أفلام العيد في مصر: ضحك ولعب وضرب وعنف!
تنافست على جيوب المصريين فى موسم عيد الأضحى، مجموعة من الأفلام متواضعة المستوى، لتعلن عن النهاية الهزيلة للموسم السينمائى كله، خلطة غريبة من الأفلام، ضحك ولعب وضرب وعنف وبلطجة، وجوه تحاول أن تتصدر الأفيش للمرة الأولى أو الثانية، حضور واضح لأفلام السبكية (أحمد ومحمد السبكى)، المشاكل الأوضح المعتادة ما زالت فى السيناريوهات الساذجة أو ضعيفة البناء، أو الحافلة بثغرات باتساع ميدان الثورة، ميدان التحرير.
قبل العيد بأيام قليلة، عرض فيلم “برتيتا” الذى كتب قصته وائل عبد الله، وأخرجه وائل مندور، وكتب له السيناريوخالد جلال، عرض لخالد اثناء العيد أيضاً فيلم “الآنسة مامى”، يفترض أننا أمام فيلم تشويقى، ولكنك ستكتشف أنك أمام سيناريو بعيد عن الإحكام، لدرجة أنك تتوقع أطراف المؤامرة على بطلتنا كندة علوش.
بعد فترة وجيزة من بداية الفيلم، كاتب السيناريو الى مشاهد فلاش باك مضطربة، نفهم منها بالكاد، أن الفتاة “منى” التى لجأت الى فيلتها البعيدة، لديها مشكلة تتعلق بطلاق أمها (مادلين طبر)، وإصابتها بالإكتئاب ثم انتحارها نتيجة لمعاملة زوج شرس، نعرف ايضاً أن “منى” تعرفت على شاب يعمل عند والدها من أصول متواضعة، وعندما تزوجته رغم أنف والدها، قام بمقاطعتها، ولكن الزوج (أحمد صفوت) كشف عن شراسته، فطلبت الطلاق، ثم لجأت الى الفيلا، لايزورها سوى ابن عمها (أحمد السعدنى) وزوجته (دينا فؤاد).
يظهر فى حياة “منى” شاب وسيم (عمرو يوسف)، تحبه وتتزوجه، يموت والدها، وعند قراءة الوصية، ينكرالجميع أنها طلقت من زوجها الأول، كما يختفى الزوج الثانى تماما، تتضح لنا بسهولة أطراف مؤامرة دبرت على مائدة القمار التى يطلقون عليها “البرتيتا”، من خلال الثلاثى “السعدنى” و”دينا” و”يوسف”، هناك تفاصيل ساذجة ومضحكة لعلاج منى نفسياً، ومعلومات مغلوطة تجعل الإنقطاع عن الدواء النفسى وسيلة لتحاشى الإنتحار، مع أن هذا الإنقطاع، دون أوامر الطبيب، قد يكون سببا فى الإنتحار، ينتهى الفيلم بمشهد إنتقامى أمريكى، ورغم وجود عناصر تقنية جيدة مثل صورة “مصطفى فهمى” وموسيقى “خالد حماد”، وديكور “محمد مراد”، إلا أن التجربة نفسها ينقصها النضج والإحكام، كان “عمرو يوسف” أفضل الممثلين أداء وحضوراً، كما كشفت نظرات “احمد السعدنى” عن تصنعه الحزن مما جعل المشاهد يتشكك فى تآمره، أما “كندة علّوش” فقد حافظت معظم الوقت على تعبير واحد لم يتغير، يمكن أن يصيب أى مشاهد بالإكتئاب.
ما فعله “خالد جلال” فى سيناريو فيلم “الآنسة مامى” ، ليس أفضل بكثير مما فعله فى سيناريو “بارتيتا”، “مامى” الذى طرح فى أول ايام العيد يفترض أنه عمل كوميدى، بطلته “ياسمين عبد العزيز”تقدم الآن باعتبارها كوميديانة، بعد نجاح فيلميها السابقين “الدادة دودى” و” الثلاثة يشتغلونها”، فيلمنا الجديد فيه الكثير من عالم “دودى” ورعايتها للأطفال، والإعتماد على كوميديا “الفارص” الحركية، ولكن “الآنسة مامى” فيه الكثير من السذاجة فى معالجته وفى فكرته أيضاً، تخيل أن تكون مثلاً الحكاية كلها محورها فتاة ثرية ترفض الزواج والإنجاب فى بلد لا يفعل سكانه تقريباً أى شئ سوى الزواج والإنجاب!
