هارفي كايتل يتحدث عن تعاونه مع سكورسيزي وتارانتينو وفيريرا
حوار: ديفيد طومسون
ترجمة: رشا كمال
في يناير عام 1993، تحدثت مع هارفي كايتل حول تعاونه مع المخرجين الجدد (من بينهم سكورسيزي، تارانتينو، وريدلي سكوت)، وعن حبه للمسرح، وجنون أسلوب في التمثيل المنهجي. وكان هذا الحوتار:
يبدو أن اللقطة التي حققت شهرة للممثل هارفي كايتل وهو يضع اصبعه فوق شعلة النار في الفيلم المحموم “الشوارع الخلفية” -Mean streets، للمخرج مارتن سكورسيزي، كان بمثابة نعمة ونقمة في ذات الوقت.
لم يكن الأمر سهلاً أمام النجم الصاعد، منذ أن وضع في منافسة أمام القدرات الخطيرة لروبرت دي نيرو الذي قدم دوراً أكثر تقلباً لشخصية جوني بوي.
أداء كايتل كان مفصلاً، وحماسياً، كأي أداء آخر في الفيلم، بمظهره المتأنق الجذاب الذي يدعو للإحترام وسط أعضاء المافيا الإيطاليين الصغار، وهو يصارع بيأس داخلي لكسب محبة رفقاه في الشارع.
وإذا كان المزاح بين تشارلي وجوني في الغرف الخلفية حول ديون القمار هو محور الفيلم كما وصفه سكورسيزي، فقد قدم كايتل إذن واحدا من أعقد أدوار الرجال المستقيمين في تاريخ الكوميديا.
ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا الدور مقياسا لنجاح كايتل، الذي نادراً ما فشل في العيش كشخصية حقيقية على الشاشة. واستطاع أن يصبح دليلا حيا على أسلوب التمثيل المنهجي، فهو ممثل يدخل بين ثنايا ملابس شخصيته، وسلوكها، وبيئتها، دون أي مبالغات تمثيلية. واندماجه مع شخصياته المختارة لم يضعه ضمن فئات الممثل- النجم (مثل الطريقة التي ظل عليها دائما الممثل كاري جرانت)، ولا مثل الحرباء يتموه بداخل الإطار. كما لا يمتلك ايضاً المقومات الجسدية الواضحة لصورة النجم، فهو شخص متوسط القامة ذو جسد متناسق، يعلوه وجه متوحش يستطيع التحول من العدوانية الشرسة للدفء الشديد في لمح البصر.
وربما لهذا لم يعد غريباً أن تسند إليه أدوار على كلا الجانبين من القانون، دور الشرطي الجيد في فيلم “ثيلما ولويز”-Thelma & Louise، والشرطي الفاسد في فيلم “المُلازم السيئ”-Bad Lieutenant، والمجرم الذكي في فيلم “باجسي”-Bugsy، وعضو العصابة في فيلم “كلاب المستودع”-Reservoir Dogs. ومن الواضح أنه يجيد إظهار الجانب الإنساني لحثالة الشوارع، والجانب البغيض في الشخص العادي. وإذا كان هذا التنوع الهائل ينبع من جدية مخيفة في حرفته، فليكن ذلك. ليس كل مخرج يستمتع بسعي كايتل العنيد وراء الدوافع والخلفية التاريخية للشخصيات. ولكن عندما تلعب الجاذبية دورها – كما هو الحال مع سكورسيزي قبل غيره – فإن ثمار هذا التعاون تتألق على الشاشة.
وكايتل مستعد دائماً للمجازفة فيما يتعلق بموضوعات أفلامه – مثل الدور الرومانسي الجامح لعازف البيانو وجامع الديون في فيلم “أصابع”-Fingers، للمخرج جيمس توباك (حان وقت إعادة إحياء هذا الفيلم بكل تأكيد) وكذلك بالنسبة لاختيار من يتعاون معهم. قائمة المخرجين الجدد مبهرة حقاً منهم بول شريدر، آلن رودولف، ريدلي سكوت، وأخرهم كوينتين تارانتينو، في فيلم “كلاب المستودع”. بالإضافة إلى اختياره الانتقال بين الأفلام التجارية في هوليوود، وعدد من الإنتاجات الأوروبية خصوصا في ايطاليا.
