ممكنات النقد السينمائي

د. صالح الصحن

يأتي النقد بعد انجاز الفيلم، ليقدمه الناقد بعد أن يرى ويسمع ويكتشف ويحلل ماذا يجري فيه من حكاية؟ وكيف تحدث؟ وماذا يحصل؟ وماذا يدور؟ ومطلوب منه تفسيرا لهذا الكم من الصور والأصوات والكلمات والحركات، وما خفي وما أعلن.

كل هذا أمام ذائقة الناقد.

إن سمة النقد هي  تلك الحرفة الخاصة التي لن يجيدها أي احد، وإنما هي مهمة ليست سهلة، بحاجة لجملة مرجعيات ثقافية فكرية وجمالية، أدبية وفنية، وحرفية بصرية عامة ومتخصصة مع ما يمكن من تجارب ميدانية ومهارات في حقول العمل واستوديوهات التصوير ان توفرت، وكلها تساهم في تغذية المهارة النقدية العالية في تشريح وتفسير بنية الفيلم  وقيمتة الفكرية والجمالية.

الناقد يجيد معرفة الصورة ومحمولاتها، ويدرك نوع اللقطة وحجمها وزاويتها، وحركتها، وكذلك طرائق السرد الفيلمي، واي نوع من الموسيقى تلائم هذا الحدث أو الفيلم او المشهد، ويعرف أيضا دلالات الألوان وكيفية توظيف الاضاءة، وما هو دور المكان في الحدث، وكيف تتم عمليات الأداء بين الممثلين بأنواع شخصياتهم مع دوافع الحركة لكل واحد.

ويعد النقد السينمائي حقلا جماليا مهما في المشهد الثقافي والفني  النابض بالحركة والإنتاج الفني، وهو من الخطوط التنويرية الضرورية في إشاعة الثقافة والوعي السينمائي، ومن المعروف ان النقد السينمائي يتأثر سلبا في البيئة التي تجف فيها سبل انتاج الافلام، ولكن نرى ان من الأهمية اللازمة ان يستمر النقد دون توقف للعمل على نهضة السينما.

ورغم التعثر الذي يتعرض له الانتاج السينمائي، الا ان العديد من المحاولات والتجارب التي يقوم بها بعض المخرجين المحترفين وكذلك شباب السينما وبمنجزات فيلمية طويلة وقصيرة، أخذ بعضها مساحة واسعة من العرض في المهرجانات  المحلية والعربية والدولية  بمستويات الاعجاب والفوز، الامر الذي يحرك الأقلام النقدية في التحليل والتقييم ورسم الصورة التي يستحقها  هذا الفيلم او ذاك وعلى وفق جملة المعايير التي يفترض أن يأخذ بها العديد من الكتاب النقاد كسمة مهنية هامة في الكتابة النقدية. 

وتتطلب حرفة النقد السينمائي جملة من الممكنات كي يأخذ النقد مكانته الحرفية اللائقة بوصفه جنسا فنيا أدبياً جماليا لا غبار عليه، ومنها:

** الناقد هو الاجدر بمعرفة فلسفة الفيلم، وما تنطوي عليه رسالته من مضامين ودلالات وما يحمل من أسرار وشفرات مضمرة. فهو يعرف جيدا المذاهب الادبية والفنية والاساليب والاتجاهات والمدارس وكذلك له اطلاع عميق بأهمية علم النفس وعلم الاجتماع في تركيب وتفسير الشخصيات وتحليلها، فضلا عن المهارات الخاصة بالسيناريو ولغة الصورة والسرد والصوت والموسيقى والتشكيل والضوء واللون والعلامات السيميائية وغيرها من العناصر.

