وثائق من مهرجان قرطاج 1980: الهجوم على ميد هوندو

Print Friendly, PDF & Email

في مهرجان قرطاج السينمائي 1980، جاء المخرج الموريتاني ميد هوندو لعرض فيلمه البديع “ويست إنديز” (أو الهنود الغربيون) الذي يمكن القول إنه بمثابة باليه أفريقي، وعمل ملحمي كبير (3 ساعات) وفيه يستخدم الرقص والموسيقى والأغاني مع التعليقات الصوتية والرسوم المتحركة وكتابة العناوين على الشاشة وإعادة تمثيل اللقطة، داخل ديكور مصنوع لسفينة مركبة بالأستديو على ديكور مصنع قديم. وتتكون السفينة من ثلاثة طوابق: يضم الطابق الأعلى المستعمرين الفرنسيين، ويضم الطابق الأوسط أعوان الاستعمار من الأفارقة وتجار العبيد البيض، وبالطابق الأسفل العبيد الأفريقيون. ويروي الفيلم قصة العبودية خلال القرون الثلاثة الماضية من خلال بناء جدلي يبرز المتناقضات، وإيقاع خاص مستمد من الإيقاعات الأفريقية التقليدية.

يقوم الفيلم على مسرحية “العبيد” للكاتب المارتنيكي (من جزر المارتنيك) دانييل بوكمان، التي سبق أن أخرجها هوندو للمسرح. وهو حتى وقت ظهوره، أكثر الأفلام الأفريقية طموحا وأول فيلم موسيقي أفريقي، وقد شيدت له ديكورات وعمل فيه عدد كبير من الممثلين الثانويين والراقصين، وتكلف إنتاجه مليون و300 ألف دولار، وهي ميزانية ضخمة بمقاييس عصره. وقد جاءت بالتعاون بين الحكومة الموريتانية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون الجزائرية ومساهمات من السنغال والكاميرون وساحل العاج.

وفي المؤتمر الصحفي الذي انعقد على هامش مهرجان قرطاج دارت مناقشات ساخنة وتعرض ميد هوندو للهجوم والاتهامات رافقت صدور بيان موجه يتهمه بالتعاون مع جهات صهيونية لتمويل فيلمه. والغريب أن من اتهمه بذلك كان الناقد التونسي خميس الخياطي، ومن سخرية الأقدار أن يرتد الاتهام بممالأة الصهيونية إلى الخياطي نفسه بعد سنوات، عندما يذهب لحضور مهرجان سينمائي في حيفا رغم مقاطعة السينمائيين العرب له. ولا تعليق لي على هذا، وليست لدي معلومات عن خلفية هذا الموضوع أو ذاك، إلا أنني أعرض فقط ما حدث وأنشر هنا النص الكامل لكل من البيان الذي صدر وقتها ضد هوندو، ونص وقائع المؤتمر الصحفي كما سجلته بنفسي عندما حضرت هذه الدورة من المهرجان الذي كان أول مهرجان دولي أذهب وأشارك فيه في مسيرتي الطويلة في عالم النقد السينمائي.

ملحوظة: الصور المنشورة هنا كلها من فيلم “الهنود الغربيون”.

أمير العمري

وقائع المؤتمر الصحافي لميد هوندو

النص التالي يشمل تسجيلا «طبق الاصل» من واقع شريط التسجيل، لوقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده المخرج المويتاني ميد هوندو في مهرجان قرطاج السينمائي عام 1980.

* ميد هوندو: لقد حاولت ان ابرز في فيلمي الكفاح الذي استمر طوال سنوات عديدة من اجل تحرر الشعوب الافريقية من الاستعمار، وان اوضح ان هذا الشعب الافريقي الذي ظلم طويلا، له خصوصياته ولغته الخاصة وتقاليده الاصيلة، وهي الخصوصيات التي يبرزها ويتمسك بها ويستخدمها للنضال ضد الاستعمار. والفيلم يتحدث عن هذا النضال وينبغي تصوير ذلك سينمائيا. ان فيلمي لا يهتم بالشعارات السياسية. كان ينبغي ان نركز على النضال الذي استمر منذ القرن السابع عشر حتى يومنا هذا. ان اللغة الافريقية لم تعد مستعملة ولهذا حاول الافريقيون ان يستحدثوا لغة اخرى هي لغة الكريول لكي يستخدموها في الكفاح.

