مهرجان سينما مجلس التعاون الخليجي.. إلى أين؟


على مدار سبعة أيام من 5- 11 مايو 2013 أقيمت فعاليات الدورة الثانية من مهرجان سينما مجلس التعاون الخليجي التي تضم قطر، الكويت، الإمارات، البحرين، عمان، السعودية.

عقدت هذه الدورة على أرض الكويت بعد أن كانت دورته الأولى في قطر. توقعاتي قبيل زيارتي الأولى لتلك المدينة “الحصن” – الكويت – لم تكن مرتفعة السقف بشكل مبالغ فيه، فرغم كوني حريصة على متابعة سينما هؤلاء الشباب كلما أتيحت لي الظروف، لا أنسى أن السينما لديهم لازالت فنا وليدا بحاجة شديدة إلى الرعاية والاهتمام والدعم المادي والفني ولازالت ينقصها الكثير من اكتساب الخبرات، مع ذلك يحاول الشباب بجهود فردية وذاتية تقديم صورة – وإن شابتها الظلال والاستعارات والأصوات العالية – عن مجتمعهم فينجحون أحياناً بصورة لافتة أو يغرقون في التبسيط والركاكة في أحيان آخرى.

 صحيح أن بعض الأعمال ضعيف المستوى، أو متوسط القيمة الفنية، لكن على صعيد آخر هناك بعض المخرجين والمخرجات يكشفون عن موهبة سينمائية واعدة وأذكر منهم نجوم الغانم، محمد راشد بوعلي، عمار الكهوجي، حسين الرفاعي، هيفاء المنصور، نواف الجناحي. كما أن سقف توقعاتي لم يكن منخفضاً أيضاً لأن الكويت كانت في مرحلة من تاريخها داعماً قوياً للثقافة، على الأقل في منطقة الخليج، ولا أنسى أبداً أن 90 في المائة من مكتبتي المسرحية هى من إصدارات كويتية، سواء سلسلة “من المسرح العالمي”، أو “عالم المعرفة”، إلى جانب إصدارات آخرى كانت تصلنا في القاهرة بأسعار زهيدة، لأن وزارة الإعلام الكويتية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كانا يعملان على دعمها بسخاء بيِّن. كما أن نادي سينما الكويت – الذي يُشرف عليه المصري عماد النويري – خلق لنفسه سمعة جيدة كرستها الأخبار المتواترة عن أنشطته السينمائية. 

ابتهج كُثر من أبناء الخليج لتأسيس هذا المهرجان حتى وإن جاء متأخراً بعد ظهور مهرجانات آخرى في بلدن خليجية مثل البحرين ومسقط ودبي وأبو ظبي، وأكد البعض أن إقامته تكشف عن حرص المسئولين على أهمية السينما، ودليل على أن السينما تأخذ حيزاً من المشاهدة والعرض والدعم. فهل هذا صحيح؟ هل الفعاليات التي استغرقت سبعة أيام يُمكن أن نطلق عليها مهرجان سينمائي؟ هذا يستدعي أن نُحدد ما الذي نقصد بمهرجان سينمائي؟ إنه نشاط ثقافي هدفه الرئيسي والجوهري تطوير ودعم الثقافة السينمائية من خلال توفير منصة ونافذة لعرض الأفلام في حضور جمهور، وإقامة نقاشات من حولها، وفي مرحلة متطورة منه يدعم تلك الأفلام إنتاجياً، فهل تحقق شيء من هذا؟

   بالطبع لا يمكن إنكار أن المنظمين أقاموا عروضاً منتظمة من الدول الست، باستثناء عدم عرض الفيلم الروائي الطويل “أصيل” للمخرج العماني د. خالد الزدجالي الذي اكتشف قبل موعد العرض المحدد بيوم واحد أن فيلمه خارج المسابقة بسبب أن نسخة العرض لم تكن صالحة وأن لجنة التحكيم أخبرت اثنين من المنظمين لكن يبدو أن الأمر سقط منهما سهواً، واحتجاجاً على هذا الخطأ انسحب الزدجالي عائداً إلى بلده .

