هل صورة عرب السينما في هوليوود لها زاوية واحدة فقط؟
أمير العمري
كان البروفيسور جاك شاهين (وهو أمريكي من اصول لبنانية) الذي توفي في يوليو 2017 عن 81 سنة، باحثاً من طراز رفيع، وقد وهب حياته للدفاع عن قضايا العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، واشتغل خلال السنوات الأخيرة في حياته على موضوع صورة العربي في الإعلام الأمريكي، كما أصدر كتاباً ضخماً بعنوان “عرب السينما السيئون: كيف شوهت هوليوود العرب”.
تضمن هذا الكتاب 900 فيلم سينمائي وتليفزيوني، من السينما الصامتة إلى تاريخ الانتهاء من صدور الكتاب في 2001 قبيل أحداث 11 سبتمبر التي نال العرب على إثرها، ما نالهم من تشويه وافتراءات.
يبدأ شاهين كتابه بمقدمة تصل إلى نحو 36 صفحة يبدأها باقتباس من رسام الكاريكاتير سيدني هاريس الذي يرى أن الصورة الكاريكاتورية للعربي عموماً هي صورة أسطورية مثل الصورة القديمة لليهودي، فهو يرتدي الجلباب والعمامة، شرير وخطير، منغمس أساساً في اختطاف الطائرات وتفجير المنشآت العامة. ويقول إنه يبدو أن الجنس البشري لا يستطيع التفرقة بين أقلية ضئيلة من الأشخاص الذين قد يكونون مخالفين، وبين الأصل العرقي الذي ينحدرون منه. فإذا كان لدى الإيطاليين المافيا، فكل الإيطاليين يصبحون مشتبه فيهم، وإذا كان من بين اليهود رجال يعملون في البورصة، يصبح كل اليهود جزءًا من مؤامرة عالمية، وإذا وُجد بين العرب بعض المتطرفين، يصبح كل العرب إرهابيين.
لم يكن جاك شاهين متخصصاً في تحليل الأفلام فنياً، ولم يكن بوسعه أن يحيط بظروف إنتاجها، أو بالخلفية الفكرية لمنتجيها ومخرجيها، ولم يشغل نفسه كثيراً بهذه الجوانب. ورغم صحة الكثير مما جاء في مقدمته، إلا أن صورة العربي في السينما الأمريكية ليست مسؤولية هوليوود فقط، بل مسؤولية كثير من العرب أيضاً، بسلوكياتهم وإصرارهم على البقاء خارج العصر ورفضهم العنيد للحداثة. ويكفي أن نتأمل الصورة التي تصدر عن وسائل الإعلام العربية وكثير من المؤسسات السياسية والدينية والرقابية.. الخ
كلفني الدكتور جابر عصفور عام 2002 بترجمة كتاب جاك شاهين، وكان مقرراً أن يصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، وبعد أن قطعت شوطاً في الترجمة لم أستطع أن أواصل. كنت أعرف الكثير عن أفلام عديدة تناولها شاهين في كتابه واعتبرها أفلاماً سلبية مسيئة للعرب، في حين أنني كنت أرى أنها فقط تقدم موضوعاتها في إطار فكاهي مرح، وعادة ما تميل أفلام الفكاهة الكوميدية إلى المبالغات. وهذا ما يحدث عندما تتناول العرب أو غيرهم من الأجناس والشعوب الأخرى. ولا تخلو أفلام هوليوود من السخرية الفكاهية من الإيطالي والأيرلندي والألماني والمكسيكي والتركي، وهم من العناصر العرقية الأساسية في التركيبة السكانية للولايات المتحدة.