“نانى الحلوانى” (ياسمين عبد العزيز) تعمل قى مجال التسويق، نراها وهى تعقد صفقة بحيلة ساذجة، رئيس الشركة (غسان مطر) معجب بنشاطها، عقدتها ايضاً أن والدها الراحل خان أمها، نشأت تحتقر الرجال، وترفض الإنجاب، كل تركيزها أن تكون الأولى فى عملها، ترفض عرضاً بالزواج من صديقها (حسن الرداد) الذى يريد السفر الى دبى، فى ليلة سفر “نانى” الى باريس، تنام فى حجرتها، ليكون كل مانراه بعد ذلك هو هذا الحلم الطويل، حيث تجد نفسها أماً لثلاثة أطفال اسمها “نبيلة”، وتنتظر أيضاً طفلا رابعاً من زوجها الموظف، وهو نفسه صديقها (حسن الرداد)، من الصعب أن تصدق أن فتاة ترفض الزواج والإنجاب، تحلم بالزواج والإنجاب، وحمل عبء أسرة كبيرة، وحتى لو اقتنعتَ بذلك، فإنه من المستحيل أن تستيقظ الفتاة وقد غيرت فكرتها بشأن الزواج، لتوافق على عرض صديقها المرفوض، اما كيف تم حل هذه المشكلة، فقد كان ذلك بكلمتين من والد زوجها (أحمد فؤاد سليم)، قالت له إنها تعيش كابوساً، فقال لها ببساطة :” تستطيعين تحويل الكابوس الى حلم جميل”.
الأغرب أن الفيلم نسى مشكلة بطلته الأصلية، وهى خيانة والدها لأمها، بدون حل هذه العقدة لا يمكن أن تكرر “ياسمين” التجربة، بس ما فيش مشكلة، هوه حد فاكر حاجة، عيد بقى وكل سنة وانت طيب، المهم أن تفرغ “ياسمين” طاقتها الحركية، ومبالغاتها الواضحة، وعدم قدرتها على السيطرة على تعبيرات الوجه، والمهم أن تمتزج مشاهد طفولية أقرب الى أفلام ديزنى، مع مشاهد أقرب الى الكوميديا الجنسية مثل مشاهد استخدام الزوج المنشطات للحصول على حقه الشرعى ، يبدو ان الفكرة قادمة من فيلم أجنبى، ولكن المعالجة فشلت فى منحها الطابع المصرى، خصوصا ونحن نشاهد الفيلات والشقق الفاخرة، حاول “حسن الرداد” أن يقدم مشاهد كوميدية دون توفيق يذكر، وصرخ “غسان مطر” كالمتوقع، وظهر ضيوف الشرف الذين يظهرون دائما فى أفلام السبكية، حسن عبد الفتاح وسعد الصغير وسليمان عيد، أفضل ما فى الفيلم مونتاج المتمكن “شريف عابدبن” ، وملابس “مها بركة”، وصورة “سامح سليم”، وموسيقى “خالد حماد”، ولكن المخرج “وائل إحسان” مسؤول بالقطع عن الطريقة العشوائية التى تؤدى بها “ياسمين عبد العزيز”، هى طاقة كبيرة تحتاج الى فرملة وقيادة تعلمها ضبط التعبير على قدر الموقف المطلوب.
عبده موتة
أما فيلم “عبده موتة” الذى كتبه محمد سمير مبروك وأخرجه إسماعيل فاروق، وأنتجه ايضاً أحمد السبكى، فقد تصدر الإيرادات محققاً الملايين رغم أنه يعمل فى نفس الإطار الذى يعمل فيه فيلم سابق فاشل هو “الألمانى”، ولنفس البطل الموهوب “محمد رمضان”، ولكن للأمانة فإن “عبده موتة “أفضل بمراحل من “الألمانى”، وإن كان العملان أبعد ما يكونان عن الإتقان الفنى أو الحرفى لأسباب لها علاقة بالسيناريو، هناك مشكلتان بالتحديد فى “موتة” الذى يقتحم عالم العشوائيات: الأولى فى تأرجح المعالجة بين واقعية خشنة تذكرك بأجواء فيلم “حين ميسرة”، وميلودراما رديئة زاعقة تعيدك الى عالم مبالغات الأفلام الهندية، أما المشكلة الثانية فى السيناريو فهى اضطراب تصرفات البطل “عبده موتة” الذى لا تعرف بالضبط مشاعره تجاه المحيطين به، ويصل الإضطراب الى درجة أن مشاهد الفيلم يعتقد أن “موتة” بلطجى يرتزق من العنف مثل الألمانى أو إبراهيم الأبيض، ولكنك ستكتشف بالكاد أنه مجرد “ديلر” فى عالم المخدرات لا أكثر ولا أقل.
