نزهة حسين فهمي في مهرجان القاهرة في ربيع العمر!
عن جريدة “القدس العربي”- لندن 20 مارس 2022
لم تكن فترة تولي حسين فهمي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي موفقة وهو في الستينيات من عمرة قبل 20 عاماً، حتى يتم استدعاؤه مرة أخرى لتكرار التجربة، وقد بلغ سنة الحادية والثمانين، فما شكا منه الفنان الكبير، وقدم على إثره استقالته، لا يزال قائماً، حيث لم تتوافر سُبل الكفاية المالية للمهرجان العريق، رغم ما يُقال عن مراحل التطوير والتحديث والضمانات الخاصة ببقائه، كحدث ثقافي إبداعي مهم، فأسباب الاستقالة لم تنتفِ بعد، ولم يستطع الرئيس السابق محمد حفظي بعلاقاته وقدراته الاقتصادية التغلب عليها، ومن ثم فالحاجة للبديل الأقوى هي الضرورة القصوى لحل المُشكلة، وليست الوجاهة الاجتماعية التي يتحدث عنها البعض بحماس وسذاجة.
وللدخول أكثر في تفاصيل مشكلة التمويل سنستدعي ما ذكره حسين فهمي نفسه، إبان تقديمه الاستقالة، واعتبره مُبرراً لتنحيه في مرحلة توليه الأولى للمهرجان السينمائي الأقدم في المنطقة العربية، فقد أكد في حينه أنه واجه خلال فترة رئاسته القصيرة العديد من العراقيل والمعوقات، وأشار إلى جُل المشكلة وهي، عدم وجود مصادر قوية للتمويل تلبي طموحه في تحقيق طفرة مهمة، وتضمن استمرار واستقرار المهرجان بشكل مُرضٍ وفاعل ليتسنى له تحقيق المنافسة المطلوبة أمام المهرجانات العربية والدولية.
ولم يكن هناك في تلك الفترة سوى عدد قليل من المهرجانات الصاعدة في المنطقة، الأمر الذي يثير تساؤلاً حتمياً وهو، إذا كان الفنان لم يستطع خلال الفترة الماضية التعامل مع الأزمة بمعطياتها البسيطة آن ذاك، فكيف له أن يتعامل مع الأزمة الراهنة، وقد زادت حدتها وخطورتها، في ظل الالتباسات الكثيرة المحيطة بالمهرجان، التي أدت إلى إعفاء حفظي من منصبه، وهو المنتج والسيناريست وصاحب العلاقات الدولية المتميزة، على حد قول من كانوا مُتحمسين له في بداية توليه المسؤولية الثقافية، قبل أن ينقلبوا علية بمجرد صدور قرار الإقالة أو تقدمه بالاستقالة.
أعتقد أن المسألة لها أبعاد أخرى مُختلفة عن حجة الأزمة المالية المُعلنة، لها صلة بسياسة حفظي في الإدارة وتصرفه بشكل فردي مُطلق في ما يتصل بعملية الدمج الثقافي بين الإبداعات السينمائية العالمية والدولية، دون تمييز، فضلاً عن تشجيعه لأنماط سينمائية انقسم حيالها الجمهور والمثقفون إلى فريقين، وتسببت في أزمة مُجتمعية، وخلقت صراعاً فكرياً كانت الحركة الثقافية والنقدية في غنى عنه. ولكي يكون الكلام واضحاً وغير مُرسل، فإن إصرار رئيس المهرجان السابق على دعم شركة نتفليكس الأمريكية، ودخولها كشريك أصيل في اختيار الأفلام، وتحديد البرامج الخاصة بالفعاليات، وفرضها للدراما التلفزيونية كمحتوى غير متجانس، وتضمينها داخل جدول العروض السينمائية، كان سبباً رئيسياً في الاستغناء عنه، بالإضافة إلى حماسه الشديد لعرض الأفلام المُختلف عليها، ومن بينها فيلم «أصحاب ولا أعز» الذي أثار ضجة واسعة الصدى، وأدى إلى ما يشبه الصدمة لدى جمهور السينما العادي من عوام الناس البسطاء.
وبعيداً عن قرار إقصاء محمد حفظي من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، فالمشكلة لن يتم احتواؤها أو حلها بتغيير الوجوه والشخصيات القيادية، طالما أن السياسات الثقافية ذاتها مُستمرة على النهج نفسه، حيث العيب يكمن في التطبيق وليس النظرية، غير أن فرصة التغيير كان من الممكن أن تكون أكثر ملاءمة وفاعلية لو تم التدقيق ملياً في العناصر المؤهلة للخروج بالمهرجان إلى بر الأمان، والنظر إلى جوهر المشكلة بموضوعية، بعيداً عن المجاملات ومراعاة خواطر النجوم، والرغبة في شغل أوقات فراغهم، بإسناد مسؤوليات جسيمة لهم، بدعوى أنهم أصحاب خبرة ويتمتعون بقدر من اللياقة واللباقة، ويمتلكون القدرة على التحدث بأكثر من لغة، وهذه كلها مؤهلات لا يمكن نكرانها، لكنها ليست وحدها المطلوبة في الفترة الحالية لإنقاذ المهرجان من عثرته.
ولو أن المقياس هو الوجاهة واللغة فقط، فهناك نجوم كبار أيضاً يمتلكون المقومات نفسها، فخالد النبوي ومحمود حميدة، على سبيل المثال، لديهما خبرة كافية، هذا إذا كان الاختيار مقصوراً على نجوم التمثيل وحسب.
أما إذا اتسع خيال المنوط بهم ترشيح الشخصيات الكاريزمية المناسبة للدور والوظيفة، فالساحة الثقافية مليئة بالكُتاب والمفكرين والمُبدعين وكل منهم على استعداد لإدارة شؤون المهرجان، في منتهى الكفاءة والاقتدار، لكن البعض يدفع بأسماء بعينها للاستفادة والوجود على حساب المهرجان وتاريخه ومستقبله، والحاجة الماسة إليه، وآفة كبار المسؤولين في قطاع الثقافة المصرية هي التأثر بآراء النجوم والنجمات وغوغائية التأييد العشوائي، بلا أي دراسة للموقف أو النظر في أبعاده الثقافية والسياسية، اللهم غير الحسابات القريبة والشخصية، التي عادة ما تؤدي إلى التهلكة وتُفسد أي عمل مهم، وتهدر فرصة التغيير لمجرد التمسك بشكليات لا طائل من ورائها، غير تفاقم الأزمة والدخول في تفاصيل أكثر تعقيداً!
بقلم: كمال القاضي