اننا في الفيلم نتحدث عن الماضي والحاضر في آن واحد، لأن بينهما ارتباطا عضويا. هناك عبيد كانوا يرفضون دائما العبودية وذهبوا للحياة بعيدا في الجبال. وفي نفس الوقت فان فيلمي يتعرض للصراع الطبقي. فالقادة الافريقيون الذين نراهم يتحدثون الفرنسية في الفيلم، هم الذين قبلوا العمالة للاستعمار. اما المواطنون المرتبطون بتراثهم ووطنهم، فهم الذين استحدثوا لغة الكريول. انني اطمح الى التوصل الى لغة سينمائية مشتركة واحدة نصور بها الافلام، واتمنى ان نصل الى شيء مشترك بين السينما العربية والسينما الافريقية. وعلى كل سينمائي أن يبذل الجهود من اجل تقديم مقترحات في هذا الإطار، لمساعدتنا على استحداث انتاج سينمائي، سوف يكون في البداية متعدد الاشكال، ولكن بعد عشرين عاما مثلا يمكننا ان نصل الى شكل اصيل ومشترك.

ولكن في هذه المرحلة، لا يمكننا الا ان نتقدم بمقترحات في هذا الاطار فقط. لدينا العديد من المشاكل التي تواجه سينمانا، هناك مثلا فيلم «عزيزة» التونسي. ان هذا الفيلم لا يمكن عرضه في نفس القاعات التي تعرض افلاما غربية. ينبغي تغيير الافكار التي لا تزال تعلق بها رواسب الاستعمار. وينبغي أن نصل الى مرحلة الاعتماد الكامل على ثقافتنا وقدراتنا. ان 90 بالمئة من الانتاج السينمائي العربي والافريقي هو انتاج رديء يحمل قيما ثقافية اوروبية ومستوردة كما هو الحال في اغلب الفنون التي نستوردها. لذلك لا بد من بذل كل الجهود عند الشروع في انتاج فيلم من الافلام، وانتم تعلمون جيدا ان السينما عندنا لا تزال متخلفة وفي بداية الطريق.

* أحد الحاضرين: انني احيي البحث الشاق الذي يقوم به هوندو من اجل التوصل الى لغة سينمائية جديدة. إن هوندو يتوجه في «ويست انديز» الى الشعوب المستغلة في العالم لذلك كانت اللغة التي استخدمها هي لغة الخطاب السياسي المباشر، مع الوضع في الاعتبار القدرات الفنية والسيطرة على الايقاع.

* أحد الحاضرين: إن فيلمك هو فيلم نخبوي انتقائي، بمعنى انه يتوجه الى الصفوة المثقفة لكي يحكي قصص الاجداد في افريقيا الذين اضطروا الى هجرة افريقيا. كان ينبغي لكي يتوجه الفيلم حقا الى الشعوب الافريقية، ان يتم تصويره في اطار واقعي حقيقي وليس في ديكور باخرة. وهو نخبوي بمعنى انه فيلم مثقفين، فهو طويل للغاية وفيه شبهة المحاضرة التعليمية، وهناك نقطة اخرى: ان هناك في اوروبا من يتناولون التاريخ تناولا ماديا، وهؤلاء يقفون الى جانب نضال الشعوب المقهورة، ولكن في الفيلم عندما تصل الاجناس المهاجرة الى اوروبا، نرى المنظمات النقابية واليسارية الاوروبية تنظر اليهم نظرة عداء ولا مبالاة. وهناك المرأة التي تعلق على ذلك فتتهم الاتحاد النقابي الفرنسي بالغباء.. لماذا؟ ان هناك علاقة بين الكادحين في العالم والكادحين في فرنسا. وانا ارى ان هذا الجانب قد أهمل في الفيلم.

* أحد الحاضرين: فيلم «ويست انديز» هو امتداد لفيلم ميد هوندو السابق «عمال عبيد» وهو محاولة ناجحة لإعادة تركيب التاريخ الخاص بالشعوب العربية والافريقية وشعوب العالم الثالث. الا انه على مستوى الشكل، هناك سقطة تستمر ـ ربما عمدا من المخرج ـ وهي التعقيد الشديد في السرد والايقاع البطيء للفيلم على حساب الموضوع نفسه، فهل يستطيع الجمهور الافريقي ان يصل الى قراءة حقيقية للفيلم. ان المثقفين وحدهم هم الذين تابعوا الفيلم وتحملوه بينما انصرف الاخرون.

