مهرجانات السينما العربية: مع الإلغاء.. ضدّ الإلغاء؟

Print Friendly, PDF & Email

عمرو علي

لم تتعرّض صناعة السينما العربية إلى تعطّل يُشبه تعطّلها هذه الأيام باستثناء التوقّف الجماعي والتحّول نحو الانعقاد الافتراضي الذي أصابها في أعقاب انتشار وباء كورونا قبل نحو ثلاثة أعوام، ورغم أن هذا التعطّل يكاد لا يُعادل درجة الصفر إن قُورِنَ بكبر المأساة وجحيم الموت اليومي المُخيّم على قطاع غزّة جرّاء العدوان الصهيوني الوحشي.

 إلا أن هذا الإلغاء سرعان ما فتح الباب واسعاً أمام سجال المؤيدين والمُعارضين لإلغاء المهرجانات السينمائية العربية واللذين انبرى كلّ منهم لتبرير وجهة نظره أو لتقديم الاقتراحات والبدائل، لتتحّول عمليات الإلغاء نَفسها إلى فرصة سانحة لإعادة النظر في جدوى المهرجانات السينمائية وتلّمس مدى تأثيرها وأهميتها في سياق الصناعة السينمائية العربية.

تمحور فحوى الكثير من هذه الاعتراضات حول الخسائر المادّية التي سيُمنى بها كلّ من صنَّاع الأفلام وممولي المهرجانات والجهات الراعية على السواء، طالما أن الكثير من هذه المهرجانات المُلغاة كانت قد أعلنت بالفعل عن برامجها الرسمية والمُوازية وعن فعّالياتها المُرافقة بدءأً من مهرجان الجونة المُثير دوماً للجدل مروراً بمهرجانات القاهرة وقرطاج وعنابة وصولاً إلى مهرجان حديث العهد في الإمارات.

ولعلّ السينما المُستقلة هي الأكثر تأثراً حتى الآن بقرارات الإلغاء، طالما أنها تولد وتنمو في كنف المهرجانات، حيث ستخسر معظم الإنتاجات المُستقلة هذا العام فرصة العرض الأول مما سيؤدي إلى تأخّر دورة رأس المال المُستَثمَر في هذا النوع من الأفلام مع تأجيل توقيع عقود التوزيع السينمائي والتلفزيوني والرقمي، هذا عدا عن تجمّد المشاريع التي لا تزال في مراحل التطوير نظراً لتوقّف المُلتقيات ومنصَّات الدعم والتمويل عن مُزاولة نشاطها المُعتَاد هذا العام، وهوما سينعكس بلا شكّ على المشهد السينمائي العربي لسنتين على الأقل ريثما تعود الإنتاجات والمشاريع لتنال فرصاً جديدة على مستويات الإنتاج والتوزيع، بينما تبقى السينما التجارية في منأى عن هذا التعطّل طالما أنها صناعة تتم في أطر ضيّقة لا تتعدى حدود العلاقة الفردية بين شركات الإنتاج والتوزيع أوبين شركات الإنتاج ومنصَّات البثّ التدفقي أو بين تكتّل من هذه الشركات في أحسن الأحوال.

أما تراجع المزاج العام والذي قد يؤثّر على إيراد أسواق سينمائية بعينها كالسوق المصري على سبيل المثال، فإنه لن يشكّل بطبيعة الحال خسارة مُتَوقعة مع وجود أسواق سينمائية بديلة في دول الخليج تلعب دوراً حيوياً يفوق دور الأسواق التقليدية المُرشحّة للركود، عدا عن انفتاح الشبكات التلفزيونية الكبرى والمنصَّات الرقمية على الإنتاجات السينمائية الجديدة وهوما يعني في العمق توفّر بديل ومظلّة قادرة على استيعاب الإنتاج وضمان استمراريته.

أما دعوات البعض إلى التراجع عن الإلغاء وإقامة دورات خاصّة أو استثنائية لدعم القضية الفلسطينية عبر عرض أشهر الأفلام العربية والفلسطينية التي تُعالج هذه القضية فإنها لا تبدو اليوم شديدة الواقعية والتأثير، خاصّة أن المهرجانات العربية لا تزال محدودة التأثير في الرأي العام والإعلام العالمي، وسط انحسار عدد الضيوف الأجانب وخاصّة الغربيين، واعتذار بعضهم المُسبَق عن الحضور في ظلّ الظروف الحالية في المنطقة، وهوما سيحّول المهرجانات عند إقامتها على هذه الشاكلة إلى تظاهرات باهتة تُعيد عرض جلَّ الأفلام الفلسطينية التي سبق لها الحضور في مهرجانات كبرى بينما مرَّ على إنتاج بعضها الآخر عقود طويلة من الزمن.

سيبدو نافراً بكلّ تأكيد عقد مهرجانات سينمائية في مدن لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قطَّاع غزّة الرابض تحت القصف الهمجي وسط سيل مشاهد الموت والقتل والدمار المُتدفقة عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، مع الأخذ في عين الاعتبار الطقوس الاستعراضية المُرافقة لبعض هذه المهرجانات، والتي تُقَام تحت شعارات تنشيط السياحة والاستثمار.

يقودنا هذا بالتالي إلى تساؤل جوهري حول جدوى هذه الجهود في ظلّ غليان دول المنطقة ومكوثها على صفيح ساخن ضمن ظروف كفيلة بالإطاحة بالسياحة والاستثمار برّمتهما، خاصّة أنها تتزامن مع أزمات اقتصادية شديدة وغير مسبوقة ترزح تحت وطأتها معظم دول المنطقة، ولعلّ إلغاء المهرجانات يُعبّر على نحو لا يطاله شكّ، عن بداية مرحلة جديدة ألقت بظلالها السميكة مُبكراً لتُخيّم على صناعة هشّة وناشئة اسمها صناعة السينما العربية المُستقلة، أما انعكاسات العدوان الوحشي في القطَّاع فقد فعلت لدى الشعوب العربية أفاعيلها منذ اللحظات الأولى وهذا لا يحتاج بالتأكيد إلى دليل أو برهان.   

Visited 1 times, 1 visit(s) today