المتحدة والتى لا تتوقف عن تطوير نفسها ودراسة سيكولوجية المشاهد من صناعة الفزع لجمهورها لأغراض سياسية وأيديولوجية، من خلال الافلام التى تتحدث عن الحروب النووية وخطر قيام حرب عالمية ثالثة، أو الافلام التي تقوم بتقديم صورة نمطية للعدو المتربص بأمريكا وشعبها فيتمثل فى الروس أو الكوريين أو الصينيين أو العرب الذين يعتبروا مصدرا للإرهاب فى عيون الغرب، أو الافلام التي تلمح إلى خطر نضوب مصادر الطاقة فى دول الخليج مما يؤثر على أمريكا ويؤدى إلى إنهيار الحضارة مثل فيلم “سيريانا” لجورج كلوني، وغيرها من الأفلام الدرامية الواقعية.
بذلك فقد توصلت هوليود إلى نتيجة مفادها هو “إذا كان الخوف يتمثل فى إستثارة خيالنا وهواجسنا لفترة مؤقتة، فالهلع الحقيقي والفزع المستمر يتمثل فى نقل الجانب الأسود من واقعنا الذي نعيشه “.