* أحد الحاضرين: عندما يقوم بعض الفرنسيين بشراء العبيد، نرى مستشارا افريقيا يحمل في يده مسبحة ومصحفا ويسير خلف الاستعماريين. انا اعلم ان الرفيق هوندو ينطلق في ادانة الاستعمار والمتواطئين معه من منطلقات أيديولوجية، ولكن في هذا المشهد ادانة للإسلام، بينما كانت الحركات التحريرية ذات الطابع الاسلامي هي التي واجهت الاستعمار في افريقيا. وعندما خرج الاستعمار من البلاد اعطى السلطة لغير المسلمين بينما كانوا يمثلون أكثر من 90 بالمئة من السكان. انه خطأ تاريخي فادح لا يمكنني أن أغفره، وعلى هوندو أن يعلن تراجعه عن هذا الموقف، اما اذا لم يعط جوابا قاطعا حول هذه النقطة فإنني سوف اتهمه فعلا بالصهيونية.

* صحافي سنغالي: اعتقد أن السيد الذي تحدث الآن لا ينبغي أن يطرح الموضوع على هذا النحو. أنتم تعلمون أن العبودية منتشرة منذ احقاب في افريقيا، وحتى العرب أنفسهم كانوا يمارسون تجارة الرقيق منذ عهد طويل، ينبغي اذن ان نطرح مثل هذه القضايا بموضوعية. اعتقد انه لا ينبغي على هوندو أن يعتذر عن أي شيء. لقد مارس العرب تجارة الرقيق قبل البرتغاليين. هذه حقائق تاريخية. من الممكن ان يكون هذا جانبا سلبيا في التاريخ، ولكن لا ينبغي انكاره.

أود أن أطرح سؤالا: ما هي الفئة الاجتماعية التي يتوجه اليها هذا الفيلم؟ انه عمل ممتاز ولكنه لا يخلو من عقبات فيما يتعلق بوصوله الى الجماهير. لقد اختار المخرج اسلوبا في التعبير قد يخدم رسالته، وقيل إن تكاليف الفيلم كانت باهظة، ولكنني اعتقد ان إنفاق مبالغ طائلة على هذا النوع من الافلام واستغلال كل الامكانيات المتاحة، امر ضروري.

* أحد الحاضرين: بالرغم من اعجابي بالفيلم بوجه عام الا انني اتحفظ على اسلوب الطرح، الى جانب ان تكلفة افلام من هذا النوع مثل هذه التكاليف الباهظة، مبدأ خطير، حيث لا يمكن ان تتوفر لكل فيلم دائما مثل هذه الامكانيات والميزانيات العملاقة.

* ميد هوندو: انني في غاية الدهشة.. عندما أرى مثل هذا الانقسام بين مثقفين وأناس ينتمون الى النخبة، وهو انقسام لا أجد له مبررا. إنني شخصيا لم اتلق تعليما نخبويا، فكل ما عرفته، عرفته اعتمادا على نفسي، بما في ذلك اجادتي للغة الفرنسية. لم اتلق تكوينا فكريا بالقدر الذي يكفل لي الانتماء الى طبقة المفكرين. وعندما أفكر في ذلك فإنني اتساءل: هل يعني ذلك أن المثقفين او المفكرين وحدهم يملكون حق احتكار العلم والمعرفة؟ ينبغي اذن طرح القضايا بشكل أكثر عمقا. هناك مفكرون رجعيون وآخرون يدافعون عن قضايا الشعوب. اذن لابد أن يوجد الانقسام. وإذا ما وجدت افلام تتجه الى النخبة المثقفة واخرى لا تتجه الى النخبة المثقفة، فانه يتعين علينا ان ندرك هذه الحقيقة.

لا ينبغي أن نفصل بتعسف بين المفكرين وغير المفكرين. هذه نظرة متعالية يتعين علينا ان نرفضها.

انني لا أملك إجابة جاهزة فيما يتعلق بالمقاييس المعتمدة من جانب السينمائيين النخبويين لإنتاج أفلام في مستوى فهم كل الشعوب العربية والافريقية بالرغم من التناقضات والاختلافات العديدة فيما بينها.

ان كل موضوع يتعين معالجته معالجة فكرية، كما يتعين ان يكون لهذا الموضوع شكله الخاص. وكل قضية تستوجب شكلا خاصا قد يؤدي حتى الى تنوع الاشكال التي ينتهجها مخرج واحد.

