“يوم مالوش لازمة”.. حلقة بائسة فى مسلسل قديم!
مازالت مشاكل الفيلم الكوميدى المصرى مستعصية، فمن بين عدة أفلام تحمل لافتة الكوميديا، تستطيع أن تعطى فيلما واحدا فقط درجة مقبولة. خذ مثلا فيلم محمد هنيدى الذى استقبلته الصالات المصرية فى بداية موسم 2015 السينمائى وعنوانه ” يوم مالوش لازمة” من تأليف عمر طاهر ومن إخراج أحمد الجندى، شاهد العمل بإمعان، وستجد فيه كل مشكلات الكتابة التى توصف خطأ بأنها “دراما كوميدية”، أول هذه المشاكل الواضحة فى الفيلم هى عدم القدرة على تطوير الفكرة لكى تملأ فيلما، ما رأيناه يكاد بالكاد يمكن اختزاله فى حلقة تليفزيونية بائسة ضمن مسلسل قديم، مجموعة مشاهد عن ورطة يوم الفرح على الطريقة المصرية.
لم يستطع مؤلف الفيلم أن يقدم دراما اليوم الواحد بصورة سلسة أو خالية من الإفتعال، بدا وكأنه يبحث عن أحداث، ويفتعل مواقف (بعضها لا يخلو من السخافة) لكى يستكمل زمن الفيلم المقرر، وقد أدى التورط فى الإفتعال الى المزيد من الإفتعال، وصولا الى نهاية كارثية.
ومن تجليات الإرتباك الدرامى المشهود هذا التأرجح بين مواقف واقعية، واخرى تلامس الفانتازيا، بل إن إحدى شخصيات الفيلم ( بوسى التى تلعبها الممثلة روبى) تبدو أقرب الى نموذج المرأة الخارقة الخيالى، فتاة مضطربة غير قابلة للموت!
حصاد فيلم “يوم مالوش لازمة” يكشف بوضوح إحدى عيوب الفيلم “الكوميدى” المصرى فى جيل محمد هنيدى وزملائه، لقد أعتبروا أن كتابة الإفيهات والمواقف الضاحكة تكفى لكى تصنع “دراما كوميدية”، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، قد يعثرون أحيانا على أفكار لامعة، وقد يقدمون مشهدا أو مشاهد مضحكة، ولكن من النادر فى أعمالهم أن نعثر على عمل يستحق أن نصفه بأنه “دراما كوميدية”. تلك هى المشكلة.
ليلة زواج
محمد هنيدى يلعب فى الفيلم دور عريس يستعد ليوم الزفاف يدعى يحى، ل ابأس فى ذلك لأنه عريس تأخر فى الزواج، ويعمل محاسبا فى الإمارات، من الواضح أن إمكانياته المادية جيدة، يدخل الفيلم الى موضوعه مباشرة بزيارة من ابن خالته سامح (محمد ممدوح) الى والدة يحى (هالة فاخر) صباح يوم الفرح، ثم ننتقل فورا الى يحيى وقد وقف على قبر حماه يقرأ الفاتحة مع عروسه مها (ريهام حجاج) فى أول مشهد مفتعل التماسا للضحك، أىّ عروس تلك التى تزور قبر والدها يوم زفافها؟! ستعتقد أنه افتعال وسيمر، ولكن ستكتشف أن الإفتعال والإصطناع يقترب من أن يكون منهجا وخطة عمل، والهدف هو مط الفكرة لتكفى زمن الفيلم الطويل.
يقسم عمر طاهر يومه / يوم زفاف بطله الى فترة الصباح (ومشاهدها محدودة نضبت بسرعة ) وفترة الليل (حيث معظم مشاهد الفيلم ومكان الفرح فى قاعة بفندق كبير)، فى الصباح لم يجد الفيلم سوى مسألة ذهاب يحى الى مركز صحى، واعتبر سقوط بطله فى الماء الساخن فرصة للإضحاك حين الإحتياج، ووقت اللزوم، ثم يتعثّر يحى فى فتاة مجنونة تدعى بوسى تفترض أن يحى قد غدر بها، رغم أنه يؤكد لنا ولها طوال الفيلم إنه لم يظهر منه أبدا أى إشارة وعد أو حب أو هيام، ثم يذهب سامح لأحد بائعى الأعلام للتحضير لزفة زملكاوية للعريس لأنه زملكاوى، بينما نشاهد فريقا إفريقيا يستعد لمواجهة الزمالك!، سنشاهد أيضا أكثم (هشام إسماعيل) ضابط البوليس وشقيق مها الذى يعترض على زواجها من يحى دون أى مبرر، أما مها فقد تركت المقبرة لكى تذهب فى يوم زفافها لنفخ وجهها عند طبيب تجميل(!!) مجرد بذور مفتعلة ستورط الفيلم فى حصاد أكثر افتعالا.