لا تنضبط أيضاً خطوط العلاقة بين عبده موته وثلاث نساء يرتبطن به وكأنه الرجل الوحيد فى الحارة: واحدة تحمل منه، ولكن يطلب منها بندالة أن تتخلص من الجنين، وكأن مواطناً عشوائيا يمكن أن يخاف من الفضيحة، أو يرفض الإنجاب بطريقة عشوائية، والراقصة السكندرية “ربيعة” (دينا) التى يقضى الليل فى فراشها، و”أنغام” (حورية فرغلى ) ابنة عمه التى تحاول دفعه الى التوبة، بأن يتحول الى بائع للخبز، وفى حين يبدو الصراع واضحاً ضد المعلم “مختار العو” ( سيد رجب) الذى ينافس صبيه القديم على حب “ربيعة”، فإن علاقة عبده برفيقيه الخائنين (شادى خلف) و ( مجدى بدر) تبدو غريبة، حيث يصران على خيانته رغم صداقته لهما، ويقيم الثانى علاقة آثمة مع شقيقة عبده التى لعبت دورها “رحاب الجمل”.
تتسع الدائرة لمشاهد ساذجة مثل اتهام “عبده” فى جريمة لم يرتكبها وهروبه السهل من مستشفى السجن، ولمشاهد ميودرامية فجة مثل مأساة “ربيعة” التى تركها عشيق سابق، وعلاج ابنها من السرطان، ثم إحراق “ربيعة” وذبح صديق عبده الخائن، ورغم أن حوار الشخصيات كان جيدا ونابضاً بالواقعية، إلا أن مبالغات الثلث الأخير أفسدت الفيلم، ربما كان الفيلم الى بناء أكثر تماسكاً يضبط الشخصيات والأحداث، وإن لم نفتقد مشاهد جيدة وقوية مثل مشهد مواجهة أنغام لوالدها الفقير (صبرى عبد المنعم)، بصفة عامة كان التمثيل جيدا ومقنعا وخصوصا من محمد رمضان وحورية فرغلى ودينا وسيد رجب ورحاب الجمل، ولكن الأفلام الكبيرة تحتاج الى ما هو أكثر من اجتهاد الممثلين.
جوه اللعبة
وتظل مشكلة فيلم “جوه اللعبة” الذى كتبه احمد البيه وأخرجه محمد حمدى هى نفس مشكلة “بارتيتا”، عدم ضبط الحبكة جعل أوراق الفيلمين مكشوفة منذ نصف الساعة الأولى، رغم أن الفيلمين من أفلام التشويق، تضاف فى “جوه اللعبة” مشكلة أخرى هى أن بطله مغنى وليس ممثلاً، وبالتالى فإن أداءه سيكون أضعف رغم امتلاء الدور بانفعالات معقدة من الخوف والرغبة الى الشعور بالذنب، كما سيتعثر الفيلم أحياناً لكى يغنى بطل الفيلم “مصطفى قمر” ثلاث أغنيات، بينما تحتاج تلك النوعية تدفقا يحبس الأنفاس .
طارق (مصطفى قمر) رجل دعاية يمتلك فيلا رائعة ولديه زوجة عاملة جميلة (الوجه الجديد رشا نورالدين)، وابنة تحتاج الى عملية زرع للنخاع، يتعرف بالصدفة، مثل أفلام الأبيض والأسود، على امرأة متزوجة هى هند (ريهام عبد الغفور)، ولكن زوجها يعيش فى لندن، الشيطان شاطر كما تعرفون، ورغم أن ريهام تمتلك جمالا رومانسيا هادئا ، ورغم أن طارق مشغول بعمله وبابنته المريضة وبزوجته الرائعة، إلا أنه، فى لحظة ضعف، وهو اسم الفيلم الأول، يتفق على مقابلة غير بريئة مع “هند ” التى توافق على الفور، ورغم أن “طارق” لم يفعل شيئا بعد، إلا أن المجرم شيمى (محمد لطفى) يخرج لهما من قلب حجرة الفندق، يقول إنه قام بتصوير العشيقين (لاحظ أنهما لم يتبادلاحتى قبلة واحدة)، ويبقى ما تم تصويره هو وسيلة ابتزاز “طارق”، والحصول على أمواله المخصصة (لو تتذكرون ) لعملية ابنته.
