يسرى نصر الله: من “سرقات صيفية” إلى مسابقة مهرجان كان

هل توجب ان يصل المخرج السينمائى المصرى يسرى نصرالله الى سن الستين حتى يصل فيلمه “بعد الموقعة” الى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى؟ ام انه تحمل طوال عمره مشاق ومعاناه الطليعى الذى يسير عكس تيار تقاليد بلاده السينمائية فتقدم به العمر فى محاولة لكى يفسح لنفسه حيزا وسط هذا التيار؟، لكنه على ايه حال قد سبق له ان شارك فى مهرجان فينسيا ومهرجان كان من قبل لكنه هذه المرة ينافس على السعفة الذهبية.

ان يسرى نصر الله – ربما – هو الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى انتهج اسلوبية الفيلم الحداثى وحافظ عليها منذ فيلمه الاول (سرقات صيفية) عام 1988ان يوسف شاهين نفسه والذى حمل لواء الفيلم الطليعى فى مصر لم يتجرأ يوما على الفيلم الحداثى ، ولم يستطع التأثير على يسرى نصر الله الذى عمل مساعدا له ومؤلفا مشاركا فى عدد من افلام شاهين ، بل وجمعته به صداقة قوية.

ولعل فيلم (التلاقى) سنة 1973 للمخرج والناقد المصرى صبحى شفيق، هو اول الافلام المصرية المُتأثرة بنظرية الفيلم الحداثى، لكن صبحى شفيق انسحب مبكرا مع معظم جيله كمخرج وفضل ان يستمر كناقد ومُنظر حتى الآن.

ان يسرى نصر الله كان ناقدا سينمائيا قبل ان يتفرغ للاخراج السينمائى ولعلنا نرى لمسته الرقيقة فى اعداد ملف يوسف شاهين لتقديمه لنقاد العالم من خلال (كاييه دى سينما).

قبيل حصول يوسف شاهين على جائزة العيد الخمسينى لمهرجان كان السينمائى فى عام 1997 عن مجمل افلامه، كان قد وقع فى يد نقاد السينما العالميين سجلا كاملا عن يوسف شاهين وافلامه من خلال مقالة مطولة عنه فى مجلة ( كاييه دى سينما) الفرنسية، ونلحظ ان ثمة ناقدا مصريا واعيا كان وراء دقة التعريف بشاهين، هذا الناقد لابد ان يكون يسرى نصرالله الذى مارس النقد السينمائى فى جريدة السفير اللبنانية اليسارية، قبل ان يعود الى مصر ليواصل النقد السينمائى ايضا ولكن بصورة رمزية، فقد قرأت له مقالا تحليليا لفيلم تم عرضه ضمن احد نوادى السينما فى القاهرة.

وقد شاهدت هذا الفيلم فى منتصف الثمانينات فى سينما كريم 2، ولعلى مازلت اتذكر نوعية الكتابة السينمائية الطليعية التى يكتب بها يسرى نصر الله ومقدار معرفته ودرايته بالسينما العالمية من قراءاته باللغتين الفرنسية والانجليزية، فى وقت لم يكن الانترنت قد اكتشف بعد حيث كان الكتاب المطبوع والصحيفة اليومية والدورية او الشهرية السينمائية هى مصادر المعرفة السينمائية الوحيدة، وجميع هذه المصادر كانت مُكلفة جدا ومازالت.

لقد راج يوسف شاهين بعد مقالة (الكاييه دى سينما) حتى ان مهرجان لوكارنو السينمائى فى سويسرا خصص برنامجا عن يوسف شاهين تضمن معظم اعماله.ومن المعروف ان مهرجان لوكارنو هو لوبى مهرجان كان السينمائى، فقد سبق ايضا تقديم عباس كياروستامى فى نفس المهرجان قبل ان يصل الى مهرجان كان فى فرنسا، ففى مهرجان لوكارنو يتم تقديم المخرج لجماعة النقاد الذين يتوافدون من جميع انحاء العالم، فيبدأون فى التعرف على هذا المخرج وسيرته وافلامه تمهيدا لتقديمه فى مهرجان كان او الاربع مهرجانات الكبرى.

