أفلام في مهرجان دبي السينمائي

Print Friendly, PDF & Email


من شقاوة الأطفال الذين يشكلون جزءاً حيوياً من حياتنا، من شغبهم ومشاكساتهم وتحديهم لمُدرِستهم، إلى الإحساس بالوحدة ومرارة تجربتها، من الشعور بالمسؤولية تجاه الوالدين أو محاولة منع انفصالهما، إلى المعاناة من الفقر والمرض وشظف العيش، مروراً بمخيلة الأطفال للحروب وضحاياها، وصولاً إلى قدرات هؤلاء الأطفال وتفوقهم متحدين العجز والعوز، هذا التنوع في الطرح شمل عروض برنامج “سينما الأطفال” شديد التميز في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي الممتدة من 6 – 14 ديسمبر الماضي.

 كان للأطفال حصتهم من الأعمال الروائية والوثائقية، وأيضاً من الأفلام الكرتونية المشحونة بالخيال والأساطير، والمعبرة عن رُؤاهم وأحلامهم، والمتعلقة أحياناً بمشاكل حياتهم اليومية، والتي تخاطب عقولهم الغضة المتعطشة لكل ما هو جديد، وذلك ضمن قوالب درامية تنوعت بدورها بين أجواء من المرح والبهجة والغناء، بين الكوميديا الموسيقية التي تفجرها المواقف، وبين الحزن والشجن جراء الفقدان أو الهزيمة، وبين مقاومة الشك والمخاوف والقلق. وذلك رغم اختلاف جنسيات الأفلام التي شملت تونس والأردن، ودول الخليج، والهند وكندا وأمريكا، وأستراليا وفنلندا، مثلما تنوعت المعالجات ما بين الحبكة التقليدية الكلاسيكية مروراً بالشكل الثوري في تناول الزمن، وصولاً إلى تقنية الأبعاد الثلاثة بكل قوتها وإبهارها. 

كان “المُجمد” أو ملكة الثلج لوالت ديزني– Frozen– هو فيلم الافتتاح لهذه النخبة الشيقة، تلاه فيلم “المشي مع الديناصورات”  ، والفيلمين عُرضا بنظام الأبعاد الثلاثي 3D. بالإضافة إلى أفلام “فاطمة”، “سمر”، “يد اللوح”، “لمصلحتك”، “قصة أطفال وفيلم”، “عالم جوبي وباجا” المقتبس عن قصة تراثية هندية، أخرجها في السابق المخرج ستياجيت راي، وأعادت صياغتها ورسمها فنانة التحريك شيلبا راناد.إلى جانب أفلام أخرى عن الأطفال وعوالمهم تخللت برامج ومسابقات أخرى كشفت عن اهتمام ووعي متزايد بعوالم صانعي المستقبل كما في مسابقة المهر الإماراتي، أو المهر الآسيوي، أو أصوات خليجية، أو إرث عراقي.

كوميدية موسيقية

 “المُجمد” – والذي يُعرض الآن في دور العرض المصرية – فيلم عن التضحية والوفاء والنقاء، هو أيضاً عن الخيانة والغدر والانتقام، عن المشاعر الإنسانية وشعلة الحب القادرة على اكتشاف مواهب وملكات الإنسان، وعلى إعادة الحياة إلى قلوب ونفوس وأرواح البشر عندما تصهر القلوب وتذيب ثلوجها الأبدية. هو فيلم للعائلة تدور أحداثه حول شقيقتين اسمهما إلسا وآنا.

 إنهما أميرتان كانت روحاهما توأما لا ينفصل في الطفولة. كانت إلسا الكبرى تتمتع بقوى خارقة، وبقدرات سحرية على تحويل الأشياء إلى جليد، وعلى صناعة رجل الثلج “أولاف” الذي تلهو معه وبه شقيقتها الأصغر آنا، وفي إحدى الليالي تتطور قدرات إلسا السحرية وتفقد السيطرة عليها فتُصاب الصغرى بخطر الموت. هنا تقرر الأميرة الساحرة أن تنسحب مستسلمة لمخاوفها التي أصبحت كالوحش يُحكم استحواذه عليها يوماً بعد يوم  خصوصاً بعد أن قررت أن تعزل نفسها بين جدران القصر، وأن تغلق النوافذ والأبواب حتى لا تُصيب أي إنسان بشرورها، ثم تقصي بعيداً عنها أختها المتفائلة المفعمة بالحيوية والسعادة والجرأة وخفة الظل.

