أحمد عز.. موهبة تاهت في زحمة الإيرادات!

حقق النجم أحمد عز العديد من النجاحات الفنية التي جعلته يتربع على عرش النجومية بوصفه صاحب الأفلام الأكثر تحقيقا للإيرادات في السنوات الأخيرة. وقد حصل عز على كلا التقديرين النقدي والجماهيري، فبجانب الإيرادات حصل على العديد من الجوائز والتكريمات، التي كان آخرها تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الخامسة والأربعين، حيث منحه المهرجان جائزة فاتن حمامة، وأهدى الجائزة، في لمسة وفاء، للزعيم عادل إمام، مؤكدا، في كلمته التي ألقاها بالحفل، أن اسم الجائزة تكريم في حد ذاته.

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح نفسه إلى أي مدى يستحق عز التكريم؟ أو بعبارة أخرى ماذا الذي قدمه للسينما المصرية بحيث يقف على منصة التتويج في واحد من أهم المهرجانات السينمائية في الوطن العربي؟ والحقيقة التي لا ينبغي إنكارها هي أن مسألة التكريم ومنح الجوائز تخضع دائما لاعتبارات كثيرة ليس من بينها، بالضرورة، القيمة الفنية. ينطبق هذا على المهرجانات العالمية والمحلية. وفي السياق المحلي حصل كريم عبد العزيز على الجائزة نفسها في الدورة الثالثة والأربعين، واعترف كريم وقتها بأنه لم يخلص للسينما كما كان يفعل الممثلون القدامى، وأن إنتاجه قليل جدا قياسا بإنتاج نجوم الزمن الماضي. وحصل أحمد السقا هذا العام على تكريم مهرجان الإسكندرية المسرحي، الذي حمل اسمه، في دورته الرابعة عشرة بالرغم من عطائه المحدود في فن المسرح!

والمسألة بهذا المعنى لا تعدو أن تكون مناسبة لإعادة تقييم النجم، ووضع أعماله على المحك، بحيث تكون فرصة لمراجعة النفس وإعادة النظر في مستقبله الإبداعي. وإذا توقفنا عند أعمال أحمد عز السينمائية فسنجد أن رصيده بلغ خمسا وعشرين فيلما منذ بدايته عام ١٩٩٧ وبالرغم من قلة إنتاجه إلا إنه يعد الأكثر إنتاجا بالنسبة للسقا وكريم عبد العزيز، لأنه الوحيد، في نجوم الصف الأول الحاليين، الذي يقدم أكثر من فيلم في العام الواحد.

ويتميز عز بأنه يتمتع بخفة ظل كريم عبد العزيز وبرشاقة السقا، أي أنه يجيد في أفلام الكوميديا وأفلام الحركة. ويمكن أن نضيف إلى ذلك كونه الأكبر سنا والأكثر وسامة. وربما كانت وسامته هي التحدي الأكبر الذي واجهه منذ دخل الميدان السينمائي، فموقف عز يذكّرنا بموقفي حسين فهمي ومحمود عبد العزيز، فقد ظل الأول حبيس ملامحه ذات الوسامة الطاغية، التي قدم بها نفسه في فيلم “خللي بالك من زوزو”، بينما نجح الأخير في التخلص من قيد الشكل الخارجي وقدم أدوارا مميزة تعتمد على الأداء التمثيلي أكثر من الوسامة الخارجية مثل شخصية الدكتور عادل في فيلم “العار”، وشخصية الشيخ حسني في فيلم “الكيت كات”، وشخصية المعلم زرزور في فيلم “ابراهيم الابيض”.

والحقيقة أن أحمد عز حاول أن يمسك العصا من المنتصف، فهو لم يتخلص من آفة الاعتماد على الشكل تماما كما فعل محمود عبد العزيز، ولم يظل حبيس الشكل مثل حسين فهمي، فقدم أدوارا متنوعة تراوحت ما بين الرومانسي كما في أفلام “مذكرات مراهقة” و”حب البنات” و”سنة أولى نصب”، والبوليسي التشويقي مثل “ملاكي إسكندرية” و”الشبح” و”مسجون ترانزيت” ، والأكشن مثل “الرهينة” و”الخلية” و”العارف”، والنفسي مثل “بدل فاقد” و”الجريمة”، والحربي مثل “الممر” والتاريخي مثل”كيره والجن”. وبالرغم من تنوع الأعمال التي قدمها عز إلا أن المشاهد لا يمكنه أن يتذكر له شخصية تعلق بالذهن كما نجد لدى السقا، الأقل في القدرات التمثيلية، عندما قدم منصور الحفني في “الجزيرة” وإبراهيم الابيض في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه!

وقد حاول عز أن يخرج عن أدوار التشويق والحركة، فقدم الكوميديا الاجتماعية في “365 يوم سعادة” و”حلم عزيز” غير أن العملين لم يحالفهما النجاح المتوقع، فعاد عز ليلعب على المضمون ويقدم أدوارا جماهيرية تضمن له الإيرادات والحفاظ على اسمه التجاري في سوق سينمائية فقيرة فنيا، وخلو الساحة من المنافسين الحقيقيين عدا كريم عبد العزيز الذي مازال محتفظا بشعبيته وجماهيريته العريضة، وكان على رأسها سلسلة “أولاد رزق” الذي عُرض جزؤها الثالث في موسم عيد الأضحى الماضي وحطم الإيرادات بعد أن توفرت له كل عناصر النجاح التجاري دون أي مضمون واضح عدا المبالغة في مغازلة شباك التذاكر، وجذب أكبر عدد من الجمهور الراغب في التسلية كهدف أول وربما أخير من ارتياد دور العرض السينمائي!

