“وقفة رجالة”.. فشل محاولة إحياء “سهر الليالي”

Print Friendly, PDF & Email

توفرت لفيلم “وقفة رجالة” معظم عوامل النجاح ليكون عملا سينمائيا دسما مميزا بداية من العامل الأول الإنتاج الذي تشارك فيه أربع شركات منهم ثلاث من الشركات الكبيرة، ثم توليفة ممثلين من أصحاب المواهب الكبيرة والعيار الثقيل مثل ماجد الكدواني وسيد رجب وبيومي فؤاد وشريف دسوقي ومعهم أمينة خليل التي تسير بخطى ثابتة وتثبت وجودها من عمل لآخر وأيضا محمد سلام وهو ممثل كوميدي يلاقي القبول.

العامل الثالث هو المخرج أحمد الجندي الذي يعد أحد أبرز المخرجين المتخصصين في الأعمال التي تمزج الكوميديا مع الرومانسية خاصة تجربته المميزة مع أفلام أحمد مكي، وأما العامل الرابع فهو الموضوع الذي تدور خلاله الاحداث وهو يرتبط بخريف العمر عند الرجال ووجود اسم المؤلف هيثم دبور الذي كانت لديه تجربة سابقة في تقديم هذا الطرح الخاص بخريف العمر لدى رجل وامرأة في فيلم “فوتوكوبي” عام 2017 الذي قام ببطولته محمود حميدة وشيرين رضا.

هل وجود كل هذه العوامل في وقت واحد كانت كافية لخروج الفيلم بالصورة المنتظرة التي تليق بهذه التوليفة؟ الإجابة لا، لكن يحسب للفيلم في كل الأحوال أمران هما أولا التجربة في حد ذاتها في حبكة متعلقة بفكرة مهملة في السينما المصرية، وثانيا المغامرة في طرح الفيلم في دور العرض خلال فترة وباء كورونا الذي تسبب في جعل قاعات العروض خالية من الجماهير ومن الأفلام.

في أعمال أخرى مختلفة يشارك خلالها الرباعي الكدواني ورجب وبيومي والدسوقي يتركون بصمات مهمة ويحققون نجاحات تفوق الأبطال الرئيسين لتلك الأعمال ولكل منهم رصيد كبير فكان السؤال ماذا سيكون شكل العمل الذي يضم الرباعي معا لأول مرة، نحن أمام أربعة أصدقاء في خريف العمر في عمر الستين، تتوفى زوجة أحدهم فيقررون قضاء عطلة نهاية الاسبوع معا في الفيلا الخاصة بأحدهم في شرم الشيخ بهدف التخفيف عن صديقهم وإخراجه من حالة الاكتئاب والوحدة وتكتشف ان الثلاثي أيضا كلا منهم لديه أزمة اجتماعية مع عائلته.

إنه طرح يبدو في ظاهره تقليدي فقد قدمته السينما العالمية كثيرا ومازلت تقدمه وبالطبع التجربة الأكثر شهرة كانت “Last Vegas” عام 2013، لكن على مستوى السينما المصرية لم ينل حظه الوافر أو المساحة التي يستحقها قد تبدو التجربة الأقرب لدينا كانت من خلال تحفة تامر حبيب وهاني خليفة “سهر الليالي” عام 2001 التي اقتربت حبكة “وقفة رجالة” منه لكن الاختلاف كان أن فيلم حبيب تناول مشكلات المتزوجون أقرب إلى أزمة منتصف العمر وليس خريف العمر.

 محاولة احياء تجربة تضاهي “سهر الليالي” من جديد لكن مع بلوغ عمر الأبطال إلى سن الستين فكرة في حد ذاتها مقبولة ولدينا تعطش لمشاهدة هذه النوعية من الأفلام حتى وان اختلفت قليلا مثلما حدث في “وقفة رجالة” من خلال الجنوح إلى خط جديد متعلق بالمفاجأة التي حدثت عند الوصول إلى شرم الشيخ واكتشافهم ان الفيلا تحولت إلى دار لرعايا المسنين ورياضة اليوجا.

هناك تمهيد طويل عند تقديم الشخصيات الرئيسية “شهدي” رجل الأعمال الثري متعدد العلاقات النسائية و”حسين” الموظف الحكومي الذي يعول عائلته حتى بعد زواج أبنائه، “عزايزي” القبطان البحري السابق الذي يعاني من فتور العلاقة مع زوجته ثم “عادل” مدرب الملاكمة السابق والذي يعمل مدربا في صالة جيم حاليا المحب والمخلص لزوجته التي تتوفى في المشاهد الأولى، فيقرر الثلاثي مساندة صديقهم في محنته.