كما قدم ايضاً الدعم للعديد من المخرجين المؤلفين المستقلين مثل آبيل فيريرا في فيلمه “المُلازم السيء”-Bad lieutenant، والمخرجة جين كامبيون في فيلم “البيانو”-The Piano.
ولد هارفي كايتل في بلدة بروكلين عام 1947، لوالدين كانا يديران أحد أكشاك الأطعمة الخفيفة على شاطئ برايتون. وبعد قضائه ثلاث سنوات في مشاة البحرية، التحق بجامعة نيويورك، واستديو الممثل، وتتلمذ على يد ستيلا أدلر، فرانك كورسارو، ولي ستراسبورغ. وبعد تقديم أول أدواره على خشبة مسرح سمر ستوك في مسرحية الحلم الأمريكي للكاتب إدوارد ألبي، أتبع ذلك بعدة مسرحيات طليعية خارج برودواي، ثم استجاب لأحد الإعلانات لينال الدور الرئيسي في أول أفلام المخرج مارتن سكورسيزي، “من ذا الذي يطرق على بابى؟”- ?Who’s That Knocking at my door
ثم ظهر على مسارح برودواي في عام 1975 لأداء شخصية هابي لومان أمام جورج سكوت في إنتاج سكوت لمسرحية “موت بائع متجول”، وفي منتصف الثمانينات مثّل إلى جانب الممثل ويليام هارت في مسرحية “هيرلي بيرلي” للكاتب المسرحي ديفيد أيب ومن إخراج مايك نيكولز. ولكن تراجع المسرح أمام عمله المكثف في السينما. فقد أنجز ما يقرب من خمسين دوراً في السينما والافلام التلفزيونية.
عندما قابلت كايتل في نوفمبر، كان في لندن من أجل فيلم “الأمريكان الصغار”- The young Americans، وفيه يقوم بدور محقق أمريكي من وحدة مكافحة المخدرات في إحدى المهام الخاصة، وكالعادة يعد الفيلم أولى التجارب الإخراجية للمخرج داني كانون، والنص السينمائي الذي كتبه كان كافيا لجذب انتباه كايتل. كما ينوي أن يلتقي مرة اخرى في فيلمه التالي مع المخرج عاموس بو في فيلم “عين الثعبان”Snake Eyes، ليشارك البطولة مع المطربة مادونا.
يجري كايتل عدداً قليلاً من المقابلات، رغم شعوره الواضح بالالتزام نحو ترويج الموهبة الجامحة لتارانتينو، بالإضافة إلى الرؤية القاتمة لفيلم المُلازم المسيء. وقد يكون هذا الفيلم مثالا مُعقدا لما يمكن أن تطلق عليه مجلة فارايتي فيلما صاخبا، ولكن لا يمكن إنكار الحضور الطاغي لكايتل فيه. فهناك عدد قليل جدا من الممثلين ممن لديهم الجرأة على تقديم مثل هذا الدور الذي يعري انتقاص الذات. لكن قلة منهم لا يعرفون الخوف مثل كايتل.
ديفيد طومسون: ما الذي ألهمك لتصبح ممثلاً؟
هارفي كايتل: كنت في عمر المراهقة عندما بدأ كل من جيمس دين، ومارلون براندو عملهم في السينما. وبما أن النضوج أمر شاق وله مشاكله، فإننا نبحث عن ابطال لإرشادنا خلال تلك الغابة المظلمة. العمل الذي قام به هؤلاء الأشخاص، وآخرون غيرهم، مثل كازان وكازافيتيس، كان يمثل صراعاً للتأقلم مع مشقة الوجود، وهذا كان حافزاً منحني الأمل، وكذلك لأصدقائي.
- ما أهمية السنوات الثلاث التي قضيتها في مشاة البحرية؟
- انا واثنان من رفقائي، كنا شبابا في رحلة بحث عن هويتنا، نبحث عن ابطالنا، محاولين أن نصبح أبطال أنفسنا. يوجد سطر رائع من رواية ديفيد كوبرفيلد لتشارلز ديكنز، يقول: “سواء أصبحت بطل حياتي الخاصة، أم إذا ما كانت هذه المكانة سيتحكم فيها شخص آخر. فإن هذا ما ستظهره هذه الصفحات”.
