أصداء فوز فيلم “تاكسي” لجعفر بناهي بالدب الذهبي في برلين
اختلف النقاد العرب بشأن فوز الفيلم الإيراني “تاكسي” لجعفر بناهي بالجائزة الكبرى أي الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الأخير. ونقدم هنا عرضا لأهم ما نشر بالصحافة العربية من آراء حول فوز هذا الفيلم المثير للجدل.
سمير فريد كتب في “المصري اليوم” عن الفيلم الايراني “تاكسي” لجعفر بناهي:
جاء فوز الفيلم الإيرانى “تاكسى»”، إخراج جعفر بناهى، بجائزة الدب الذهبى، أرفع جوائز مهرجان برلين، مفاجأة لم تخطر على بال أحد حتى من المعجبين بالفيلم، وقد أصبح من الصعب على مخرجين من طراز هيرزوج وماليك وجريناواى أن يقبلوا الاشتراك فى مسابقة مهرجان برلين، أو حتى أى مهرجان آخر، ما دامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد الذين يهدر الفن لحساب أشياء أخرى.
والمعروف أن المخرج الإيرانى محكوم عليه فى بلاده بالمنع من السفر وتحديد إقامته فى منزله والمنع من صنع الأفلام لمدة عشرين سنة، والسبب رسمياً وبالنص أنه كان «ينوى» صنع فيلم ضد النظام الحاكم بعد ثورة 2009 الشعبية ضد هذا النظام، والتى تم قمعها بوحشية. ولكن بناهى صنع ثلاثة أفلام عُرضت فى مهرجانات «كان وفينسيا وبرلين» منذ الحكم عليه، وفيلمه المُتوَّج فى برلين مُصوَّر فى الشارع، وليس فى منزله.
وبغض النظر عن هذا الغموض فإن الفيلم متواضع وأقل من عادى، حيث يُصوِّر المخرج نفسه وهو يقود سيارة تاكسى فى طهران، ويتحاور مع الزبائن الذين تنعكس فى أحاديثهم أحوال الناس فى المدينة، على طريقة كتاب خالد الخميسى المشهور «تاكسى»، ولكن الكتاب المصرى أكثر عمقاً وصدقاً. والمؤكد أن الدفاع عن حرية بناهى لا يعنى منحه الدب الذهبى فى مسابقة حفلت بالعديد من الأفلام التى تفوقه بأى المقاييس. وقبل إعلان الجائزة قال ديتر كوسليك، مدير المهرجان: «يقال إن (برلين) مهرجان سياسى، وإنه كذلك فعلاً، لأننا لا نستطيع الانفصال عما يحدث فى العالم»، وكأنه يُمهِّد لفوز «تاكسى»، وعلى أى مهرجان أن يكون فى العالم، ولكن ليس على حساب الفن.
وفي جريدة “الشرق الأوسط” كتب محمد رضا:كيف يمكن لمخرج إيراني محكوم عليه بعدم ممارسة أي نشاط سينمائي لعشرين سنة، إضافة إلى حكم آخر بحبسه في منزله من دون مغادرته لبضع سنوات أخرى، يستطيع أن يركب سيارة ويجول بها في طهران ويحقق فيلماً عن نفسه وهو يفعل ذلك؟ هل هناك من اتفاق بينه وبين السلطات الإيرانية فإذا بالسلطات تخفف ذلك الحكم الجائر لصالح أن تبرز إعلامياً في فيلم يحمل هويّـة البلد؟ أم أن المخرج جعفر باناهي خرق الحكم وانطلق يجوب شوارع طهران متحدياً؟ إذا كان الإحتمال الأول هو الصحيح فإن في الأمر لعبة، وإذا ما كان الإحتمال الثاني هو الصحيح فإن المخرج حكم على نفسه بعقوبة إضافية. لكن في كل الأحوال «تاكسي»، الفيلم الجديد المقدّم ممهوراً بإسم جعفر باناهي ليس فيلم مسابقات، ولا حتى فيلماً سينمائياً جيّداً. إنه مجرد فيلم. هناك كاميرا ثبّـتها المخرج على رف السيارة الأمامي الداخلي ذات يد يستطيع عبرها إدارة الكاميرا حيث يرغب. واللقطة الأولى للفيلم من تلك الكاميرا (فرضاً) على طريق مزدحم في طهران والناس والسيارات تتقاطع. ثم يُضاء النور الأخضر فتتقدّم السيارة لتجتاز تقاطع الشارعين ولتتوقف لرجل يشير لها. إنها سيارة تاكسي والسائق ليس سوى المخرج نفسه. ثم يلتقط إمرأة. وبعد ذلك رجل ثان وهذا الرجل هو من يتعرّف على باناهي بعد نزول الراكبين الآخرين لأنه هو الذي يبيعه الأفلام المقرصنة التي يطلبها. ينزل هذا الراكب من مكانه في المقعد الخلفي ويركب لجانبه ويأخذه إلى طالب في مدرسة الفنون ليبيعه أفلاماً أخرى يختارها للطالب المخرج نفسه. بعد ذلك هو مع إمرأتين تودان رمي سمكتين في نهر قبل الظهر وإلا، تبعاً لبعض الأوهام، ستموتان. باناهي ليس لديه وقت لسماع تلك الخرافات وينزلهما من السيارة إلى أخرى ثم يذهب إلى المدرسة حيث