وهناك عرض لحياة الشخصيات جاء بكثير من التقليدية والسذاجة عن طريق مشاهد غير مؤثرة وحوارات طويلة شديدة التكلف لم تخدم السياق الدرامي فقد كان الهدف منها حشو لمحات كوميدية حتى يقول لنا صناع الفيلم اننا أمام فيلم كوميدي.

 كما ان محاولة كاتب السيناريو هيثم دبور الجنوح نحو تفصيل جديد لحبكته يتعلق بشخصيتي “ماهي” و”مصطفى” لم تضف أي جديد أو تأثيرا إيجابيا فعلىي الأحداث  بلعلى العكس فلو حذفت الشخصيتان فلن يتأثر الفيلم كثيرا حيث ظهرا كأنهما مقحمين على العمل.

من أهم النقاط التي تميز بها تامر حبيب في سينارية فيلم “سهر الليالي” البناء التدريجي للسيناريو والانتقالات التي شهدتها الأحداث على مستوى الشخصيات خصوصا الرجال الأربعة وأيضا كيفية توصيل المعاناة الشخصية لأبطاله، وهذه النقاط افتقدها تماما سيناريو وقفة رجالة لهيثم دبور فالبناء ضعيف والتنقلات غير مبررة فالانتقال الوحيد كان انتقال الأحداث من القاهرة إلى شرم الشيخ.

الفيلم عبارة عن مواقف كوميدية غير مرتبطة دراميا لا تضيف أي شيء على مستوى ملامح الشخصيات ولا تثير الضحك، وهناك مشاهد عديدة اعتمد بناءها على وجود مجرد وجود “إفيه”، استخدام ردئ لما يطلق عليه “الترند” على مواقع التواصل الاجتماعي والاعتماد على “الكوميكس” و”التويتات” المضحكة المنتشرة على السوشيال ميديا مجرد استعراض مبالغ فيه في الكوميديا لكن دون أن تكون مؤثرة دراميا على حبكة الفيلم نفسه.

أما فيمايتعلق بأزمات الأبطال فقد فشل الفيلم في جعل المشاهد يقترب أو يتعاطف حتى مع تلك المشكلات، بل وحتى حين عرضت على الشاشة تفقد رأيناها في مشهد تخلله مزجا بين المباشرة الصريحة والميلودراما المصطنعة في عرض ركيك سينمائيا، وهنا يكمن سر تفوق “سهر الليالي” الذي شهد عرضا تدريجيا تصاعديا لأزمات الأبطال وكيفية التعامل معها وكيف أثرت عليهم قبل وبعد الرحلة.

من الجيد في “وقفة رجالة” أن نعرف أن أزمة حسين في الضوضاء الأسري وإعالته لعائلته الكبيرة الذين يسكنون معه في نفس المنزل في الشقق المجاورة له، وعلى النقيض نجد أن شهدي يعاني من الوحدة وكان هذا السبب الذي يجعله يدخل في علاقات نسائية متعددة كأن شهدي هو المعادل العكسي لحسين لكن البناء الضعيف في رسم الشخصيات والاستخفاف أثناء عرض أزماتها في بداية الفيلم فرغ فكرة التلاقي مع أزماتها بمرور الأحداث.

تفوق “سهر الليالي” أيضا في التفاصيل الصغيرة المتعلقة بشكل العلاقة بين الرباعي في الماضي والأزمات التي تجمعهم كمجموعة أصدقاء لهم مشاكلهم الخاصة داخل حدود علاقتهم وأيضا الذكريات والمواقف الكوميدية التي وقعوا فيها في فترة المراهقة، رغم أن في فيلم “وقفة رجالة” أبطال من المفترض أن تجربتهم الحياتية أطول من تجربة أبطال “سهر الليالي” لكن لم تكن التجربة أعمق.

تلك التفاصيل الخاصة بعلاقة الرباعي كان يمكن أن تخلق دراما جادة تطرح أزمة خريف العمر بلمحة كوميدية مميزة على غرار الومضات القليلة التي قدمها السيناريو مثل تفصيلة أن القبطان عزايزي اسمه الحقيقي هناء، وأيضا علاقة القط والفار الخاصة بين شهدي وعزايزي ففي كل “شلة” نجد الثنائي الدائم في الصراع والشد والجذب.

فكرة خريف العمر خاصة مع التقدم التكنولوجي الحالي كان يمكن أن تخلق عملا جادا وإنسانيا يتعلق بتلك المرحلة وتأثيرها على الشخص وعلى الآخرين، مع حالة كوميدية ابداعية تستغل الموهبة الكبيرة للأبطال لتجسد الأزمات التي يمر بهاالانسان في مرحلة مهمة من حياته، وهو ما يعتبر مع الأسف جانبا مهملا في السينما المصرية.

Visited 49 times, 1 visit(s) today