تعرفت على الأساطير لأول مرة أثناء خدمتي في البحرية. وأول التعليمات التي تلقيتها في أحد صفوف المعارك الليلية – حيث تجمع المئات معاً في معسكر تدريب في جزيرة باريس، قال لنا القائد: “أنتم خائفون من الظلام، لأنكم تخافون مما لا تعلمون. سأعلمكم كيف تعرفون الظلام”، مقولة عميقة.
- كيف انعكست تلك التجربة على عملك في استديو الممثل؟
- التمثيل هو وسيلة لاختراق المشاعر، وحتى لا تهاب شيئاً عليك أن تمر من خلال الخوف.
- الأمر إذن ليس مجرد خوف من الوقوف أمام الناس؟
- نعم، أتحدث عن الخوف الوجودي، أن تستيقظ في الصباح وتقول ماذا أفعل الأن؟
- كيف أثر هذا على الأدوار العديدة التي لعبتها؟
- كانت المعلمة العظيمة ستيلا أدلر ترى أن عملية تحليل النص السينمائي تعتبر بمثابة تعليم للممثل. لذا أحاول المشاركة في الأعمال التي ستعمق معرفتي فقط. وقد أسعدني الحظ كثيراً في هذا الشأن، شاركت من وقت لآخر في عدد قليل من الأفلام التجارية لكسب بعض المال، وفي الغالب اشتغلت مع أشخاص متعمقين.
- فيلمك الأول، “من ذا الذي يطرق على بابى؟”- Who’s Knocking at my door، استغرق وقتا طويلا لإنتاجه، وتطور من مجرد فيلم طلابي للتخرج إلى مشروع فيلم طويل.
- استغرق أكثر من خمس سنوات فقط.
- مما يجعله بداية غريبة؟
- لم أكن أعرف أي طريق آخر، كنت أعمل خارج مسارح برودواي، على مسرح لاماما التجريبي. لو كنت اعلم شيئا مختلفاً، كنت اعترضت. اعتقد ان هذا كان من تدابير القدر، أن أجتمع بمارتي في بداية مشوارنا الفني. اتذكر جيداً عندما جلسنا معاً لمشاهدة أحد المشاهد المحذوفة، كان بداخل كنيسة، عندما بدأت الأغنية على العناوين، كنت واعٍ بأنني في خضم تجربة استثنائية. تأثرت بشدة وانتابتني مشاعر مختلطة، وشعرت أنني في المكان المناسب.
- في هذا الفيلم، وكذلك فيلم “الشوارع الخلفية”، هل شكل تقديم دور الأمريكي من أصول إيطالية أي مشكلة، بالنظر إلى خلفيتك الشخصية؟
- نشأت في بروكلين، وذهبت الى المدرسة في كوني آيلاند، كان لدي العديد من الأصدقاء: اليهود، والكاثوليك، والأيرلنديين، كان مزيجا حقيقيا. لم يكن مهما إذا كنت يهوديا، ومارتي كاثوليكياً، فمكان نشأتنا كان خارج نطاق الديانات المحلية.
- أدرك أن سكورسيزي اضطر ليحارب من اجل ان تلعب دور راعي البقر المتعصب في فيلم “اليس لم تعد تعيش هنا بعد الآن”- Alice doesn’t live here anymore.
- كان يفترض أن اتقاضى عن هذا الدور عشرة آلاف دولار، كنت متحمسا جداً. لكن شركة الإنتاج لم تريدني، لذا قالوا لـ مارتي إذا كان يرغب ان أقوم بالدور فيجب أن أحصل على ثلاثة آلاف دولار فقط. كان هذا أول عمل لي بعد فيلم “الشوارع الخلفية”، ولم يوظفني أي شخص آخر. مثلت في عدد من المسلسلات- كنت ضيفا في الموسم الأول من مسلسل “كوجاك” -Kojak، ثم شاركت في إحدى حلقات “إف. بي. أي”- FBI – وكانوا يرغبون في أن أقدم المزيد من الأدوار في هوليوود. ولكن عدت إلى نيويورك، الي ستديو الممثل لأني لم أكن راضياً. وبعدها بحوالي عام تقريباً عرض علي مارتي فيلم أليس.