كان واضحا من البداية أن “هند” متورطة فى الإبتزاز لأنها تعرف معلومات كثيرة عن “طارق”، وكان واضحاً أن “طارق” شرع فى الخيانة ولم يقم بها، كما بدت طريقة “محمد لطفى” المصطنعة فى الإبتزاز كلاسيكية تماما ومضحكة، وتذكرنا بطريقة الراحل “عادل أدهم” فى ابتزاز ضحاياه فى أفلام السبعينات من القرن العشرين، المدهش أن السيناريو لم يبرر بشكل مقنع أن ينضم الى المؤامرة زميل “طارق” وصديقه الصدوق (أشرف مصيلحى)، كما أنه لم يقدم مبررا مقنعا لكى يعترف “طارق” لزوجته رغم صموده طوال الفيلم، وأخيرا يدهشنا “أحمد البيه” عندما يجعل بطله الخائف المتردد والخاضع لإبتزاز طوال الأحداث، ينتقم بشجاعة فى النهاية بقتل الجميع، ويدهشنا أكثر عندما تغفر له زوجته كل شئ لإن “اللى بيحب بيسامح”، ليته أدرك مبكرا تسامح زوجته ، وإلا ما اضاع وقته ووقتنا فى الخضوع لهذا الإبتزاز الساذج بسبب شروع فى خيانة، وليس حتى خيانة كاملة, من عناصر الفيلم المميزة صورة مدير التصوير رمسيس مرزوق، وموسيقى إسلام صبرى المنذرة بالخطر، وأعجبتنى أغنية لمصطفى قمر فى فرح عيد ميلاد ابنته تظهر شخصيات كاتونية شهيرة، وتندمج مع الأبطال باستخدام الجرافيك.
أما فيلم “30 فبراير” الذى كتبه صلاح الجهينى وأخرجه معتز التونى، فهو البطولة الأولى للممثل سامح حسين، الذى لمع بعد نجاحه فى حلقات السيت كوم المعروفة “راجل وست ستات”، ولكن حدوتة الفيلم ملتوتة وتمت معالجتها فى أعمال سابقة أكثر عمقا وخيالا، مثل مسلسل “برج الحظ” الذى لعب بطولته الراحل “محمد عوض” فى السبعينيات من القرن العشرين، تعبير “30 فبراير” الذى يحمله عنوان الفيلم هو مصطلح ساخر يطلقه خبير الأبراج “علاء مرسى” على بطلنا “نادر” (سامح حسين) الذى اشتهر بأنه منحوس، والده (مظهر ابو النجا يسقط من النافذة أثناء ضبط الإيريال، حياة “نادر” العملية كسمسار للعقارات مهددة بسبب فشله فى تأجير شقة واحدة، فتاته تتركه لأنه منحوس، على الجانب الآخر، فإن المذيعة الشابة (آيتن عامر) توصف ايضا بنفس الصفة حيث تتحول التقارير التى تعدها الى مواقف عبثية وكوميدية، عندما يذهب “نادر” الى خبير الابراج، ينصحه الأخير بأن يكون قريبا من فتاة من مواليد نفس شهر فبراير الذى ولد فيه، يخمن “نادر” أن المذيعة هى المقصودة، خاصة أن ظهورها جعل حياته ناجحة على كل المستويات.