 هذه الأخت، التي لا تيأس ولا تستسلم لإقصاء لم تفهم له سبباً، تظل تحاول تذويب الحواجز الثلجية التي انتصبت بينهما، لكن الأحداث تتطور سريعاً في ليلة تتويج إلسا ملكة “لمملكة أرنديل” إذ تصيب مملكتها بالتجمد ويغمرها الصقيع في شتاء يبدو وكأنه أبدي، وهنا تفر الملكة هاربة تلاحقها مخاوفها وأختها التي تُصر على إنقاذها، وأثناء ذلك يتم الكشف عن أشياء أخرى مبهرة.

 أشياء عديدة مثيرة للإعجاب في الشريط السينمائي “المجمد” – أو “ملكة الثلج” –  أخرجته جنيفر لي وكريس باك، والذي تعود به استوديوهات والت ديزني بعد “تانجلد” 2010، و”خربها يا رالف” 2012. اعتمد الفيلم على تقنية الأبعاد الثلاثية الأخاذة والتي تجعل المشاهد متورطاً في قلب الأحداث ومع الشخصيات، لكن إلى جانب ذلك ساهم في تميزه الفني بشكل رئيسي وجوهري أهمية مضمونه والبناء المحكم للسيناريو الذي كتبته جنيفر لي والتي شاركت من قبل في كتابة فيلم المغامرات الكوميدي “خربها يا رالف”، وقدمت معالجة لرواية جون شتاينبك” “أفعال الملك آرثر والفرسان النبلاء”، وتعمل على عدة سيناريوات من بينها “طريق أبين” مع ليوناردو دي كابريو.

تكمن قوة سيناريو “المجمد” في رسم أجواء المغامرات وملامح الشخصيات المتنوعة بجوانبها المعقدة التي تجمع بين الخير والشر، في التطور المتسارع للأحداث، وفي الخيال الممتد باتساع الأفق. كل ذلك تم نسجه بمهارة ودقة في قالب موسيقي غنائي متقن الصنع بمؤثراته السمع – بصرية بأسلوب مبهر لا يخلو من لمسات كوميدية خفيفة الظل، منضبط في إيقاعه وزمنه النفسي. أما الاشتغال البصري بما يتضمنه من تحريك وتصميم مناظر بخلفياتها وتعقيداتها، بما يتضمنه من أزياء واكسسوار، ومن تنفيذ الخدع السينمائية فجاء لافتا ومدهشاً وبراقاً بدرجة عالية. كما أنه متقن الأداء الصوتي، خصوصاً الصوت العذب لكريستيان بل في دور آنا بكافة أطوارها سواء الرومانسية أو الساخرة أو الشريرة منذ البداية وطوال رحلتها الملحمية برفقة رجل الجبال الصلب كريستوف الذي قام بأدائه الصوتي جوناثان جروف بصحبة آيله الظريف شديد الذكاء والحساسية.

طفولة عربية   

ومن العالم العربي جاء الفيلم الوثائقي الأردني “سمر” للمخرج محمد رحاحلة ليحكي قصة فتاة بدوية شجاعة تتحدي ظروف حياتها الصعبة. تتفوق في دراستها وفي رياضة العدو، لكن تفوقها الدائم يجلب عليها المتاعب إذ يُثير حفيظة وضغينة زميلاتها مما يجعل إحداهن تعتدي عليها بالضرب والإهانة لا لشيء سوى أن سمر في كل مرة تحصد الميدالية الذهبية.

