أمير العمري: مهرجانات السينما في مصر مثل “ليلة الزفة”!
أجرت الصحفية مريم عاطف مقابلة مع الناقد أمير العمري لصحيفة “الأهرام” المصرية، بشأن البيان الصحفي الذي أصدره أخيرا حول نهاية دوره كمدير لمهرجان الإسماعيلية السينمائي، لكن “الأهرام” لم تنشر سوى مقطعا قصيرا منه في صفحتها الأخيرة. وننشر هنا النص الكامل للمقابلة…
* وصفت مهرجانات وزارة الثقافة إنها مثل ليلة الزفة، ماذا تقصد بهذا الوصف ولماذا؟
* إن منطق الوزارة في إقامة مهرجانات السينما في مصر أن المهرجان مثل “ليلة الزفة” أي حفلة يلقي فيها الوزير والمحافظ وغيرهما من المسؤولين كلمات دعائية الطابع تسعى لتجميل دور الوزارة بل والنظام السياسي نفسه، ويصعد خلال تلك “الزفة” عدد من النجوم على خشبة المسرح.. ثم يقام حفل عشاء كبير أي وليمة من ولائم العرب، وينتهي الأمر بالنسبة لهم، وليس المهرجان عندهم تظاهرة ثقافية متعددة الأوجه، فلم نجد أن وزيرا حضر، في أي مرة مثلا، ندوة دولية مهمة من الندوات التي تقيمها المهرجانات كما حدث في الاسماعيلية، وذلك على العكس مما نراه في مهرجانات العالم مثلا. وقد قصدت من التعبير أن المهرجان بمنطق وزارة الثقافة مجرد احتفالية وليس نشاطا ثقافيا عميقا وجادا.. ومفهومها هذا ينطبق على السينما تحديدا.
* يدافع وزير الثقافة عن موقفه فى عودته للوزارة، كيف ترى هذا؟
الوزير يستقيل مرتين ويعود في استقالته ويجد دائما المبررات الجاهزة، فهو على سبيل المثال لم يقل لنا أصلا لماذا استقال في المرة الأولى في حين أن العالم كله يعلم أنه استقال لكي يحصل على جائزة الدولة التقديرية (200 ألف جنيه) لأنه لم يكن ليحصل عليها لو ظل وزيرا مسؤولا عن منح الجوائز باعتباره رئيس للمجلس الأعلى للثقافة. وفي المرة الثانية قيل لنا إن الوزير استقال احتجاجا على سحل مواطن مصري في الشارع على أيدي (أو بالأحرى أقدام!) قوات الأمن.. فهل توقف السحل لكي يعود الوزير ام أنه أصبح يمارس يوميا بشكل اعتيادي هنا وهناك كما يمارس قتل الأبرياء أيضا! ولماذا لا توجهي سؤالك هذا أيضا إلى وزير الثقافة نفسه.. لماذا لا يتطرق لهذه النقطة تحديدا، بل هو يكتفي بالقول إنه عاد لكي ينقذ الثقافة المصرية ويحافظ عليها، وماذا سيحدث للثقافة المصرية في حالة الاستتغناء قريبا عن خدمات الوزير بعد الانتخابات؟ هل ستتوقف بسبب غياب محمد صابر عرب!
* هل سيقام مهرجان الإسماعيلية هذا العام؟
لم لا توجهي هذا السؤال إلى كمال عبد العزيز مدير المركز القومي للسينما الذي فشل، كما ذكرت في بياني، في إقامة المهرجان القومي للسينما المصرية المتوقف منذ عامين كما فشل في تنظيم المسابقة التي ابتكرها هو نفسه وروج لها باعتبارها حدثا كبيرا، والخاصة بمنح عشرين ألف جنيه كجائزة لأحسن فيلم تسجيلي عن الثورة. من جهة أخرى هل يمكن قيام مهرجان دولي في محافظة الاسماعيلية في ظل وجود حالة طواريء وحظر تجول جزئي هناك رسميا على الأقل، مه وجود كل هذا الاحتقان في الشارع فيما الوضع مرشح لمزيد من الانفجار مع بدء الانتخابات البرلمانية التي ستستمر الحملات لها لأربعة أشهر، وهل سيوافق محافظ الاسماعيلية على إقامته في هذه الظروف المحتقنة. وهل سيقام المهرجان في موعده المحدد في 8 يونيو؟ وهل يمكن الإعداد لحدث دولي كبير ومميز في ثلاثة أشهر؟ لا علم لدي لكن يراودني الكثير من الشك!