المشكلة التى زادت العمل بؤسا أن بوسى تبدو أقرب الى نموذج “عفريتة هانم” الخيالى تماما كما شاهدناه (طبعا بصورة أجمل وأظرف) فى فيلم فريد الأطرش الشهير، إنها امرأة خارقة من المستحيل التخلص منها، لايؤثر فيها المخدّر الذى يدفع الفيل الى النوم، وعندما تسقط من سيارة سامح فى الجزء الثانى لا تموت، وحتى عندما يلقى بها هنيدى من نافذة الفندق المرتفعة تعود إليه من جديد.
الفانتازيا ليست منطق الفيلم من الأساس كما فى “عفريتة هانم”، منطق العمل واقعى كما فى تفصيلات الإعداد للفرح، وفى مشاجرات الحموات، وفى تدخين الحشيش، وفى طقوس الزفاف المستحدثة فى قاعات الأفراح لدى العائلات الميسورة، ولكن لا بأس من أن تظهر شخصية فانتازية تماما ومفتعلة، وبأداء روبى الركيك والمفتعل حتى تكون وسيلة (افتراضية) للإضحاك، وحتى يتم دفع الفيلم بنفس الطريقة الملفقة التى كان يحى يحاول بها أن يدفع ليلة الزفاف حتى تمر وتكتمل.
فوضى واضطراب
فى الليل يقدم الفيلم معظم مشاهده ولكن فى فوضى واضطراب، المخرج أحمد الجندى يفقد سيطرته على إيقاع بعض المشاهد، نفقد إحساسنا بزمن دراما يفترض أنها تدور فى يوم واحد، تبدو بعض الخطوط المساعدة عاجزة عن دفع الأحداث، ننسى بوسى لوقت طويل نسبيا، ثم تظهر لإفساد الزفاف، تدور الأحداث حول نفسها ، تبدو الأحداث مثل قطعة لبان (علكة) ممطوطة، أو مثل حال من يلتّ ويعجن، يحمل العجينة الى أعلى والى أسفل بلا هوادة.
ماذا يمكن أن يعطل زفافا لعريس ثرى سيطير بعروسه الى مقر عمله بالإمارات؟ سيحاول صناع الفيلم فبركة كل شىء وأى شىء لتحقيق ذلك، العريس سيعترض على فستان عروسه العارى من وجهة نظره، ودون مقدمات، وستعترض هى على بدلته التى يلبسها، ولكن للأمانة بمقدمات سابقة، وبعد فاصل من الردح بين أم العريس وأم العروس، ينتبه صناع الفيلم أن خناقة مفبركة مثل تلك يمكن أن تنهى الفيلم كله، فيتصالح الطرفان فى المشهد التالى وكأن شيئا لم يكن!
نتنفس الصعداء مع وصول المأذون (طارق عبد العزيز)، ولكنه يبدو شخصية مضطربة، إنه يرد على تليفونات زوجته أثناء العقد، ثم يطلقها أمام المعازيم، ويغادر المكان، نكتشف أن الضابط شقيق العروس وراء إحضاره فى محاولة لإفساد الزفاف، أمر غريب ولكنه جائز عند صناع الفيلم، بل إنهم يعتبرون البحث عن مأذون جديد محاولة لإعطاء الفيلم قبلة الحياة، تستمر مراسم الفرح بدون مأذون، المهم فقط هو دفع الفيلم لكى يستكمل زمنه الشرعى.