** يجدر بالناقد ان يكون قد شاهد أشهر وأهم وافضل الافلام السينمائية المعروفة، وكذلك قد قرأ اشهر وأهم وافضل الروايات المعروفة في العالم.
** النقد ليس وجهة نظر ذاتية، وانما موضوعية بمعنى انه هو من يهذب الذائقة الجمالية للجمهور ويعمل على تنميتها رغم حريات الذائقة المختلفة والمتعددة والمتنوعة، وكل له اهواءه بما يرى ويسمع.
** النقد يجب أن يبتعد عن المجاملات وغيرها.
** النقد يبتعد عن اُسلوب الازدراء والاستهجان والتهكم والتنكيل، وانما يقترب من روح التهذيب والاحترام.
** توجه الكتابة النقدية للجمهور بالدرجة الاساس وليس لإرضاء صانع العمل أو الجهة المنتجة.
** غاية النقد هو التقويم وليس التهديم.
** النقد ليس ترويجا لبضاعة ما وانما قراءة جمالية منهجية مهنية معرفية للفيلم.
** للنقد اثر كبير في زيادة اقبال الجمهور على المشاهدة.
** لا يفضّل زج المقال النقدي باقحام المصطلحات الاجنبية المعقدة والتباهي بها  أو بهدف التعكز على العبارات والاقتباسات من رجال الحرفة الكبار.
** النقد المثمر هو ذلك النقد الذي تصل رسالته الى اكبر عدد من الجمهور.
** النقد ليس شرحا انشائيا لقصة الفيلم وانما لغة تحليل تتمسك بجملة معايير جمالية وفكرية وحرفية وتبين لنا كيف تفسر الصورة والحركة والشخصيات والحوارات والعلامات والاضاءة والالوان ومجمل العلاقات المركبة في التكوين التي  وصلت وجسدت فكرة الفيلم. بمعنى ان نفهم قصة الفيلم وفلسفته من خلال الصورة، بمعزل عن النص المكتوب.

** النقد ليس انطباعات عابرة، وليس كتابة صحفية متداولة أو مستهلكة.
** النقد هو ابداء الرؤية فيما يراه الكاتب ويحلل كيفية بناء الفيلم سمعيا وصوريا والى اي مستوى من بناء في الشكل والمضمون، وما هي طبيعة الحكاية الفيلمية وما هي عناصر المتعة والتشويق فيها، وما هي رسالتها اي ما هي فلسفة الفيلم التي تمرر فيه.
** النقد يتطلب صدق التعبير الخالي من الأهواء والأمزجة وتأثير العلاقات النفعية المتبادلة .
** ليس غريبا في النقد ان تختلف الرؤى والأذواق والأفكار ووجهات النظر ومستويات التأويل، والتفسير مع الأهمية الكبيرة لإتقان الكاتب سمات ومزايا المذاهب الفنية والمدارس والاتجاهات السينمائية المعروفة في عالم السينما الان وملاحقة التطورات المتجددة في الصنعة السينمائية فكريا وتقنيا.
** يتطلب النقد معرفة معطيات الكتابة في التحليل وكشف العناصر الفيلمية (صوتيا وصوريا)، وأسلوب المعالجة الاخراجية ورؤية المخرج والبنية الفيلمية واهمية الزمن والإيقاع، والمكان وشكل الصورة وعناصرها وطرائق السرد وفلسفة الفيلم ومساحة الخيال والعوالم التي يخلقها الفيلم.
** يتولى النقد كشف عناصر التشويق والاثارة والجاذبية وسمات الجمال. وهو يقرأ الاثارة والقلق والغموض والشك والاسرار وما خفي، وكل ما يجذبنا بالتلذذ بمتعة بمعطيات الصورة وحركتها وشكلها وما تحمل من معنى ودلالة وتفسير.
** يكشف النقد في تحليلاته  خفايا السرد الفيلمي والنوايا المبطنة وما فيه من ايماءات وشفرات والغاز وايحاءات ورموز وغيرها من العلامات السيميائية.
** يفضل أن ينظر الناقد الى التجارب الفيلمية الاولى بقلم خال من القسوة الشديدة، بهدف التشجيع والمباركة ولكن مع تثبيت الاخطاء الاخراجية وما الى ذلك من ملاحظات لغرض تقويم العمل.
** يحمل النقد مهمة كبيرة في خلق اجواء المنافسة بين صناع الافلام، لما للقراءة الجمالية من إنعاش سمة الذائقة والتذوق الفني للفيلم.
** النقد السينمائي الرصين، ذلك الوعي العالي الذي يعرف جيدا عناصر النص ومحمولاته كسيناريو قبل التنفيذ وكذلك القدرة على معرفة معطيات الفيلم بعد التنفيذ ومستويات المعالجة التي أضافها المخرج وفق رؤيته الخاصة.

Visited 10 times, 1 visit(s) today