مناقشة السينما الصينية في مهرجان القاهرة السينمائي الـ38
“حال النقد السينمائي” كان عنوانا لندوة عقدت في مهرجان القاهرة السينمائي الـ 38 لم يتسع وقتي لحضورها أثناء تواجدي في المهرجان، فقد كنت اتابع الافلام – اكثر من 204 أفلام، استقدمها المهرجان مع مخرجيها ونجومها لجمهوره المصري- من ضمنها باقة من روائع السينما العالمية الجديدة من الهند والصين ورومانيا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها وكان المهرجان في دورته هذه قد أحضر من البلد الأخير فيلما سينمائيا باهرا شكلا ومضمونا بعنوان “لسنا وحدنا أبدا” للمخرج التشيكي بتر فاكلاف، شارك في مسابقة المهرجان، وكان من ضمن خمسة أفلام شاهدتها في المسابقة فاعجبني كثيرا جدا، وتوقعت حصوله على جائزة من ضمن جوائزها، وصدقت توقعاتي فقد فاز الفيلم بجائزة احسن إسهام فني، أما بقية تلك الأفلام التي شاهدتها في قسم المسابقة الرسمية، ومن ضمنها الفيلمان المصريان “يوم للستات” وفيلم “البر التاني”، فلم تكن تستحق الكتابة عنها على الاطلاق، بسبب تدني أو غياب مستواها السينمائي الفني بالكامل، على الرغم من “الزفّة” الدعائية الصاخبة التي صاحبت عرضهما بالمهرجان.
لكني حرصت على حضور الندوة الرئيسية المهمة التي أقامها المهرجان للسينما الصينية الجديدة، التي أدراها بحنكة واقتدار وفهم عميق الناقد السينمائي المصري أمير العمري مؤلف كتاب” السينما الصينية الجديدة ” وبمشاركة الناقد السينمائي الفرنسي ميشيل فرودون الذي كلف من قبل إدارة المهرجان بوضع كتاب عن السينما الصينية بعنوان ” نظرة على السينما الصينية ” وزع في المهرجان، ضمن مجموعة من كتب التكريمات الاخري القيمة مثل كتاب “سينما محمد خان.. البحث عن فارس” للناقد محمود عبد الشكور وكتاب “مقالات وأبحاث سينمائية” بقم الناقد المغربي الراحل مصطفى المسناوي.
شارك في الندوة المذكورة أيضا المخرج الصيني الكبير جيا زانج كي وحضرتها د. ماجدة واصف رئيسة المهرجان، وعدد كبير من الصحفيين والنقاد والسينمائيين الصينيين ولم يحضرها أي صحفي أو ناقد سينمائي مصري للأسف إلا صحفية مبتدئة موفدة من قبل المهرجان لكتابة تقرير عن الندوة في النشرة اليومية، على الرغم من أن الندوة كانت كما ذكرت أهم ندوة في المهرجان بسبب اعتماد الصين وسينماها كضيف شرف في الدورة 38 ، ومحاولة رصد تاريخها السينمائي الممتد لقرابة 125 سنة (عرضت أول صور متحركة في الصين عام 1896 وصنع أول فيلم تسجيلي صيني عام 1905) واتجاهاتها المعاصرة، وما رافق ذلك من احتفالات بالسينما الصينية في الدورة 38 على شكل عروض وندوات وتكريمات مثل تكريم المخرج جيا زانج كي ومشاركته في الندوة المذكورة.
السينما الصينية الجديدة
تحدث الناقد أمير العمري في بداية الندوة عن علاقته بالسينما الصينية التي بهرته منذ أن شاهد كما قال- فيلم “الذرة الحمراء” للمخرج جانج ييمو عام 1988 بمهرجان لندن السينمتئي، ثم تابعه أفلامها بعد ذلك من خلال مشاهداته في المهرجانات السينمائية العالمية مثل مهرجان كان و” فينيسيا وبرلين، إلى أن نظم قبل 14 سنة اسبوعا للأفلام الصينية التي تنتمي لحركة السينما الصينية الجديدة، وصدر وقتها كتابه “السينما الصينية الجديدة”. وقد عرضت الأفلام في القاعة المجاورة لقاعة الندوة بالمجلس الأعلى للثقافة، وكانت تتم مناقشات الأفلام بها يوميا.
لقطة من فيلم “الوداع ياخليلتي” لتشين كايجي
وذكر العمري انه مع بداية الجيل السينمائي الخامس – الجيل الذي ولد بعد عام 1949 – بدأنا “.. نشعر بسينما صينية أخرى مغايرة تجذبنا وتشدنا إليها بعد أن تخلصت من ملامح السينما الصينية القديمة- سينما الشعارت ذات الطابع التعليمي- في أفلام صينية حديثة مثل فيلم “الذرة الحمراء ” لجانج ييمو الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 1987 وفيلم “العيش” للمخرج نفسه، وفيلم” وداعا خليلتي” لتشين كايجي.. وغيرها، ونوه العمري بأن الندوة ستناقش مجموعة من القضايا والأفكار المهمة المرتبطة بالسينما الصينية، حيث أنه في ظل الازدهار الاقتصادي الذي تشهده الصين حاليا لا نعرف طبيعة المؤسسات التي تنظم الحركة السينمائية في الصين وممارساتها حيال قضايا التعبير عند المخرجين والمبدعين السينمائيين الصينيين.