ولا يمكن إنكار أهمية الندوات الفكرية المتعلقة بواقع وتحديات السينما في منطقة الخليج، والنقاش الثري والعصف الذهني الذي دار خلاها والذي شاركت فيه كاتبة هذه السطور. هذا إلى جانب المبالغ المالية التي حصدتها الأفلام الفائزة لأنها قطعاً ستحل ولو جزئياً مشاكل بعض المخرجين في مواصلة العمل على أفلامهم ومنهم نجوم الغانم التي توقفت عن استكمال مشروعها الحالي لعدم وجود جهة إنتاج أو دعم فجاءت الجائزة في وقت مناسب يُتيح لها استئناف العمل مجدداً.

تساؤلات

لكن يبقى التساؤل قائماً: بخلاف ما سبق، ما مصير تلك المناقشات والجدل والمداولات التي تمت على مدار يومين بين أروقة المهرجان؟ ما الذي تعتزم الكويت أن تقدمه بشكل ملموس ومادي للثقافة السينمائية في الخليج؟ وماذا تعتزم أن تهبه لأبنائها من السينمائيين ولأبناء الدول الآخرى من مجلس التعاون؟     

  تساؤل آخر: لمن عُرضت كل هذه الأفلام؟ أين اختفى الجمهور؟ لقد كانت القاعة خاوية إلا من المخرجين وبعض النقاد؟ لماذا لم يتم التفكير في جذب الجمهور الكويتي إلى تلك القاعة السينمائية؟ كيف تفكر دولة ما في خلق صناعة سينمائية على أرضها وهى غير قادرة على إعادة تشكيل أو خلق الوعي لدى الناس بأهمية السينما؟ حتى المخرجين الكويتين المشاركين بأفلامهم لم يحضروا واقتصر الأمر على مخرج تورا بورا.

لماذا؟ لماذا لم يحضر مخرجو السينما في الكويت ليتناقشوا مع زملائهم من أبناء البلدان الآخرى من مجلس التعاون؟ هل يندرج هذا تحت وصف “الاستعلاء”؟ ما يجعلني أستحضر ذلك الوصف الأسلوب الذي تحدث به الكويتي وليد العوضي مخرج “تورا بورا” رداً على الناقد السينمائي المغربي والزميل مصطفى المسناوي: “من السهل أن تنتقد الأفلام، لكن من الصعب أن تصنع فيلماً، وأنا أسألك كم فيلماً صنعت في حياتك؟” في حين يُجيبه المسناوي بابتسامة ودودة: “أنا لم أصنع أفلام ولا أنوي أن أصنع أي فيلم. أنا ناقد سينمائي”!

إن أسلوب العوضي – في تقدير كاتبة هذه السطور– ما هو إلا تعبير عن نظرته الفوقية واستعلائه على النقد، و”كارت” إرهاب لمنعنا من انتقاد مشاكل فيلمه العديدة فنياُ وفكرياً، وهو ما سوف أخصص له مقالاً تالياً.

الاستعلاء أيضاً كشفته مداخلة الناقدة الكويتية ليلى أحمد التي شنت خلالها هجوماً على دعوة المهرجان للزميل طارق الشناوي من مصر ليتحدث عن السينما الخليجية بينما المبدعون في الكويت أقدر على هذا أو كما يقولون “أهل مكة أدرى بشعابها،” وهو ما أثار استياء الحضور وكان أبلغ رد من السينمائي البحريني محمد بوعلي هو تأكيده على أن السينما لغة عالمية لا تحتاج إلى أحد من أهل البلد المُنتج لتفسيرها، وأن المتلقي في أي مكان في العالم إذا لم يفهم الفيلم الخليجي فهذا خطأ عند المخرج نفسه ولا ذنب للمتلقي”.

من الواضح طبعاً من تلك المقتطفات السابقة أن هناك حالة من التنافس والغيرة الفنية الزائدة وربما أشياء آخرى، كانت تُخيم على الأجواء وتسببت في توتر الجو وشحنه بحالة غير صحية، بحالة ليست في صالح الفنان والمبدع الخليجي بأي حال من الأحوال، كما أنها كانت ضده خصوصاً عندما انجرف النقاش بعيداً عن فنية الأعمال.