انتهت الحكاية بعد نصف ساعة من بدايتها، وظل السيناريو يلف ويدور حول نفسه مع مشاهد مبتكرة قليل أظرفها محاول “نادر” مساعدة رجل كفيف لعبور الطريق وسط السيارات، وبدلا من ان يعرض “نادر” الزواج على المذيعة التى تعجب به، فإنه ينصرف الى حب صديقة انتهازية فى العمل، كما ندخل فى حكاية أخرى، وهى عملية نقل النخاع (مرة أخرى كما فى فيلم جوة العبة)، ولكن سيتم النقل هنا من “نادر” الى ابنة أخته الطفلة، فى يوم زفاف “نادر” أخيراً الى زوجته، يكتشف أنها ليست من مواليد شهر فبراير ليعود من جديد منتظرا سوء الحظ. لعل اسوأ مشاكل السيناريو أنه ينحاز الى عدم وجود شئ اسمه سوء الطالع بينما ما نراه يثبت العكس تماماً، ولعل أفضل ما فيه عدم اعتماد “سامح حسين” على المبالغات الحركية أو اللفظية التى اشتهر بها، إنه يقدم هنا أداء هادئا ورصينا أقرب الى أداءنجوم الكوميديا فى الأفلام الأمريكية، كما يحاول أن يعطى للشخصية بعض اللمسات الإنسانية المؤثرة، الفيلم أيضا ملئ بضيوف الشرف مثل مظهر ابو النجا وعايدة رياض وإدوارد ومحمد الصاوى ويوسف عيد، كما لعب المخرج “معتز التونى” دوراً قصيراً كموظف يبيع السيارات، وكان أداؤه كممثل أفضل بكثير من إنجازه كمخرج.
مهمة في فيلم قديم
ويبقى أخيراً فيلم “مهمة فى فيلم قديم” الذى كتبه محمد فاروق وأخرجه أحمد البدرى، والذى أعتبره اسوأ أفلام العيد، وربما كان أيضاَ أسوأ أفلام الموسم السينمائى بأكمله، الفيلم الذى أنتجه محمد السبكى، ينتمى الى المدرسة السبكية التقليدية التى تقدم خلطة من الإضحاك السمج والرقص والغناء، دون وجود معنى او سياق لأى شئ، مع التركيز على نماذج قادمة من الحارة الشعبية، ومرة جديدة، نحن أمام فيلم ينتهى فعلياً بعد ثلث الساعة، يقول كل ما عنده عن شخصياته، دون أن يفلح فى تطوير أى خط أو شخصية، مجرد مشاهد مرصوصة ومتتالية، وحوارات طويلة صاخبة وعشوائية، الشاب “شرنوبى” (إدوارد) يريد أن يغنى فى الأفراح دون جدوى، يعيش مع أمه (فيفى عبده) التى تعامله مثلما كانت “عبلة كامل” تتعامل مع ابنها “اللمبى”، يهرب “شرنوبى ” الى المخدرات التى تمنحه أوقاتا سعيدة، على مدار الفيلم يتخيل نفسه، وقد حل محل عبد الحليم حافظ فى بطولة فيلم “حكاية حب”، إنه يتخيل فى كل مرة أحد مشاهد الفيلم من بطولته مع حبيبته (نهلة زكى)، وبمشاركة رفقاء الحارة، بل ويظهر له عبد الحليم نفسه (بأداء المغنى شادى شامل) فى مشاهد تقطر استخفافا وسماجة، وينتهى الأمر بجنون “شرنوبى” ، وربما جنون كل ابطال الفيلم حيث نراهم وهم يصرخون ويغنون :” دكتور إلحقنى .. إدينى الحقنة بسرعة.. أرجوك محتاج الجرعة” ، حالة متأخرة فعلاً ، وربنا يشفى.
من الصعب الحديث عن نية عمل محاكاة ساخرة ظريفة لفيلم عبد الحليم لأن الاستظراف هو سيد الموقف، ولأن الحكاية انتهت بعد دقائق، يضطر كاتب السيناريو الى إضافة خطوط لا علاقة لها بمشكلة “شرنوبى” مثل إقامة فتاة لبنانية جميلة (مادلين مطر) فى حجرة على السطح، وزواج صاحب المنزل (لطفى لبيب ) من سيدة يحبها (بدرية طلبة)، وسقوطها الغريب فى بالوعة المجارى، أىّ شئ جائز وممكن، والأغنيات والرقصات والإفيهات تنطلق بلا أى ضبط أو سيطرة، أشك فعلا فى وجود مخرج لهذا العمل الأسود الذى لا يستحق نقداً بل “نقضاً وقراراً للإزالة من الحى” ، أشك أيضا فى أن صناع العمل كانوا فى حالة طبيبعة وهم يصورونه كيفما اتفق، ويبدو أن المنتج “محمد السبكى” نفسه وجد الفيلم أقل من مستواه، لذلك لم يحرص على الظهور كالمعتاد فى أحد مشاهده!