- هل أنت نادم على عدم قيامك بمزيد من الأعمال المسرحية؟
لم أقدم أي عمل مسرحي منذ خمس سنوات الان، ولكني أتطلع لذلك. فمن الصعب الحفاظ على استمرارية عملك السينمائي إذا لم تكن واحدا من هؤلاء النجوم الذين يدرون ارباحاً، في هذه الحالة لن يكن لك أي رأيي فيما يخص عملك. ارغب في القيام بالمزيد من الأعمال المسرحية، ومع ذلك لا أحب تقديم ثمانية عروض في الأسبوع الواحد – اعتقد ان هذه الآلية قام بها أصحاب المسارح لكسب المزيد من الأرباح. يوم العطلة الواحد فقط هو من أجل الراحة، ولولا النقابات، لربما كان عليك تقديم تسعة أو عشرة عروض خلال الأسبوع.
- اعتقد إنك لعبت دوراً كبيراً في تطوير دور القواد في فيلم “سائق التاكسي”- Taxi driver.
- مارتي أعطاني النص، وقال لي “أي دور تحب القيام به؟”، قرأت النص، وقلت أود أن ألعب دور القواد. كان يظن أنني سأرغب في لعب دور موظف الحملة الانتخابية – دور القواد كان لديه خمس جمل حوارية فقط – لكن كنت أعيش في منطقة حيث يعمل القوادين، لذا كانوا في تفكيري طوال الوقت. والدور الموصوف على الورق هو لرجل إيطالي يقف أمام أحد المداخل، فبدأت من تلك النقطة.
قمت بتكوين الشخصية مع شخص علمني أشياء عن حياة القوادين – عملنا سوياً لعدة أسابيع على بعض الارتجالات، ثم قدمته لمارتي. فأراد تقديم مشهد آخر، لذا جاءتني فكرة الرقصة مع جودي على ألحان أغنية قمت بتأليفها. هذه الرقصة أظهرت مدى صدق اهتمامه بأمرها، وإنه سيفعل أي شيء من أجلها، كانت علاقة غير عادية لا أفهمها حتى اليوم.
- فيلم “أصابع”-Fingers، للمخرج جيمس توباك، كان أول بطولة رئيسية لك. ما مقدار مساهمتك في هذه الشخصية؟
- كان النص مكتوبا بالكامل، وبالكاد ارتجلت اي شي. إن جيمي صديقي، وعملنا سويا عن قرب لفهم الشخصية، وخصوصا علاقته بأمه وأبيه. لم أستطع العزف على البيانو، لذا درست كثيرا، وتدربت أكثر، وشاهدت شرائط للعازف جلين جولد، كان ظاهرة حقاً.
من الصعب أن أتحدث عن مرحلة التحضير، لأنها تتضمن أمورا تتعلق بحرفة الممثل. وهذا ما أقصده من تحليل النص، والارتجال، والعمل الشعوري. وهي من ضمن الأدوات التي نستخدمها في الأسلوب المنهجي للتمثيل. إذا كانت مفيدة لك استخدمها، إذا لم تكن كذلك، فلا تفعل.
- البطل في فيلم “أصابع” هو شخص رومانسي لدرجة استثنائية، أليس كذلك؟
- إذا علّقت على هذا، سأضع بذلك تعريفاً للشخصية، وأعتقد أن مشاهدة الفيلم ستكون أفضل لمعرفة ذلك. ولكن بالتأكيد إن أفضل الشخصيات هم أصحاب العواطف الجياشة، الق نظرة على شكسبير أو ابسن.
- صرحت علانية عدة مرات عن استعدادك، وحرصك على التعاون مع المخرجين الجدد.
- كان مدير أعمالي في وقت ما يعمل أيضاً لحساب ريدلي سكوت. وتوسل إلي حتى أُشاهد شرائط إعلاناته التجارية لأنه أراد أن أمثل في فيلمه “المتبارزون”- The duellists. قلت “أنا لست مهتما بالعمل مع مخرج إعلانات تجارية”، ولكنه أزعجني كثيراً، فألقيت عليها نظرة، وحينها أدركت أن كل واحد منها كان بمثابة فيلم قصير جيد الصنع. وتعلمت من وقتها ألا أُصدر أحكاماً سريعة على الناس، لذا لم أقع في هذا الخطأ مرة ثانية.