* هل من الممكن أن تعود فى قرارك عن استقالتك من مهرجان الإسماعيلية؟
الخروج من هذه التجربة قرار نهائي مرتبط بالتدهور الحالي في وزارة الثقافة بل وفي مؤسسات مصر كلها.. ليس من الممكن أن أعمل مرة أخرى، لا في هذا المهرجان ولا في غيره من المهرجانات المصرية، في ظروف عشوائية مع إعتلاء أشخاص لا يفهون شيئا في طبيعة المهرجانات ورغبتهم في أن يكونوا “رؤساء” و”كبراء” بحكم كونهم موظفين في دولة فاسدة لم يتغير فيها شئ.. لكي نؤسس لمهرجانات سينمائية حقيقية لابد أن يوجد فريق يعمل على مدار العام لأن المهرجان ليس مثل جمع اللطعة في دودة القطن يمكن أن نجمع له مجموعة من عمال التراحيل الغلابة لتشغيلهم باليومية. الوزارة لم تحترم القرار الذي أصدره الوزير المحترم شاكر عبد الحميد بالتعاقد معي لعامين (بمعنى 3 دورات وليس دورتين فقط!) وهو قرار صادر عن مجلس إدارة المركز القومي السابق الذي لم يعجب صابر عرب وحله وشكل مجلسا جديدا ضم إليه الممثلة ليلى علوى وإثنين من منتجي السينما الذين يرضى عنهم!
* لماذا كان بيانك شديد التشاؤم عن الثورة حيث قلت انك تستقيل بعد فوز الثورة المضادة؟
الثورة في أي مكان تقوم من أجل دفع المجتمع إلى الأمام، نحو إقامة مجتمع ديمقراطي مستنير ودولة تحترم القانون والحريات العامة، فإذا جاءت قوة رجعية موغلة في النكوص عن الحاضر ولا ترى المستقبل بل تود العودة إلى الماضي السحيق، إلى الحكم.. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة للتقدم هي التي انتصرت وهي التي تحكم الآن في مصر؟ ووزير الثقافة صابر عرب يعمل في خدمة الحكومة التي شكلتها الثورة المضادة ومع نفس عناصر النظام القديم الذين مازالوا في مواقعهم في وزارته.. هذه حقيقة. نعم الثورة مستمرة في موجات لكن في الوقت الحالي الذي انتصر ووصل للسلطة وأبقى على مجموعة الحرس القديم في وزارة الثقافة وغيرها، هي جماعات الفاشية الدينية وهي قوى مضادة للتقدم الاجتماعي، فهم يريدون فرض الحجاب على النساء وتزويج الأطفال، وتقنين قتل المتظاهرين (الذين لولا ثورتهم لما جاءوا للحكم) كما اأهم يستعدون للإفراج عن كل مجرمي النظام القديم مقابل تسويات مالية. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة في الحكم وهي التي انتصرت حتى إشعار آخر.. كيف سيعمل أمير العمري في ظل هذا النظام وأنا الذي اعلنت في تصريح شهير عندما بدأت العمل مديرا للمهرجان أنني لن أسمح بعرض الأفلام على الرقابة لأن افلام المهرجانات لا يجب أن تخضع للرقابة، فجاءني إنذار في اليوم التالي من مدير الرقابة السابق (سيد خطاب) بضرورة عدم التحريض على خرق القانون. هل ستسمح الفاشية الدينية بعرض الافلام بحرية ومناقشتها بحرية في المناخ القمعي الحالي؟
* ما موقف مجدى أحمد على من نهاية دورك في المهرجان؟
لا أعلم بل يجب توجيه هذا السؤال إليه.. وعموما مجدي يعتبر نفسه بعيدا عن النشاط العام منذ تقاعده في أغسطس الماضي وقد إختلف بشدة مع الوزير صابر عرب بسبب سياسة الوزير من مهرجان القاهرة السينمائي ورجوعه عن إسناد المهرجان لمؤسسة برئاسة يوسف شريف رزق الله حسب قرار مجلس إدارة المركز القومي في عهد مجدي، وإسناده للحرس القديم من فلول نظام مبارك الذين ينتمي إليهم الوزير نفسه!
* وما موقف كمال عبد العزيز رئيس المركز القومى للسينما من استقالتك؟
لم أبعث باستقالة إلى كمال عبد العزيز، ولا إلى خالد عبد الجليل رئيس ما يسمى بقطاع الإنتاج الثقافي وهو في الحقيقة الذي يملي على كمال عبد العزيز ما يتعين عليه أن يفعله، فهؤلاء القوم لا يستحقون أصلا أن أن تقيمي لهم أدنى اعتبار لأنهم يبحثون عن أمجاد شخصية زائفة في حين أنهم لا يتمتعون بأي كفاءة حقيقية ولا معرفة، ومن ضمن مشاكلي مع أمثال هؤلاء أنهم لا يستطيعوا أن يلعبوا دور الرئيس على شخص مثلي، فهم يريدون مديري مهرجانات من نوع “شيالي الشنطة” للمسؤول أو ممن ينحنون ويقبلون الأيادي ويسمعون الكلام ويكتبون التقارير ولا يتمتعون بأي استقلالية وهذا هو منطق العمل في وزارة الثقافة وغيرها من أجهزة الدولة المصرية منذ زمن ومن يريد أن يتقلد مناصب عليا عليه أن ينصاع ولست كذلك فانا مستقل منذ أن ولدت وبدأت العمل العام. عندما أدرت الدورة الماضية لم أسمح لأي مخلوق بالتدخل في عملي، مما أثار علي حنق المسؤولين ولكن دون أن يجرؤا على إعلان اعتراضهم لأنهم كانوا يعلمون أنني محق. إنهم عادة يحترمونك، ويعرفون مقدار كفاءتك، لكنهم لا يحبونك بسبب التزامك بالقواعد أي قواعد اللعبة وعدم الخضوع للتهريج والمجاملات وأشياء أخرى أستطيع أن أروي لك الكثير منها تتعلق بالفساد، ولكن هذا ليس مجال الحديث عنها!