سرقات صيفية

ان يسرى نصر الله لم يواصل عمله النقدى والتنظيرى فى مصر بعد عودته من لبنان ، ففى عام 1988 بدأ التحضير لأول افلامه وهو فيلم (سرقات صيفية) وكنت قد التقيت بيسرى نصرالله فى هذا الوقت فى المعهد العالى للسينما، فقد كنت طالبا آنذاك وقد شرفنا بالزيارة – ربما لكى يستعيد ذكرياته الشخصية فى هذا المعهد الذى تخرج منه فى بداية السبعينات – وربما ايضا  بهدف اكتشاف ممثلين جدد لفيلمه الذى بدا قليل التكاليف ويتم ضمن نفس الصيغة الانتاجية لافلام يوسف شاهين حيث يتم التمويل من فرنسا وبرعاية شركة مصر العالمية التى يمتلكها يوسف شاهين.

وعندما عُرض الفيلم ولم يكن احدا من طلاب المعهد العالى للسينما قد شارك فيه، فان احدا فى مصر لم يلتفت اليه من الجمهور العادى للسينما، فالفيلم يقف فى الطرف الاقصى لتقاليد مشاهدة السينما فى مصر، لقد بدا الفيلم اكثر غرابة من افلام يوسف شاهين الذى لم تكن افلامه تصادف اى نجاح فى شباك تذاكر دور العرض السينمائى، ولعلى اتذكر ما قاله عادل منير والذى عمل مونتيرا للفيلم وكان محاضرا لنا فى مادة المونتاج.لقد قال ان الفيلم غير اعتيادى فى السينما المصرية وثمه ما يمنع الاستمتاع به ولكن الروح التشيكوفية تغلف هذا الفيلم.

لقد شاهدت الفيلم وقتها ولم اشعر بارتياح اليه، فقد بدا لى كمشروع تخرج يحاول صانعه ان يُثبت للجنة الممتحنة انه يستطيع المحافظة على الخط الوهمى ويستطيع عمل اللقطة ( الامورس) كعادة معظم مشروعات التخرج التى يستولى على مخرجيها رهاب الامتحان فيصنعون اسوأ افلام على الاطلاق رغم انهم يُثبتون بعد ذلك انهم مخرجين عظام.

كان الفيلم سيرة ذاتية يستدعى فيها المخرج ذكريات طفولته كاحد ابناء الارستقراطية المصرية ، لكنه لا يحتفى بهذا الاصل الطبقى بقدر ما يوجه الطعنات اليه ويدينه كنوع من النقد الذاتى ، وهذا بلا شكل لا يمكن ان يحدث الا من خلال مخرج مُمنهج سياسيا.

ويقر يسرى نصر الله فى هذا الفيلم بان اثرياء مصر فى الستينيات لم يفقدوا ثرواتهم ، لقد حافظوا عليها وعادوا مرة اخرى بعد انهيار التجربة الاشتراكية فى مصر ، وهى نفس المقولة التى سمعتها على لسان يوسف شاهين بعد ذلك وكأنه قد تأثر بتحليل يسرى نصر الله .

لقد كان يسرى نصر الله ويوسف شاهين صديقين ليس فقط على المستوى المهنى ولكن على المستوى الفكرى والانتماء السياسى ايضا، فكلاهما ينتمى الى الانتلجنسيا المصرية ذات الميول الاشتراكية، وربما لهذا السبب امتدت صداقتهما الى آخر ايام يوسف شاهين، ومما يجدر ذكره ان يوسف شاهين مزق احد سيناريوهاته عندما اصر يسرى نصرالله على ان السيناريو ضعيف واعاد يوسف شاهين كتابة السيناريو مرة اخرى.  

اننا نستشعر ان يسرى نصر الله فى المؤتمر الصحفى عقب عرض فيلمه (بعد الموقعة) فى مهرجان كان 2012 كان شديد الفخر والثقة بفيلمه المشارك، وانه فى الحقيقة لم يكن منفعلا فقط بروعة الانجاز كون الفيلم حظى بشرف الوصول الى المسابقة الرسمية لمهرجان كان بل ايضا لان هذا الفيلم فيما يبدو يتحقق فيه ما حلم به يسرى نصر الله بخصوص الاسلوبية السينمائية ومنذ ان بدأ مشواره كمخرج فى عام 1988، ففى هذا الفيلم يمارس نصر الله – حرفيا – اسلوبية الموجة الجديدة فى فرنسا فى بداية الستينيات ، فالسيناريو كان ارتجاليا، فقد قدم نصر الله للمصنفات الفنية عشرة اوراق عن الفيلم وليس السيناريو كاملا، وهى نفس طريقة جان لوك جودار فى افلامه الاولى ، فالارتجال واستحضار الواقع وعفوية الكاميرا، هى عناصر تحققت فى فيلم ( بعد الموقعة).