واذا لم نبحث بدأب عن اسلوب خاص يرتبط بالموضوع، فإننا نسقط في السينما الاستعمارية. لذلك فان على السينمائيين الافارقة ـ لأسباب تاريخية خاصة بهم ـ ان يقدموا امثلة ومقترحات سينمائية للشعوب العربية.

ان الجانب التعليمي يمكن اعتباره عيبا من عيوب الطبقة المفكرة. ولكن كل الافلام السينمائية هي افلام تعليمية بطريقتها الخاصة. فالفيلم الذي يبدو عالميا ويستخدم ممثلا أمريكياً او إيطالياً، والذي يتحدث عن الحب او الكواكب.. الخ. هذا فيلم تعليمي ايضا. هناك حقا جانب هروبي، ولكن هناك في نفس الوقت الجانب التعليمي.

وعلى الرغم من انني لم أتلق تكوينا فكريا، إلا أنني أؤيد تماما هذا النوع من السينما. انني أريد أن أتلقى المزيد من المعلومات عن الشعب في الموزمبيق، وعن تاريخ تونس، انني احتاج الى تعلم اشياء عديدة في هذا المجال وكنت اود ان اذهب الى المدرسة، ولكني لم اتمكن من ذلك، وهو شأن 90 بالمئة من السكان في افريقيا.

فيما يتعلق بجزر الانتيل، كان الحدث يدور في إطار واقعي تماما.

انني قبل كل الانتقادات التي توجه الى فيلمي، أطلب حدا أدنى من التزام الجدية. فلا يمكن القول ببساطة ان هذا فيلم نخبوي او تعليمي. إن هذا يحتاج الى دراسات وأبحاث حول ردود فعل الناس وهو ليس أمرا هينا.

اننا إذا تناولنا جهاز تسجيل وأجرينا مقابلات مع السكان، فسوف نتبين ان الافريقيين لا يعرفون شيئا عن بعضهم البعض. انهم فقط يعرفون الفرنسيين. والخطأ ليس خطأهم وحدهم. فالصور التي تعطي الانطباعات عن الثقافة في جزر الانتيل، هي ما نراه على البطاقات السياحية (الكارت بوستال).. ولقد اردت انا ان اتجنب البطاقات السياحية، وقمت بإدخال الجانب التعليمي، واوضحت كيف يمكن للنفوذ الاستعماري ان يبقى قائما حتى بعد الاستقلال المزعوم.

اما فيما يتعلق بالمرأة التي تهاجم النقابة الفرنسية، فلا شك أنني اوافق على أن هناك منظمات ثورية في أوروبا تناضل الى جانب الكادحين، وقد اشرت الى ذلك في الفيلم بكل وضوح، ولكن يجب أن نعترف بأن هناك منظمات أخرى تستخدم العمال في إطار قومي فرنسي، وبعض هذه المنظمات تطلب من السلطات السياسية أن تسكن العمال المهاجرين في مناطق بدائية معزولة.. وهم يرغبون ايضا أن يرحل العمال الاجانب الافارقة من بلادهم.

هناك في الفيلم عربي مسلم يبيع اخوانه، ولكن هناك في نفس الوقت ملوكا وأناسا من غير المسلمين قد تعاطوا مهنة تجارة الرقيق. فهل يعني ذلك أن كل المسلمين ثوريون، أو إن كنا عرباً اذن فكلنا ثوريون، أو كلنا افريقيون فكلنا ثوريون؟ نحن السود المسلمين قد سمحنا للمستعمر بالدخول الى أوطاننا. إنها حقيقة لا يسعنا الا الاعتراف بها. فهل كوننا عرباً او مسلمين أو أفارقة يجعلنا جميعا ثوريين؟

كنت أود أن يسعى المسلمون جميعا بغير استثناء الى التحرر من ربقة الاستعمار، ولكن هناك واقعا لا يمكن إنكاره.

لقد طرح أيضا موضوع تكاليف تصوير الفيلم، والملايين العديدة التي انفقت عليه. لقد تكلف الفيلم خمسة ملايين فرنك فرنسي وأنا اعرف أن امكانيات توزيعه محدودة وان نجاح ورواج الافلام العربية والافريقية محدود وظروف السينما العربية والافريقية متشابهة في ذلك الى حد كبير.