منع الأفلام

الأمر ذاته يتكشف في أوضاع آخرى سابقة مثلما مُنع فيلم “حمامة” الإماراتي من المشاركة في مسابقة مهرجان الدوحة لأنه لم يكن عرض أول. يُمكنني أن أتفهم قضية العرض الأول مع الأفلام المشاركة من دول آخرى عربية أو أجنبية، لكن أن يحدث هذا مع أفلام خليجية في مهرجان خليجي فهذا أمر مثير للدهشة والاستنكار؟ إن لم يكن الخليج داعماً لأفلام أبنائه سواء تجسد هذا الدعم في الإنتاج أو إتاحة فرصة للعرض والتنافس فمَنْ إذن سيقف بجانب هؤلاء الشباب والشابات؟

لماذا يتجه بعض المنتجون من الخليج لدعم أفلام أجنبية وإنتاج آخرى من بلدان أوروبا وأمريكا بينما يحتجبون عن لعب الدور نفسه مع مخرجي ومخرجات الخليج؟ أين دور الحكومة من الإنتاج والدعم؟ إن الحجج التي تقال بأن السينما هناك لا تزال وليدة، أو أن “الجمهور عايز كده”، أو أن ذوق الجمهور قد تغير ولا يرغب في هذه النوعية من الأفلام هو كلام أناس لا ينظرون إلى السينما إلا على اعتبار أنها “تجارة” وفقط، وبصدق شديد، رغم أهمية وجود مثل هذه النوعية من التجار لكننا جميعاً في الوطن العربي، وعلى الأخص في بلدان الخليج، بحاجة إلى نوع آخر من التجار، ومن المنتجين العاشقين للسينما، منتجين يُقبلون على إنتاج أفلام تجارية لكن في نفس الوقت يكون لديهم روح المغامرة ولو مرة سنوياً في إنتاج فيلم على مستوى فني وفكري راق مغاير للسائد والرائج والتجاري.

وعلى رجال الحكومة في أي دولة عربية أن يتخلوا عن تلك العبارات المكررة: لن ندعم أفرادا، لن ننتج لأفراد، سنمول وندعم جزئياً القطاع الخاص.” إن الحكومات التي تدعم أنواعاً أخرى من الثقافة، وتنفق ببذخ على المهرجانات والمؤتمرات والمعارض، عليها أن تراجع نفسها جيداً فيما يتعلق بنظرتها للسينما. السينما ليست مجرد “برستيج” prestige  أو وسيط لجذب الأنظار وتسليط الأضواء العالمية والمحلية. السينما، قبل أي شيء، فن قادر على بناء المجتمعات، وعلى إعادة تشكيل وعي وثقافة ومشاعر وسلوكيات البشر.

حول الصناعة

صحيح أن دولة الإمارات متقدمة سينمائية عن بقية دول مجلس التعاون في هذا الشأن فلديها صناديق دعم سينمائي مثل “إنجاز” و”سند”، لكن لايزال أمامها مشوار طويل من أجل إقامة صناعة سينمائية متكاملة في بلدانها. ولازال أمام بقية دول مجلس التعاون الخليجي طريق ممتد وشاق حتى تنجح في خق كوادر فنية – مؤهلة عن طريق التدريب والدورات والورش العملية – قادرة على صناعة الفيلم السينمائي.

يبقى التساؤل قائماً: قيل إنه سيتم إنشاء صندوق الدعم السينمائي برعاية الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي؟ متى سيبدأ؟ ما القيمة؟ وما الشروط وبأي كيفية؟ وهل أثناء انعقاد الدورة الثالثة سنرى عملاً من إنتاج دول مجلس التعاون؟

وأنا أختتم مقالي أعود إلى المربع رقم واحد وأقول إذا كان البعض يعتبر المهرجان نواة جديدة لانطلاق السينما الخليجية التي تتجدد عن طريق المهرجانات المحلية، فهل مجرد تبني الدولة للمهرجان يعد ذلك بمثابة التقدير للسينما وللفيلم الخليجي؟ أرجو أن نبتعد عن الكلمات الرنانة والخطب ولنحدد بوضوح: ماذا فعل هذا المهرجان للفيلم الخليجي؟ ما الجديد الذي أضافه؟ هل خرج بتوصيات فاعلة؟ وهل ستكون التوصيات محل نظر ودراسة تحاول الدولة التي عليها الدور في تنظيم الدورة الثالثة من المهرجان أن تعمل على تحقيقها والاستفادة منها؟ أم أن ما دار في الغرف المغلقة والأروقة كان مجرد أمر شكلي، إثبات حسن النوايا بالمشاركة، نوع من التفريغ النفسي، ناس تجتمع وتتحدث طويلاً وتشتكي وتغضب وتختلف وأحياناً تهاجم بعضها البعض ثم تضحك وتنتهي الجلسات فيُسلمون على بعضهم البعض دون أن يحدث شيء. 

Visited 17 times, 1 visit(s) today