ثم قدم العمري الناقد الفرنسي الكبير ميشيل فرودون رئيس تحرير مجلة كراسات السينما “كاييه دو سينما ” السابق ومؤلف كتاب “نظرة على السينما الصينية” ترجمة الناقد أسامة عبد الفتاح وطلب أن يتحدث عن علاقته بالسينما الصينية وأبرز ملامح السينما الحديثة وموقع السينما الصينية على خريطة السينما في العالم الآن.
الحدث الأهم
يعتبر ميشيل فردون كما جاء في مداخلته المقتضبة القصيرة المركزة أن ظهور السينما الصينية الجديدة في فترة التسعينيات هي “أهم حدث” في السينما خلال الثلاثين سنة الماضية، وكانت السينما الصينية ظهرت في وقت كانت النظرات فيها مركزة على سينمات الغرب ومهملة لبقية سينمات العالم ومن ضمنها السينما المصرية.
وذكر فردون ان فضل اكتشاف السينما الصينية في الغرب يعود الى مهرجان “كان” ومهرجان نانت لسينما القارات الثلاث.، الذي يقام في مدينة ” نانت ” الفرنسية منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقد كشفت موجة الأفلام الصينية أنذاك وأكثر من اي سينما أخرى في العالم التغييرات التي طرأت على المجتمع الصيني خلال عشرين سنة بل لقد كانت ” شاهدة ” أيضا على التغييرات التي حدثت على مستوى العالم، وبدأت تظهر الآن تأثيراتها المدهشة على المخرجين الجدد، ليس في الصين فحسب، بل في العالم كله، حتى صارت السينما الصينية تعد اليوم من أقوى صناعات الفن السابع سواء من حيث عدد الافلام التي تنتجها وعدد المشاهدين أو من حيث أهميتها الفنية، وتزامن تألقها مع صعود الصين كدولة عظمى بل انها لم تكتف بمصاحبة هذا “الصعود” الصاعق للصين بل وسبقته.
ولم تسبق “صحوة” هذا البلد كله فقط ومنذ بداية التسعينيات كما نوه فرودون، بل اعلنت عنها أيضا بشكل أو بآخر، ففي اقل من عام وخلال الفترة من مايو 1992 وحتى فبراير 1993 فاز أربعة أفلام صينية بالجوائز الكبرى لفي أكبر ثلاثة مهرجانات في العالم من ضمنها فيلم “وداعا خيلتي” اخراج تشين كايجي الذي حصد جائزة السعفة الذهبية في مهرجان “كان” وفيلم “كيوجيو .. إمرأة صينية” لجانج ييمو الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا.
وبعد مداخلة لمسئولة صينية عن الأرشيف السينمائي في الصين، تحدث آلان جالادو مدير ومؤسس مهرجان القارات الثلاث – مع شقيقه فيليب جالادو- في نانت.
السينما التسجيلية في الصين
تحدث جالادو عن مغامرة اكتشاف السينما الصينية وشرح كيف استفاد المخرجون الصينيون من تطور التكنولوجيا الرقمية مع نهاية التسعينيات وبخاصة في مجال السينما الوثائقية، واقامة علاقات سينمائية جديدة مع الواقع، مختلفة تماما عن تلك التي كانت سائدة مع نظم الانتاج الكلاسيكية، وبلورة قيم جمالية جديدة، تتناقض بالكامل، مع البحث عن الصورة الجميلة التي كان يصنعها الجيل الخامس في السينما الروائية الصينية، لكي تتواصل في التو مع حقائق الواقع العياني المباشر في الفيلم التسجيلي، كما في افلام وانج بينج ، وفيلمه الوثائقي”غرب السكة الحديد” الذي يستغرق عرضه تسع ساعات.. وكما في افلامه التسجيلية التي اعقبته وجعلت منه احد أهم المخرجين التسجيليين ليس فقط في الصين بل في العالم.
ثم تحدث المخرج الصيني الكبير جيا زانج كي عن اتجاهات السينما الصينية المعاصرة ولخصها في أربعة اتجاهات هي: التأكيد على الملامح الشخصية للمجتمع والفرد، والتعبير عن السلوك الاقتصادي الاقتصادي الذي كان له تأثيراته على تطور المجتمع الصيني مع تزايد اعداد المشاهدين وتعاظم نسب التردد على قاعات العرض السينمائية، وتوظيف السينما لمناقشة الأفكار الخاصة بالمجتمع الصيني، والتعبير من خلال السينما الفن عن المشاعر والاحاسيس والقناعات الفكرية.
وبعد أن انتهت مداخلة المخرج الصيني الكبير فتح أمير العمري مدير الندوة باب النقاش مع الحاضرين، فطلب كاتب هذه السطور الكلمة، ونبه الى دور مهرجان القارات الثلاث في نانت – الذي يتابع أعماله ويكتب عن دوراته منذ أكثر من عشرين عاما أو يزيد – في اكتشاف ليس فقط السينما الصينية الجديدة، ومنذ مطلع التسعينيات، بل مجمل السينمات العربية أيضا وفي مقدمتها السينما المصرية الأم، والدور الهام الكبير الذي لعبه المهرجان في التعريف بتراثها السينمائي المصري العريق، من خلال التكريمات التي نظمها لفاتن حمامة، وسامية جمال، ويسرا، ويوسف شاهين، وصلاح أبوسيف،وهنري بركات وغيرهم، كما ساعد المهرجان على توزيع بعض الأفلام العربية التي فازت بجائزته الكبرى– المنطاد الذهبي- في مسابقته، ومن ضمنها فيلم ” الهائمون ” للمخرج التونسي ناصر خمير.