مغزى الاختيار في كان

والحديث عن يسرى نصر الله بمناسبة وصول فيلمه الى المسابقة الرسمية لمهرجان كان يكتسب اهمية كبرى فرغم اهمية هذا المخرج الاستثنائية فى السينما المصرية فان مجموع ما كُتب عنه لا يتناسب مع حجمه واهميته.

اننى اشعر باحباط كبير لأن شبكة الانترنت لا تحتوى على المعلومات الكافية عنه وعن افلامه، وهذا قد يكون سببا فى عدم استثمار هذا الحدث التاريخى للسينما المصرية التى – ربما – لم تشارك مطلقا فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى ولم تُنافس مطلقا على السعفة الذهبية – رغم الحضور المتكرر للسينما المصرية فى اقسام اخرى للمهرجان بالطبع ، لقد حصل يوسف شاهين على جائزة العيد الخمسينى لمهرجان كان السينمائى وهى جائزة رغم اهميتها الشديدة الا انها كانت خارج المسابقة الرسمية ، اننا حتى لا نتذكر ان فيلما عربيا واحدا قد حصل على سعفة كان الذهبية باستثناء فيلم ( وقائعسنوات الجمر) للمخرج الجزائرى محمد الاخضر حامينا فى بداية السبعينيات .

وُلد يسرى نصر الله فى عام  1952 وتخرج من جامعة القاهرة بعد دراسته للاقتصاد والعلوم السياسية، ثم درس فى المعهد العالى للسينما فى مصر وتخرج منه فى عام 1973 ، ونظرا الى انه قد تخرج وعمره 21 سنه ، فانه قد يكون قد التحق بمعهد السينما فى نفس وقت التحاقه بجامعة القاهرة، او ان هذه المعلومات المنقوله عنه عبر شبكة الانترنت غير دقيقه .

بدأ عمله السينمائى ناقدا فى جريدة السفير اللبنانية من عام 1978 وحتى عام 1982، ومن المعروف ان هذه الجريدة هى لسان حال اليسار اللبنانى ، لذلك فثمة يقين بولاء يسرى نصر الله الى حركة اليسار وبالتحديد الايدلوجية ( الماركسية اللينينية ) لانه من غير المقبول ان توافق صحيفة حزبية مثل صحيفة السفير اللبنانية على تشغيل ناقد سينمائى مصرى ولا يكون متفقا مع خطها السياسى وولاءها الاجتماعى .

ان الصداقة التى جمعت بين يسرى نصر الله والشاعر والروائى اللبنانى اليسارى الياس خورى مُؤلف رواية باب الشمس والتى اخرج عنها يسرى نصر الله فيلما طويلا من جزئين (الرحيل والعودة) لتدل على استمرار ولاء نصر الله السياسى الى اليسار، لكن الامر يبدو مختلفا الآن فاليسار العربى فى اسوأ حالاته على الاطلاق بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وازدهار الاسلامى السياسى الذى ساد الشارع العربى الآن ، لذلك فاذا كان ليسرى نصر الله بقية ولاء سياسى لليسار فانه بلا شك ولاءا فكريا وليس تنظيميا ، فهو – على حسب علمى – ليس عضوا فى حزب سياسى.

لكن هذا الولاء السياسى الطبقى يظل راسخا مع يسرى نصر الله وافلامه، ولا يمكن ان ننظر الى هذه الافلام بمعزل عن خلفية المخرج السياسية والا فقدنا بوصلتنا فى تأويل افلامه وفهمها.

الفيلم الحداثي

ان سبب اختياره لصيغة الفيلم الحداثى هى انها الصيغة الثورية للسينما، او هى اقرب الاشكال التى تتوافق مع انتماءه السياسى.. هذه السينما الحداثية تأسست مع ظهور الموجة الجديدة الفرنسية وكان جان لوك جودار اهم رموزها والذى واصل العمل والتنظير لها طوال عمره رغم بهوت ظهوره  لاكثر من عقدين – فى منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات – لكن هذه السينما الحداثية لم يتم التنظير لها كرفاهية او موضة سينمائية ، ولكنها كانت القالب الثورى للسينما لكى تتحول السينما الى اداة لتثوير الشعوب .