- كيف أختلف العمل مع ريدلي سكوت عن المخرجين الأمريكيين؟
- ريدلي كان شخص متفتح دائماً، يمتلك حسا فكاهيا عاليا. اتذكر عندما كنا نصور أحد المشاهد داخل قاعة الحرب عقب هزيمة نابليون، وكنت أؤدي دور لواء، واقوم بوضع إحدى الخطط الإستراتيجية مع عقيد من جيشه. إدوارد فوكس قام بالدور، وأثناء التدريبات جلس فوق مكتبي. تحدثت مع ريدلي على جنب وقلت له: “لا ينبغي أن يجلس فوق مكتبي لإنه عقيد وانا لواء”. ذهب وتحدث مع إدوارد على انفراد ثم عاد وقال لي: “حسنا يا هارفي في تلك الفترة كانوا يفعلون ذلك”، قلت: “وكيف عرفت هذا، هل كنت تعيش وقتها؟، أنا خدمت بالجيش، وأقول لك أن هذا لا يحدث”، قال ريدلي: “أرى أن تقوم بالمشهد كما هو، ادوارد يريد ذلك” لذا قلت له: “حسنا هيا بنا”، بدأنا التصوير، ودخل إدوارد وقال: “سيدي”، التفت إليه، جلس فوق مكتبي، قلت له: “ارفع مؤخرتك عن مكتبي”، وادوارد كما هو ممثل رائع، وقف منتصباً.
- شاركت في أفلام كثيرة خارج هوليوود في فترة الثمانينيات، ما السبب؟
- ببساطة لأنني في أغلب الأحوال لم أستطع الحصول على عمل في هوليوود. ولكن اتضح أنه كان خيراً، لأنني عملت مع عدد من المخرجين الرائعين مثل المخرج بيرتران تافرنيىه، وهو رجل يتأقلم مع كل التغيرات، وأقدر جيداً المكانة التي يحتلها، فهو شخص عميق، وواعٍ بصراعاته الخاصة.
- فيلم “مراقبة الموت”- Death watch، كان ناطقا باللغة الإنجليزية، لكن ماذا عن فيلم مثل ” تلك الليلة في فارين”- That night in Varennes، جميع العاملين في الفيلم كانوا من جنسيات مختلفة؟
- مارشيللو ماستروياني يتحدث الإنجليزية، أما الممثل جان لويس باراولت فكان يتحدث الفرنسية فقط، ولكن أهمية، وثقل المشروع، والعاملين فيه تغلبت على أي صعاب تقنية. ذهبت إلى روما لمقابلة المخرج إيتوري سكولا، وسألني إذا كنت بحاجة إلى مترجم لأنه لم يكن يتحدث الانجليزية إطلاقاً وقتها، قلت له، لا، لا أريد مترجما، لذلك تعثرنا خلال ثلاث أمسيات بدون أن نفهم بعضنا، ولكن على مستوى آخر كنا نفهم بعضنا، وخصوصاً وإنه استعان بي للعب دور توماس باين.
- رغم قولك بأنك لست ممثلاً تدر أرباحاً، فقد استخدمت اسمك للحصول على مساعدات لتنفيذ الافلام؟
- نعم، هذا يحدث في الوقت الحالي، ولكن أنظر إلى حجم الميزانيات! أنا لا أشتكي، أنا فخور جدا بأفلام مثل “كلاب المستودع”، و”الملازم السيء”، ولكن ميزانيات هذه الأفلام تخطت المليون دولار، مما يجعلك ترى كيف تبدو قيمتي الحقيقية في عيون هوليوود.
- كيف أصبحت منتجاً لفيلم “كلاب المستودع”؟
- انبهرت كثيراً عندما قرأت السيناريو، اتصلت بالمنتج لورانس بيندر، وقلت له أود أن أقوم به. أراد كوينتين أن ألعب دور مستر وايت، وبعد ثلاثة أشهر اقتنعت بهذا الدور، قمت بتمويل رحلتهم إلى نيويورك، لم يكن مبلغاً كبيراً، لأنني أردتهم أن يستفيدوا من مقابلة الممثلين في نيويورك، وشعروا بالامتنان بعد تجربة الاداء، وبأنني استحق أن يُذكر أسمي كمنتج مشارك.
- عند مشاهدة أداؤك في فيلم “كلاب المستودع”، أعجبتني كثيراً حركة القداحة التي كنت تقوم بها، فرقعة أصابعك بتلك الطريقة المهووسة…
- ابن تيم روث يقلدني بهذه الحركة جيداً.