وفيما يبدو فإن أحمد عز لا يدقق كثيرا في اختيار أدواره، فيكفي أنه لعب دور الضابط في أربعة أفلام، ويقوم حاليا بتصوير فيلم “فرقة الموت” الذي يقوم فيه بالدور نفسه للمرة الخامسة!

وما يؤخذ على هذه الأدوار أن عز لا يغوص في أعماق الشخصية، لكن يكتفي بالشكل الخارجي فقط، ومن هنا يأتي الأداء نمطيا متكررا. ولا يخفى أن القصة والسيناريو تكون لهما الدور الأكبر في وقوف عز عند حدود القشرة الخارجية لشخصية الضابط، لأن معظم الأفلام كانت تدور في إطار القصة البوليسية ولا تهدف لغير الإثارة والتشويق. يستثنى من ذلك فيلمي “بدل فاقد” و”الممر”، ففي الأول لعب شخصيتين متناقضتين، الطيب والشرير، وفي الأخير لعب دور ضابط الجيش العائد من هزيمة ٦٧ محملا بمشاعر الانكسار، وكان موفقا في كلا الدورين.

والمتتبع لأداء عز سيلحظ أن قدراته التمثيلية تختفي خلف عناصر التشويق والطابع الحركي الذي يغلب على معظم أعماله. وفي هذا السياق لا تجد موهبة عز التمثيلية فرصتها للظهور إلا من خلال بعض المشاهد القليلة في هذا اللون من الأفلام كمشهد المحاكمة ومشهد النهاية في فيلم “ملاكي إسكندرية” ومشهد دفن الابن ومشهد الانتقام في فيلم “مسجون ترانزيت”.

ما يفسد أداء عز هو غلبة الروح الانفعالية في كثير من المشاهد، وحرصه على أن يكون خفيف الظل من ناحية وبطلا شعبيا من ناحية أخرى، ويمكن أن نستثني فيلم “الحفلة” الذي أخرجه أحمد علاء الديب عام 2013 وقدم فيه أداء هادئا ومتوازنا، حتى أن بعض النقاد شبهه بآلان ديلون، واعتبره بداية لمرحلة جديدة من النضج الفني، غير أن عز أبى إلا أن يمضي في الطريق نفسها، الطريق الجماهيرية مضمونة النجاح، فبدأ بعد ذلك التاريخ سلسلة أفلام أولاد رزق، والخلية والممر والعارف، وكلها أفلام حركة وتشويق. ثم عادت الفرصة مرة أخرى لعز عندما قدم فيلم “الجريمة” الذي أخرجه شريف عرفة عام 2022 ، لكنه قدم “كيره والجن” بعد شهور قليلة من العام نفسه، ثم قدم بعد ذلك الجزء الثالث من “أولاد رزق”، ومن المنتظر أن يكون عمله القادم هو فيلم الحركة “فرقة الموت” الذي سيعُرض في إجازة منتصف العام الدراسي القادم.

تشبه مسيرة عز السينمائية مسيرة السقا وكريم عبد العزيز، فجميعهم يمضي دون خطة واضحة تكشف عن وعي فني أو اهتمام بقضية اجتماعية أو سياسية. ربما يحدث ذلك عرضا كما حدث مع السقا في أفلام “الجزيرة بجزئيه” و”ابراهيم الأبيض”، وحدث مع كريم في فيلمي “واحد من الناس” و”ولاد العم”، وحدث مع عز في “كيره والجن”، لكن يظل الحرص على النجومية وإيرادات الشباك هو الدافع وراء اختيارات النجوم الثلاثة.

ومثل السقا وكريم، يتمتع عز بروح ودية مع زملائه، بحيث تقاسم البطولة مع السقا في فيلم “المصلحة”، ومع كريم عبد العزيز في فيلم “كيره والجن”، ومع آسر ياسين في فيلم “فرقة الموت”. لكنه يشبه السقا أكثر عندما يتقاسم البطولة مع نجوم الصف الثاني ويتفوقون عليه في الأداء، كما حدث مع محمد رجب في فيلم “الحفلة” وأحمد فهمي في فيلم “العارف” وماجد الكدواني في فيلم “الجريمة”.

ومن الإنصاف أن نعترف بأن أحمد عز يمتلك مواصفات النجم عن جدارة، بل لعله يقترب من كاريزما النجوم العالميين، لكن ما ينقصه الآن هو وقفه مع النفس، لمراجعة أعماله السابقة والنظر بعناية أكثر لما ينبغي أن يكون عليه مستقبله الفني، خاصة أن الرهان على الجمهور ربما يحقق النجاح الوقتي، لكنه لا يصنع للنجم تاريخا، كما أن الاعتماد على الشكل واللياقة البدنية وحدهما لن يصمد كثيرا أمام الزمن.

وأخيرا، اعترف بأني كمشاهد عادي يهدف إلى التسلية والمتعة الخالصة، أحب أحمد عز وأعجب بأفلامه، لكني كناقد يبحث عن القيمة والمعنى في الأفلام أتمنى أن أراه في ثوب جديد حتى لو كان باليا بالمعنى الفني، وفي شكل مختلف ولو أقل وسامة لكن بالمعنى الجمالي.

Visited 5 times, 1 visit(s) today