ان الامر اشبه بالمسرح الملحمى الذى اسسه برتولد بريخت والذى يمكن تسميته المسرح غير البرجوازى ، فهو مسرح تحريضى لا يستهدف الترويح عن المشاهدين بل اقلاقهم وتحريضهم وتوجيههم لحل مشاكلهم الاجتماعية بالثورة ، وهذا بالضبط هو حال السينما الحدائية التى تبناها يسرى نصر الله وظل امينا على اسلوبيتها طوال مشواره الفنى وحتى الآن.

لكنه ايضا كان يختبر امكانيات جديدة للحداثية فى كل فيلم يقوم باخراجه، ففى فيلم (مرسيدس) يبدو انه مُتاثرا بوجودية ألبير كامى ، فشخصية (نوبى) يبدو مغتربا عن مجتمعه كشخصيات كامى، فعلى حين كانت رؤية كامى متأثرة بالفلسفة الوجودية التى راجت فى اوربا بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكى والرأسمالى حيث شعر المواطن بالاوربى بالانسحاق والتهميش ما ادى الى اغترابه ، فان اغتراب ( نوبى ) يبدو بسبب التحول الاجتماعى الذى ساد مصر مع بدء ازدهار الرأسمالية المصرية ، فثمة انتقاد يصل الى حد التشهير بهذا المجتمع الرأسمالى البشع الذى تتردى فيه القيم  وراء السعى المحموم للاكتناز والكسب المادى.

ان فيلم (مرسيدس) يجعل المشاهدين يتأملون الواقع الذى يعيشونه، فشخصية ( نوبى ) بطولة ( زكى عبدالوهاب ) المريض عقليا لا تُساعد المشاهدين على التوحد بها ولكن النظر اليها من الخارج ، وعلى ذلك فان التغريب والمسافية يتحققان فى هذا الفيلم فيتم تحييد المشاهدين لاستنفار عقولهم وليس عواطفهم.

في المدينة

وفى فيلم (المدينة) بطولة باسم سمرة، يواصل يسرى نصر الله حداثيته ايضا من خلال ذلك الشاب المصرى الذى يعشق التمثيل فيهاجر الى فرنسا، لكنه يعمل من اجل الحصول على المال، فيعمل ملاكما، وينجح الفيلم فى تقديم هذه الشخصية باسلوب تعليمى، فمن المعروف ان هوس الهجرة كان ومايزال هاجسا لمعظم الشباب المصرى وخصوصا من ابناء الطبقة الفقيرة ذات الاصول الفلاحية او العمالية، ان بطل الفيلم يعيش تجربة حياتية كاملة فى هذا الفيلم، سواء فى حيه الشعبى بالقاهرة واصدقاؤه واسرته او فى تفاصيل حياته وسط مهاجرين غير شرعيين من اصول عربية يعيشون خارج القانون فى فرنسا فيتم استغلالهم، ويظهر بينهم النصابون، ويتعرض باسم سمرة الى هذا النوع من النصب، فيظن انه فقد كل مدخراته ، لكنه يكتشف لاحقا ان امواله قد اُرسلت الى اهله فى القاهرة، وان هذه الاموال كانت مصدر ثراء والده.

ان الفيلم يمتلئ بالتفاصيل وهذا فى حد ذاته نوع من التغريب، لاننا نجد انفسنا (نُشاهد) موضوعا، لكننا لا (نتفرج) عليه ، وثمة فارق كبير بين المُشاهدة والفرجة ، وهو نفس الفارق بين الفيلم التقليدى التطهيرى والفيلم الحداثى التحريضى، ولعل الاصطلاح العربى (مُشاهدة) دقيقا فى التعبير عن الحياد العاطفى، ولعل الاصطلاح العربى ايضا ( مُتفرج ) دقيقا ايضا فى التعبير عن الانخراط العاطفى مع الفيلم .

باب الشمس

وفى فيلم (باب الشمس) بجزئيه (الرحيل والعودة) نلحظ الطول النسبى للمشاهد والاستخدام الكثير للقطات العامة، ان الفيلم يسرد تاريخ فلسطين المعاصر واضطرار قرية الى الرحيل بعد فشلها فى التصدى للاسرائليين، ويُركز الفيلم على تخلف هؤلاء القروين فى مقابل نظامية الاسرائليين، انه نوع من النقد الذاتى، ويتسع نقد يسرى نصرالله لمجمل الوضع الفلسطينى بمؤسساته، ويلقى علي هذه المؤسسات مسؤولية الاخفاق فى الصراع العربى الاسرائيلى.