أثناء ذلك تمنح الكاميرا فرصة متمهلة للفتاة البدوية البسيطة أن تحكي بكبرياء عن إحساسها بأنها مثل زميلاتها ولا تقل عنهن في شيء، مع ذلك تؤكد على الاختلاف بينها وبينهن دون أن تحدد نوعية هذا الاختلاف فالمخرج – بذكائه – يتركنا نلمسه بأنفسنا طوال شريط الفيلم البالغ 22 دقيقة. تُؤثر فينا سمر بصوتها المتهدج الصادق، وبلحظات صمتها وحيرتها وسط الطبيعة المحيطة بالورود، بترددها أحياناً كأنها تبحث عن كلمات تراوغها، بنظرتها للحياة وكيف تراها غريبة أحياناً، برحلتها إلى المدرسة وعملها في الحقل ومساعدة أمها في العناية بأخوتها الأطفال وفي إعداد الخبز والجبن، وإطعام الماشية.

أما تجربة كوثر بن هنية في “يد اللوح” فمثيرة للدهشة، رغم بساطتها واتباعها للحبكة التقليدية، واستعانتها بطفلة في الخامسة من عمرها لكن أدائها العفوي غير الانفعالي رفع من مصداقية الفيلم ونجاحه. تجربة بن هنية مثيرة للدهشة خصوصاً في ظل ثقافة يكاد يغيب عنها الاهتمام بعالم الأطفال بشكل صادق وناضج قادر على اجتذاب الأطفال وتقدير مخيلتهم، على الأخص وأن صناع الأفلام العرب منشغلون بأفلام “الكبار”، والمنتجون يخصصون لهم ميزانيات ضخمة، بينما يتركون الفُضل والبواقي للأطفال.

 لكن التونسية كوثر بن هنية – على خلاف الكثيرين – قررت أثناء تعطل مشروعها الروائي الوثائقي الطويل “شلاط تونس” أن تنفذ فكرة للأطفال استلهمتها من سنوات طفولتها وقدرتها على اختراع حجج ماكرة للهروب اليومي من الكُتَّاب وقهر الإمام الذي يعلمها التجويد، وقد نجحت المخرجة في تحصيل دعم فرنسي لمشروعها مما عجل بظهور إلى النور.

لمصلحتك

ومن فرنسا يأتي الفيلم القصير “لمصلحتك” إخراج ابتسام جوردا والذي يتناول شقاوة التلاميذ وتمردهم على معلمتهم وتحديها وإثارة الشغب معها، وذلك في إطار كوميدي ظريف، لكنه في نفس الوقت يحمل جانباً فكريا هاماً إذا يكشف كيف يمكن لطفل فاشل وسارق أن يتحول إلى إنسان جيد مصراً على إحراز تقدم في مستواه التعليمي لينقذ والده من البطالة، أو بالأحرى ليعيد والده إلى العمل الذي طرد منه. الفيلم هو الآخر يستند إلى الحبكة التقليدية لكنه على مستوى فني عال وأداء الأطفال به مرتفع جداً، كما أنه مشحون بالمشاهد الإنسانية الهامسة والتي تقول الكثير من خلال النظرات واللمسات مثل ذلك المشهد للصبي وهو يتأمل والده من بعيد وهو يقف مع رئيسه، فقد كان لا يسمع شيئاً مما يدور بينهما لكنه عرف كيف يقرأ لغة الوجوه ويشعر بمأساة أبيه، لذلك عندما يعود إليه الأب بعد طرده يرفع الصبي يده لتمسك بيد أبيه وكأنه يواسيه، أو يمنحه شحنة عاطفية، ثم يقرر أن يجتهد في دراسته ويذهب خلسة إلى رئيس والده ليرجوه أن يعيده إلى وظيفته، فينقذ بيتهم من العرض للبيع. أليس الأطفال مثل الكبار عندما يملكون الهدف والدافع يصبحوا قادرين على تحقيق أفضل النتائج وتجاوز الصعاب؟

Visited 45 times, 1 visit(s) today