“ألكسندر السعيد جدا”.. سينما الستينات لا تزال تضحك

فيليب نواريه في لقطة من الفيلم فيليب نواريه في لقطة من الفيلم

الكوميديا المصنوعة باحترافية لا تنتهي قيمتها ولا تنفد متعتها مهما ابتعدنا زمنيا عن وقت ظهورها. إنها أعمال تتغلغل في وجدانات الناس وترتبط معهم بأوقات متعتهم وأمسيات راحتهم. وفيلم “ألكسندر السعيد جدا” Alexandre bienheureux من أهم أفلام أواخر الستينات في فرنسا (إخراج ايفاس روبير) والذي لا يتحدث عن شيء في العنوان العام له إلا “السعادة”.

يُحكى عن رجل أنه ارتحل في المدن والقرى، والغابات والوديان، ليسأل عن السعادة، فأخبره أحد الحكماء أنه المال، لأنه جلاّب لكل ما نحتاجه، وقال آخر أنه الشهرة، لأن الشهرة هي التي تدر على صاحبها المال، وقال غيره أنه الحب. وله في تبرير هذا رأي جميل، وقال آخر أنه الصحة، فلا سعادة مع جسم عليل. لكن “ألكسندر” وجد أنّ السعادة في كلمة واحدة “النوم”. وليس النوم لليلة أو ليلتين ولا ليوم أو يومين، بل لشهر يتبعه شهر يتبعه شهر.

طوال سنوات من حياته معها، ظل ألكسندر كالتلميذ النجيب، يستجيب لكل أوامر وتوجيهات زوجته أغات (مارلين جوبير) في الزراعة والسقي وجني محصول اليقطين، وتحميل أكياس القمح، حتى أنها تكتب له في لوح أخضر قائمة يومية بأشغال تملأ نهاره ولا يمكنه أن يتخطى واحدا منها ولسنوات لم يستطع أن يتذمر أمامها أو يشتكي عدا مرة واحدة كان يصرخ في الحقل وحده بينما جهاز اللاسلكي يقوم بإيصال صراخه لها. لكن في اليوم الذي ماتت فيه في حادث سيارة وأوصلها إلى مقرها الأخير قرر قراره الصادم لكل جيرانه والعمال الذين يعملون معه في أرضه الكبيرة: النوم والنوم فقط. كل ما بعدها لحظات كوميدية ممتازة. استخدام الكلب في الكثير من المشاهد صنع بهجة. الكادرات التي ظهر فيها الكلب وهو يحضر الطعام من المحل إلى سيده، أو وهو يقفز ليأخذ فاكهة من شجرة بعدما قاطع التجار الرجلَ حتى يشجعوه على الخروج من البيت والعودة إلى العمل. الكادرات الأخرى التي يظهر فيها ألكسندر وهو يحتال بذكاء حتى لا يخرج من سريره وفي الوقت نفسه بأكل ويشرب ويعزف الموسيقى. كلها شكلت بنية بصرية في غاية الإثارة والتميز وهي التي صنعت طرافة المواقف وجودتها.

إنه فيلم عن المفارقات في العلاقات الثنائية وتحكم طرف وتوغّله في حق الآخر ويمكن أن نوسعه ليكون فيلما يناهض كل التحكمات، فألكسندر الذي ظل يشتغل بكد وجهد خضوعا لأوامر أغات، تنازل عن كل هذا الاشتغال والتعب بمجرد زوال سبب التحكم وانساق إلى الراحة والنوم. ينقلب كل شيء إلى الضد بهذا الشكل.

هناك عبارة شهيرة للممثل الفرنسي لوي جوفيه “يمكن للمرء أن يزعم أنّ للممثل الكوميدي كثافة، هي سمة حضوره، وعلى الممثل الكوميدي أن يتعلم كيف يستفيد من هذه الطاقة الحيوية، تلك الهالة المحيطة به”، الحضور والبريق الذي يتمتع به الممثل الكوميدي هو ما يجلب للفيلم ركنا أساسيا لنجاح الفيلم مع توفر قصة تسير في خط درامي يحمل المفارقات والتناقضات والمقالب التي تنتج الكوميديا. كوميديا الموقف هي أفضل الكوميديات التي يمكن أن يُكتب لها البقاء بينما الكوميديا التي تتوقف على رمي النكات سرعان ما تموت لأنّ تأثيرها سيكون لحظيا، والنكتة التي تضحكك اليوم لا يمكن أن تضحكك لما تسمعها مرة ثانية وعاشرة. يمتلك (فيليب نواري) (توفي 2006) ملامح جادة تجعل من أدوار الكوميديا لا تذهب له مباشرة، بعض المخرجين كانوا يقولون هذا وأنّ معرفتهم بالقدرات التمثيلية للرجل وتلوّناته قادرة على أن تجعله يقدم كوميديا جذابة. النص المكتوب بطريقة متماسكة يمكن أن يقدم الممثل في أفضل حالة. نال نواري جائزتي سيزار أفضل ممثل عامي 1976  عن فيلم “المسدس القديم” وعام 1990 عن فيلم “الحياة ولا شيء آخر”.

Visited 91 times, 1 visit(s) today