اننا فى فيلم باب الشمس نتعرف على حقيقة وضع الشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال ، حيث يهتم الفيلم بالتفاصيل الحياتية لشخوص الفيلم ، اننا نرى بطلة الفيلم فى احد المشاهد حيث يتم التحقيق معها من جانب الاسرائليين بسبب ظهور بطنها كحامل رغم ان زوجها مُطارد من الاسرائليين ، فتقول لهم انها عاهرة ، فنرى سخط المحقق الاسرائيلى من هذه العاهرة ، وكأن الاسرائيليون معنيون بالفضيلة ، على حين اننا نعرف ان سبب حملها هو زوجها نفسه ولكنهدها ارادت الا تشى به .

ان فيلم باب شمس هو فيلم ملحمي لأنه يتناول تفاصيل مجتمع كامل فى ظرف استثنائى، وربما لهذا السبب ولاعتماد الفيلم على رواية ادبية فان جهد يسرى نصر الله فيه كان اسلوبيا باستخدام اللقطات العامة وتطويل المشاهد ما يجعلنا نتابع الفيلم بعقولنا وليس بأفئدتنا، رغم ان الفيلم يمس وترا حساسا لنا لعرب، لذلك فالفيلم ايضا ينتمى الى الحداثية التى انتهجها هذا المخرج الطليعى.

الأسماك وشهرزاد

وفى فيلم (جنينة الاسماك) فاننا نرى الشخصيا تتحدث مباشرة الى الكاميرا كشخوص تخاطب الجمهور، وهذا يكسر الايهام كاحد اهم عناصر الفيلم الحداثى.

ثم نأتى الى فيلم (احكى يا شهرزاد) وتصدمنا حقيقة ان مؤلف الفيلم هو السينارست وحيد حامد الذى ظل طوال مشواره الفنى الطويل امينا على الفيلم الدرامى التقليدى وتأكيده الدائم على العنصر التطهيرى، فدائما نرى افلام هذا السينارست تنتقم من الاغنياء او رموز السلطة الى حد قتلهم فى نهايه افلامه ، ان وحيد حامد يبدو كما لو كان يعانى من السلطة الابوية وينتهز كونه مؤلفا للافلام لكى ينتقم من خبرات طفولية مازالت تنغص عليه حياته، لكن افلامه كانت رائجة دائما، لان المجتمع المصرى كان يعانى من هذه السلطة الابوية ولكن فى شكلها السياسى الذى اهتم به وحيد حامد، لكن افلامه لم تكن ثورية، انها تطهيرية او بمثابة مُسكنات.

ولذلك فثمة غرابة فى ان يجتمع رمزان سينمائيان على طرفى نقيد كوحيد حامد ويسرى نصرالله ، لكن الفيلم ينتمى الى الفيلم الحداثى ايضا كجميع افلام يسرى نصرالله ، فنحن نرى صيغة التغريب من خلال اسلوب الحكى وليس المعايشة ، فمذيعة التليفزيون ( منى زكى ) تتناول فى برنامجها التليفزيونى اربعة قصص مختلفة تغطى جميعها الواقع المصرى المعاصر، فثمة بائعة فى محل لبيع مستحضرات التجميل تعيش حياه مزدوجة بين كونها تلتقى الطبقة الارستقراطية فى عملها ، اما فى المساء فانها تعيش فى ضواحى القاهرة المنسية وسط اكوام القمامة والعشوائية.

ثم نرى قصة العانس التى تعيش فى مستشفى للامراض النفسية، وتسرد لنا قصتها ومراحل حياتها وموقف الرجال منها فى كل مرحلة.

ثم نرى قصة الفتيات الثلاثة اللائى يرثن دكانا عن والدهن المتوفى وكيف اضطرت احداهن الى ارتكاب جريمة قتل .

ثم نرى قصة السياسى صائد العوانس الذى يقيم علاقة زواج بضحاياه من الفتيات اللائى فاتهن الزواج لكى يبتزهن.

واخيرا نرى المذيعة نفسها موضوعا لبرنامجها التليفزيونى.

ان عنصر الحكى هو احد عناصر الفيلم الحداثى ، وكان كافيا وحده ان يحقق الحداثية ، لذلك فلم يُزايد يسرى نصرالله اسلوبيا وصنع فيلمه بصيغة الفيلم التقليدى لكنه على ثقة من حداثيته اسلوبيا .

ان يسرى نصر الله يستحق هذا المجد كونه شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى، ويستحق ايضا ان ينال السعفة الذهبية تتويجا لمشواره السينمائى الاستثنائى.

Visited 34 times, 1 visit(s) today