هناك خط أساسى وهو محاولة بوسى بعد أن استيقظت من المخدر إفساد زفاف يحى، وهناك خطوط فرعية تحاول عبثا أن تملأ هزال الحبكة دون جدوى منها مثلا ظهور رجل حاملا المخدرات لسامح، ومعركة بين مشجعى الزمالك والفريق الإفريقى الذى يقيم فى نفس الفندق، وظهور بعض أقارب العريس المصرييين القادمين من الكويت، وظهور مدير الأمن فى زيارة تهنثة للضابط شقيق مها (تذكر معى أن الضابط يحاول أصلا إفساد الزفاف).
يفشل الخط الأصلى، والخطوط المساعدة فى بناء دراما متماسكة، كل مشهد يبدو كما لو كان مستقلا، مشاهد طويلة جدا، وأخرى قصيرة جدا، الطريقة السخيفة التى تظهر بها بوسى دمرت ما نراه من مشاهد واقعية مثل تفصيلات الفرح والجلوس بجانب العروس، افتقد الفيلم التجانس والإيقاع المتماسك، استهلك عمر طاهر خط تدخين الحشيش حتى النهاية سواء من خلال العريس أو من خلال تدخين سامح وأصدقائه لسجائرهم فى حجرة مخرج الفرح الذى لا يتوقف عن الإستظراف، لا مقارنة بين هذا المخرج وبين كاراكتر المخرج الذى ظهر فى أفلام الأبيض والأسود بطريقة أظرف وأكثر ذكاء.
نسى صناع الفيلم أن السيطرة على جنون بوسى لا يحتاج أكثر من إبلاغ البوليس (الذى يحضر الفرح بتمثيل معتبر) ، الإفتعال أدى الى التورط فى افتعال مضاعف، وكلما تعقدت الأمور، ظهر افتعال ثالث لحلها وهكذا حتى يكتمل زمن الفيلم بفشل الزفاف، وبنقل الجميع الى المستشفى.
بعد 8 سنوات يقدم فيلمنا نهاية عجيبة تريد أن تصنع معنى (أىّ معنى) لما شاهدناه طوال زمن الفيلم الشرعى: يظهر يحى وهو يحكى لابنه عن تلك الليلة العشوائية التى تجرعناها، ثم نكتشف أنه تزوج فى النهاية بوسى المجنونة، وانه أنجب منها هذا الطفل، كيف حدث ذلك وقد أفسدت عليه فرحه؟ بل كيف تزوج من فتاة طالبها أكثر من مرة أن تتعالج نفسيا؟ أى استخفاف هذا بعقل المشاهد تحت لافتة أنهم يصنعون فيلما للضحك مع أنهم لو صنعوا شريطا للنكات كما فعل دوما الظريف الرائع حمادة سلطان لكان ذلك أفضل وأكثر احتراما للناس؟ وهل الإضحاك معناه أن تصنع عملا ركيكا دراميا مليئا بالثغرات والمتناقضات؟ ومن قال إن الإفيهات هى الدراما الكوميدية؟
طبعا لا توجد إجابة سوى الإستسهال والفبركة وسلق السيناريوهات والإعتقاد بأن النجم يمكن أن يصنع من الفسيخ شربات، “يوم مالوش لازمة” بحالته التى شاهدناها لا يمثل فى ميزان الدراما إلا حلقة تليفزونية متواضعة المستوى، ربما يفرح صنّاعه بالإيرادات، وقد يفرحون بأنهم دفعوا الفيلم بالقوة الجبرية الفهلوية لكى يملأ شريطا ليحسب ضمن أفلام العام، ولكن سينما “الفهلوة” ستظل دائما هى سينما “الفهلوة”، وإذا كان هناك من يبتلع كل هذه السخافات، فإن هناك بالتأكيد من سيتنبهون إليها بسهولة.
مازالت صناعة دراما كوميدية أمرا نادرا، وبدون الدخول فى تنظيرات، يكفى فقط أن تقارن ما تشاهده بدراما الأبيض الأسود الكوميدية حتى فى نماذجها الترفيهية البسيطة مثل أعمال إسماعيل ياسين، وبين فيلم “يوم مالوش لازمة”، كان صناع أفلام زمان الخفيفة يستهدفون والله الإضحاك أيضا، ولكنهم كانوا من المحترفين لا من الهواة.