انني في عملي السينمائي اعتمد كثيرا على القروض والاستدانة من أطراف عديدة، وهذا يضطرني الى استثمار أموالي التي كسبتها بعرق جبيني، وأنا استثمرها طبعا في إطار النظام السائد. هناك أفلام 16مم وسوبر 8مم، فالتكاليف تختلف باختلاف نوع الفيلم الذي نقوم بإنتاجه. هناك من يزعمون أننا عاجزون عن التأثير في الجماهير وعن تقديم أعمال فنية على مستوى ممتاز. ولكن ينبغي أن نناضل ونبذل الجهود ونوفر كل الامكانيات، لكي نثبت أننا نستطيع ان نصنع اعمالا عظيمة.

من الطبيعي أن يكون لكل عمل سينمائي أخطاؤه. ولكن ينبغي أن يجد السينمائي النقد الذي ينيره وينبغي أن نتكاتف من أجل أن يجد الفيلم العربي والافريقي الرواج الكافي في بلادنا، بدلا من الهجوم عليه وتحطيمه ومنعه من ان يشق طريقه الى الجماهير.

في بلدي لدينا جوانب ثقافية مجهولة تماما من قبل البلدان الاخرى. ان الناس في موريتانيا يجلسون في دائرة، وقيل ان هذا يربط الناس بالماضي والحاضر. هناك تراث ثقافي مشترك بيننا وبين بلد مثل تونس.

ينبغي أن نبحث في هذا التراث ونفكر جدياً، في الوسائل التي تقربنا من بعضنا البعض.

بيان ميد هوندو في مهرجان قرطاج السينمائي (اكتوبر 1980)

في دورة مهرجان قرطاج عام 1980، عندما قدم ميد هوندو فيلمه «ويست انديز» للمرة الأولى، تم توزيع بيان مجهول الهوية على الحاضرين من النقاد، يتهم هذا البيان هوندو بالتعامل مع الصهيونية ومعاداة العرب والاسلام. ويدلل البيان على ذلك بقيام هوندو بعمل الدوبلاج الصوتي لإحدى شخصيات فيلم «عملية عنتيبي». وقد عرف أن وراء هذا البيان الناقد التونسي المقيم في فرنسا (وقتذاك) خميس الخياطي. ولم ينف الخياطي هذا الأمر، بل أكده من خلال أحاديثه وهجومه على الفيلم. وليس الغرض من هذا السياق إدانة هوندو ولا الخياطي، وإنما تسجيل الواقعة للتاريخ، أي تاريخ السينما. كما ان الغرض من نشر البيان الذي أصدره هوندو في نفس المهرجان رداً على الاتهامات التي وجهت اليه، ليس تأكيد أو نفي ما قيل وإنما باعتبار البيان وثيقة مهمة من وثائق السينما العربية والافريقية وحتى تكون أحكامنا قائمة على أسس صحيحة. وهنا نص البيان:

ان الغرض مما أريد ان أذكره هنا، هو أن اعطي لنفسي الفرصة لتوضيح بعض النقاط التي شابها للأسف شيء من التشويه والتفسيرات الأيديولوجية غير الدقيقة، وأتاح بالتالي لبعض المتواجدين في قرطاج الفرصة للهجوم علي، وهو ما يؤدي في رأيي إلى النيل من الأسس التي يقوم عليها مهرجان قرطاج والنوايا الحسنة للقائمين على أمره من العرب والافارقة.

ما الذي نقصده بذلك؟

في اليوم التالي لعرض فيلمي «ويست انديز»، تم البدء في تنفيذ مؤامرة منظمة ومقصودة من اجل اتهامي بالصهيونية. وإذا ما وجدت لزاماُ علي أن أقوم بتبرئة نفسي في مهرجان يعقد في بلد اعتبره بلدي، فإنني ألخص رأيي في النقاط التالية:

1 ـ ان افلامي وتصريحاتي ومواقفي العامة والخاصة في حياتي، لا يمكن اعتبارها تمنح تأييدا، من قريب أو بعيد للإمبريالية والصهيونية. وبكل اسف، فإنني أجد نفسي مضطرا الى اعادة ذكر هذه البديهيات مرة اخرى.

2 ـ إن كل أفلامي تعالج مباشرة، وتتهم صراحة عدونا المشترك والرئيسي الامبريالية واشكالها الاخرى.

انني لكي أحصل على فرصتي في تقديم الافلام مثل السينمائيين الافريقيين الآخرين، فإنني شخصيا، اعتمدت على نفسي وعلى قوتي وحدها. ولكن، من الطبيعي ان أولئك الذين يهاجمونني ويسعون الى التقليل من قيمة افلامي يجهلون تماما ما أبذله من جهد فيها.