لقد أعدت الإعتبار المفقود لمنصب مدير المهرجان (الذي يعتبره البعض منصبا أدنى من منصب الرئيس في مصر!) وفرضت ذلك بحكم اتفاقي مع مجدي أحمد علي الذي يفهم طبيعة عمل مدير المهرجان تماما لذلك لم يتدخل. لكن هذا كان يغيظ خالد عبد الجليل الذي كان يريد أن يفرض بعض الأشياء ومنها دعوة من يطبلون ويزمرون له.. وغير ذلك من فضائح.. لكنه لم يستطع أن يمرر شيئا، وقبل وصمت على مضض. هذا المناخ الفاسد لا يوفر لك متعة في العمل والتجويد والابتكار والمعرفة، وإذا سألتني ما الذي فقدته بعد أن أنهيت دوري في المهرجان أقول لك: لاشيء فالمهرجان هو الذي استفاد مني، لكني لم أستفد شيئا من وراءه بل عانيت معاناة شديدة وتعطلت عن أعمالي الخاصة ومزاولة إهتماماتي وخسرت أيضا الكثير من المال، وخصوصا أن العمل كان يعتمد على شخصي بالدرجة الأساسية، حيث لا يوجد سوى شخص أو إثنان لديهما بعض الخبرة في العمل بالمهرجانات في المركز القومي للسينما. وبالتالي يجاهد المرء من أجل القيام بأدنى الأعمال بما في ذلك الاتصالات. وقد قبلت القيام بالعمل في ظروف عسيرة وفي فترة زمنية محدودة على أن نعمل بعد ذلك على مدار العام لكن هذا الهدف لم يتحقق ولن يتحقق أبدا فوزارة الثقافة كما ذكرت ليست لديها سياسة ثابتة للمهرجانات بل تعتبرها كما سبق أن أشرت، مثل ليلة الزفة!
لم أرسل باستقالة لأحد بعد أن أخلت الوزارة بالاتفاق السابق مع الوزير السابق شاكر عبد الحميد وبقرار مجلس إدارة المركز القومي، وبالتالي لم أكن أتقاضى منهم مرتبا أصلا منذ أن انتهى العمل في الدورة السابقة في 30 يونيو 2012، وسمعت أخيرا أنهم اتفقوا مع منتج سينمائي على أن يتولى إدارة المهرجان. ومع كل التقدير والاحترام لشخصه، إلا أنني لم أسمع في حياتي وأنا أتجول منذ ثلاثين عاما بين عشرات المهرجانات السينمائية في العالم، أن منتجا سينمائيا تولى إدارة مهرجان سينمائي دولي. ولكن مصر بلد العجائب، ولذلك أصبحنا أضحوكة العالم!
* هل شاركت فى التحضير للمهرجان فى هذه الدورة أو لم يتم لها التحضير من أساسه؟
كنت قد أعددت حطة تفصيلية لملامح الدورة قدمتها كما ذكرت في بياني لكمال عبد العزيز بناء على طلبه واتصاله بإلحاح عدة مرات، وقال لي إنها خطة ممتازة وإنه سيعرضها على الوزير، لكنه اختفى بعد ذلك ولم أسمع منه منه شيئا وإنشغل أيضا في السفر للمهرجانات كممثل لمؤسسة السينما المصرية (المركز القومي). لكنهم الآن يلتقطون الجديد من خطتي ويعلنون في الصحف أنها من بنات أفكارهم وهذا في حد ذاته نوع من النصب والاحتيال بل والسرقة أيضا وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم.. وسأنشر الخطة الكاملة قريبا جدا لكي يكف هؤلاء عن سرقة جهد وخبرة وأفكار الآخرين. وكنت قد اتفقت أيضا مع عدد من السينمائيين والنقاد الأجانب والعرب على عرض أفلامهم وضمهم للجنة التحكيم الدولية، كما اتفقت مع جهات دولية على أن تكون “رعاة” للمهرجان. لكن هذا كله تم بمبادرة شخصية مني وعلى نفقتي الخاصة عند سفري للمهرجانات الدولية ولكني توقفت بعد أن ايقنت انني أتعامل مع وضع عبثي ليس فيه أي نوع من الإستقرار، وهذا حال مصر كلها عموما في الوقت الحالي.
وقد أصدرت بياني الصحفي الأخير الذي نشرته وعلقت عليه جهات عديدة، بشأن نهاية دوري في المهرجان بعد أن عدت من مهرجان برلين السينمائي حيث تلقيت الكثير من الأسئلة من الأصدقاء سواء من الصحفيين أو السينمائيين، حول المهرجان ورغبتهم في المشاركة في دورته القادمة فكان لابد من توضيح الأمر للرأي العام لكي أخلي مسؤوليتي تماما.