إبنة شقيقته ذات الأربعة عشر سنة تحمل كاميرا دجيتال وتصوّر بها كل ما تراه بما فيها هو نفسه. كل هذا ونحن لا زلنا بعيدين عن نهاية فيلم لا يوجد سبب فعلي له سوى رغبة المخرج في العمل. ولا يوجد سبب لوجوده على شاشة هذا المهرجان إلا للإستفادة من إسمه الذي حققه عبر أفلام أفضل سابقة. لكن «تاكسي» فيلم ثرثار مصوّر بكاميرا لا يلمسها أحد ممتزجة بما تصوّره إبنة أخته وبالتأكيد بلقطات من كاميرا أخرى غير كاميرا السيارة. إذا ما كان باناهي «جريئاً» و«مذهلاً» و«ذو بصيرة» (كما كتب بعض النقاد) لمجرد قيامه بتمثيل دور سائق تاكسي في فيلم يعتمد على ثرثرة طويلة (هناك مشهد البداية ومشهد النهاية بلا حوار يذكر) فلم لم يكن جريئاً لتحقيق فيلم أفضل؟ حكاية أخرى؟ تحد أعلى؟ بكلمات أخرى: إذا ما كان قرر الخروج من منزله مخالفاً الحكم عليه، ألم يكن بإمكانه إختيار وإنجاز عمل أفضل من هذا؟
وفي جريدة “النهار” اللبنانية كتب هوفيك حبشيان:
“تاكسي” الذي عُرض في اليوم الثاني لانطلاق الـ”برليناله” – بـ19 فيلماً في المسابقة أغلبها أفلام جيدة – أجمعت حوله الصحافة الغربية، ليس بالضرورة لأسباب سياسية تُختزل في التحدي الذي رفعه سينمائي كبير مُنع من ممارسة مهنته، فجديد بناهي فيلم مهم في قدرته على التقاط نبض الشارع الايراني، هذا عدا مزاياه الفنية الكثيرة. رئيس لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي بدا مقتنعاً جداً بالفيلم، وقال وهو يعلن فوز بناهي: “بدلاً من الاستسلام، وعوضاً من السقوط في الغضب والكبت، وجّه بناهي بهذا الفيلم رسالة حبّ الى السينما. فيلمه هذا مملوء بالحب لفنّه وجماعته وبلاده وللجمهور ايضاً”. طبعاً، سيُتَرجَم هذا الكلام سياسياً، لخدمة مصالح غامضة، البعض منا يجهلها تماماً. لكن إذا أسند مخرج أميركي صاحب أفلام واسعة الانتشار، جائزة المهرجان الكبرى الى فيلم شبه مرتجل بإمكانات بسيطة، فلا شكّ انها سياسة، ولكن ليس بمعناها التقليدي الضيق. والجائزة، هي قبل كل شيء، موقف سينمائي، قمة في الرقي، نابع من احترام الاختلاف وافساح المجال أمام الايرانيين ليعبّروا عن أنفسهم بأنفسهم، بعيداً من الأفلام التي تنمّطهم. هذه الجائزة هي ايضاً وايضاً انتصار لحرية الفكر الذي يحلق بجناحيه العريضين، مهما تزايدت محاولات محاصرته.
وفي “الشرق الأوسط” قال طارق الشناوي:
من الممكن أن تعتبر الفيلم محاكاة تسجيلية لما يعرف بـ«أفلام الطريق»، وهو واحد من القوالب الشائعة التي تمنح المتلقي متعة التنقل من مكان إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى. المخرج حقق ما هو أبعد في رؤيته التسجيلية، إذ إن الأحداث تنتقل بانسياب ونعومة، وهو لا يتطرق مباشرة إلى السياسة بقدر ما يمنحنا تشريحا اجتماعيا، وكأننا بصدد دراسة مرئية وممتعة لعينة عشوائية.
الوجه الآخر للفيلم أنه أصبح وثيقة مرئية على ما يتمتع به بناهي في الضمير الجمعي الإيراني من حب وتقدير، لتصل الرسالة إلى شعوب الدنيا كلها من خلال «تاكسي».
صفق الحاضرون للفيلم وللمخرج ثلاث مرات، وأنتظر أن أستمع للتصفيق رابع مرة مساء السبت القادم عند إعلان فوزه بـ«الدب» الذي لن يتسلمه بالطبع، ولكن ستصل الرسالة إلى العالم كله: انتصر الفن على القمع!
ويصل زياد الخزاعي في “السفير” اللبنانية إلى أن :
هذا نصّ غير كافٍ لتوكيد براعة بناهي ومناورته للأفكار، على الرغم من أن جديده أفضل بكثير من سابقيه “هذا ليس فيلماً” (2011) و “الستارة” (2013)، من ناحية خفّة دمه، ومثلها محاولته “البقاء على قيد الحياة سينمائياً”، وهو موقف لا يمكن سوى مناصرته. ما انتقص في فقرات «تاكسي» خلوّها من دراما لافتة. تركيبة الفيلم متساهلة، توهمنا بأن ما جرى تصويره تمّ عناداً، وأن وجود بناهي الفسيولوجي وتشظيه إلى “سينمائيين عديدين”، ساهموا في توجيه منهجية صناعة شريطه، وصولاً إلى فكرة وهمية تقول إن “تاكسي”مملوك لممثليه، وليس إلى غايته السينمائية البحتة.