وليس صحيحاً ما يقوله سيدني هاريس من أن تصوير السينما الأمريكية للإيطالي كـ “مافيوزي” وهو ما نراه كثيراً على الشاشة- يشوه الإيطاليين جميعاً في أنظار الجمهور. فالجمهور لم يعد على هذا النحو من السذاجة، وقد أصبح يعرف الفرق بين التمثيل والواقع، وبين الشخصية المجسدة على الشاشة ومن يقابلهم ويتعامل معهم يومياً ويمكنه الحكم عليهم من خلال تصرفاتهم وسلوكياتهم وطريقتهم في العيش واحترامهم للقانون من عدمه.
وقد وجدت أن كثيراً من الأفلام “الفنية” الجيدة خاصة ما ظهر في فترة البراءة الأولى في عصر السينما الصامتة، لم تكن تقصد إهانة العرب أو غير العرب، لكني دهشت عندما وجدت الكثير منها في قائمة كتاب جاك شاهين الذي لم يترك شاردة أو واردة إلا وتوقف أمامها لكي يتخذها دليلاً على المقصد العنصري لصناع الفيلم. فقد أصبح كل فيلم تظهر فيه امرأة ترتدي “الحجاب”، أو البرقع، أو “اليشمك” التركي الذي يخفي الوجه، دليلا على الإساءة للمرأة العربية، وكل فيلم يصور العربي يأكل بيديه، يصبح فيلما عنصريا في حين أن العرب كانوا فعلا يأكلون بأيديهم وكثيرون منهم لايزالون، وكل فيلم فيه رجل عربي متزوج من عدة نساء، هو فيلم مسيء لصورة العربي في حين أن تعدد الزوجات من حقائق الواقع في البلاد العربية الإسلامية، لذلك اعتبرت أن كتاب جاك شاهين المكتوب بلغة عامية أمريكية وليست لغة النقد الرصين، لكونه موجها لجمهور السينما كدليل للأفلام يرمي الى تصحيح الصورة من وجهة نظر مؤلفه، هو كتاب “قصدي” يتصيد أي شاردة أو واردة لإدانة ما يسميه بعرب هوليوود الأشرار، بينما تجاهل في الوقت نفسه الكثير من الشخصيات العربية الجيدة التي ظهرت في كثير من أفلام هوليوود وغير هوليوود.
وشخصيا، فأنا من الذين يرون أن شخصية الأمير فيصل، أمير مكة، في فيلم “لورانس العرب” مثلا، هي صورة إيجابية كثيرا، فهو يظهر كرجل شهم كريم، مثقف، يتمسك بالكرامة، ويسعى لتحرير شعبه من الاستعمار التركي كما أن تحالفه مع الانجليز كان مشروطا، والفيلم يصور كيف خدعه الانجليز واستغلوه، أي أن الانجليز هم الأشرار في الفيلم، بل وحتى شخصية لورانس رغم صورتها الأسطورية في الفيلم، فيها الكثير من الملامح الوحشية، لرجل يلغ في الدماء ويستعذب القتل، ويتحول الى حيوان سادي خلال المعارك التي نشبت أثناء الزحف على دمشق. ولكن هذا الفيلم من أكثر الأفلام التي نال منها الكثيرون وصبغوها بالعنصرية، بل إن هناك من يتهمون الفيلم بإسباغ البطولة” على لورانس لكونه قد عجل بزوال الخلافة الإسلامية العثمانية.. ولو كان الأمر كذلك فأنا شخصيا أرى أننا يجب أن نعتبره من أعظم الإنجازات، فما الذي جنته بلادنا من الخلافة المزعومة التي عطلت (مثلا) دخول المطبعة والطباعة لمدة 400 سنة، بدعوى أنها رجز من عمل الشيطان!
كل الالتباسات الموجودة في كتاب جاك شاهين، دفعتني للاعتذار عن عدم استكمال ترجمة الكتاب، بعد أن كنت قد انتهبت من ترجمة مقدمته التي تقع في أكثر من 16 ألف كلمة، ولم أنشرها حتى الآن، إضافة إلى بعض فصوله التي لم أراها جديرة بالترجمة لنظرتها السطحية الانطباعية القاصرة!