ان النضال من اجل التحرر الوطني للشعوب الافريقية والعربية، هو الدافع الرئيسي الذي جعلني أسعى الى امتلاك امكانيات التعبير بالصوت والصورة واستخدام الذكريات المشتركة عند شعوبنا للنضال من اجل تقوية روابط الوحدة بين الشعوب العربية والافريقية. ولكن، دون شك، فلكي تتحقق وحدة من هذا النوع، ينبغي ان نتفق على ان لدينا موضوعات مشتركة. وفي هذه الحالة، ينبغي ان يكون هناك نضال سياسي على أسس تكتيكية واستراتيجية.. مدروسة وواعية تأخذ الوقت الكافي. ولكننا، للأسف، لم نصل بعد الى هذه الدرجة، الا اننا بدأنا فقط في بذل جهود بسيطة في هذا الاتجاه. ولكن هل هذا سبب يدعونا الى التمزق أكثر فأكثر؟ ان الاستفادة من هذه الانقسامات والتشويهات موجهة مباشرة الى شخصي. وعلى سبيل المثال، فان الشجرة وحدها لا تستطيع ان تخفي الغابة.

دعونا نكون واقعيين ونلتفت الى السينما الافريقية والعربية التي ظلت دائما مترددة بين الموت والولادة.

لقد أخرجت «ويست انديز» بعد سبع سنوات من الجهود الشاقة والتضحيات. ولم يخرج الفيلم الى الشاشة الا بفضل ارادة الحكومة الموريتانية، وهيئة الاذاعة والتليفزيون الجزائرية، والعزيمة الصادقة للسنغال والكاميرون وساحل العاج، الذين اتحدوا معا من اجل تحقيق هذا الفيلم.

ان كل من شاهد هذا الفيلم يمكنه أن يقول عنه ما يشاء، فيما عدا أنه فيلم دعائي للإمبريالية والصهيونية. إن على الأيام السينمائية بقرطاج أن تسمح لنا نحن السينمائيين الافريقيين والعرب بأن نتعرف على بعضنا البعض معرفة جيدة، ومن أجل ذلك ينبغي عرض أكبر عدد من الأفلام الافريقية في العالم العربي الذي يجهل كل شيء عن الواقع والثقافات والتناقضات السياسية الداخلية في افريقيا.

ألم ندرك بعد أننا نفتقر إلى الوعي الكافي بهذه المسألة؟ كلا.

ان من نقاط الضعف عندنا، بكل أسف، اننا نكتفي دائما بالقاء الخطب. قد تكون ضرورية، ولكنها في رأيي غير كافية.

إن تأييدي الخاص والصلب لنضال الشعب الفلسطيني، معروف جيدا لدى عملاء الامبريالية، سواء وعوا ذلك ام لا. وبهذا التأييد، فإنني على وعي تام بأنني أحمي قبل كل شيء، قضيتي الخاصة، ولكن الأهم أيضا، قضايا الشعوب العربية والافريقية من خلال رؤية واقعية لوحدة النضال والاخاء.

ان اخواني ورفاقي الفلسطينيين يعرفون ذلك جيدا. إنني لا أسعى إلى الحصول على اوسمة أو نياشين، ولكنني أريد أن أستمر في إخراج الأفلام. ومن المحتمل أن أعود الى قرطاج غدا أو بعد غدٍ، أو بعد سبع سنوات، اذا ما تمكنت من توحيد القوى مرة أخرى من أجل إنجاز فيلم آخر، حول موضوع واقعي ومشترك: وليكن حول الواقع في جنوب افريقيا، أو حول الفاشية المرتبطة بالصهيونية التي تهددنا جميعا.

وإذا لم يكن لدي امكانية لتحقيق النجاح، فإنني لن أسعى الى التحالف مع الشيطان، ولكنني سأحاول أن أكون أقوى منه.

إن السينمائيين العرب والأفارقة، لأنهم، قبل كل شيء بشر.. فانهم ينبغي أن لا يُحاكموا إلا من خلال أفعالهم.

هناك مثل موريتاني يقول «إن من يختبىء وراء الأيام.. يظل عاريا».

عبيد محمد ميدون هوندو

المعروف بـ

ميد هوندو




Visited 2 times, 1 visit(s) today