- أتساءل عن مدى أهمية تلك الإيماءة في تشكيل شخصيتك، وكيف توصلت إليها؟
- القداحة لم تكن تعمل، هذه أشياء واردة الحدوث، والممثلون المحترفون يفهمون ذلك، ويتوقعون حدوثه، لأنه عندما تخلق كياناً حياً، لا يمكنك التنبؤ بتصرفاته، لذا توجد دائما مفاجآت. ومرة أخرى، كل ممثل لديه أسلوبه الخاص، ربما يكون شيئا بدنياً، قد تكون مجرد رائحة في إحدى المرات، وقد يكون إطلاق ريح في مرة أخرى.
- هل العلاقة التي تطورت بين شخصية السيد وايت، وشخصية السيد أورانج التي لعبها تيم روث موجودة في النص الأصلي؟
- ما رأيته في الفيلم كان موجودا في النص، ولم نضف أي شيء. أدركت أن كوينتين كان يكتب مواضيع اسطورية، وعالمية عن الخيانة والخلاص. السيد وايت كان يريد أن يصبح بطلاً لهذا الرجل، والسيد اورانج الذي يمثل القانون كان عليه أن يلتمس الخلاص لتنفيذ ما يطلبه من القانون.
- يبدو أنك تلعب أدوار على كلا الجانبين من القانون، في أدوار الشرطي، اعتقد أنك قمت بأبحاث كثيرة عن عملهم.
- عملت بالقرب من لاري مولان في فيلم “أفكار مميتة”- Mortal Thoughts، وفي فيلم “الملازم السيء” كنت اخرج برفقة دنيس سوليفان واصدقائه المحققين، أنا أكن احتراماً كبيرا لرجال الشرطة، وعندما تتواجد برفقتهم في إحدى جوالاتهم، سيزيد إعجابك، واحترامك لعملهم، ولشجاعتهم، وحتى تعايش ما عليهم معايشته مثل “القتلى”، لن تستطيع معرفة حقيقة ما يكابدوه.
- هل كانوا على علم بأن الفيلم عن شرطي غارق في الفساد، ومدمن للمخدرات؟
- لا، بخصوص هذا قلت لهم حكاية الفيلم، ولكن لم يكن بإمكانهم أن يعرفوا القصة كاملةً حتى يشاهدوه. ولكنه ليس فيلماً عن قسم الشرطة، أو حتى عن شرطي بمفرده. فهو بالنسبة لي عن رجل، أب، فقد روحه وهو واعٍ بذلك، ويحاول القيام بشيء جيد.
ما أؤمن به هو أن كل واحد منا يقع على عاتقه أن يكتب كتابه المقدس بيديه، ولا يعتمد فقط على تجارب أسلافنا الأولين. وارى أن هذا صحيح أيضاً فيما يخص فيلم ” الإغواء الأخير للمسيح”- The Last Temptation of the Christ، ولو لم نقاوم صراعاتنا الداخلية، سنترك حينها هذا الإرث لأبنائنا ليتحملوه من بعدنا. كنت أعرف أن المخرج أبيل فيريرا والدا لطفلين هندييين بالتبني، وأنا ايضاً أب لطفلين، لذا أشعر بالمسؤولية تجاه إظهار مدى صعوبة القيام بالأمر الصائب، والخروج من الجحيم.
- حتى لو كان هذا يعني أن تظهر نفسك بدون أي ندم في دور شخص حطمته المخدرات، وربما ينفر منه الجمهور؟
- أشعر بالفخر عندما يخبرني أحدهم أن هذا من أفضل الأفلام المناهضة للمخدرات التي شاهدها لعدم وجود أي رسالة وعظية به.
أنا استجبت لنداء عقلي، وقدمت الحكاية مع كل من أبيل، وزوي لاند، واتمنى ان يحقق بعض النجاح.
قدمنا هذا الفيلم بهذا الشكل رغم علمنا بأنه سينال تصنيفا لمن هم أكبر من سبعة عشر عاماً، وبهذا لن يحقق أي عائد مادي يذكر، ولكن أنا أؤمن بأنه فيلم ديني، لأن الجحيم موجود الآن، وتوجد ايضاً الفرصة لمعرفة النعيم.
*أعيد نشر الموضوع في “سايت آند ساوند” 13 مايو 2022