محمد خان يعود بفيلم باهت “قبل زحمة الصيف”
تخلى المخرج محمد خان في فيلمه الأخير “قبل زحمة الصيف” عن رفيقة دربه السينمائي والحياتي السيناريست وسام سليمان (زوجته) ليتعاون مع الكاتبة والناشطة الحقوقية غادة شهبندر، في أولى تجاربها في مجال التأليف الدرامي.
المزيج قد يوحي بأننا سنكون بصدد عمل يقدم رصدا لنماذج مجتمعية متباينة، تربط بين شخوصها قضايا تهم رجل الشارع، لكن ما حدث أن الكاتبة قدمت خمس شخصيات غير متلاحمة ولا توجد روابط درامية واضحة بينها.
تبدأ المشاهد عند الفتى جمعة، قصير القامة نحيل الجسد الذي يقود دراجته سريعا بين شوارع القرية الخاوية إلاّ من مصيفين وحيدين، هما هالة سري والدكتور يحيى اللذان يحضر لهما جمعة الجرائد بصفة مؤقتة نيابة عن شقيقه المجاز.
يشاهد العامل الفقير السيدة هالة سري صاحبة المعالم الأنثوية الواضحة، وهي جالسة على الشاطئ مرتدية لباس البحر، فيبدأ في مراقبتها باعتبارها نموذجا للأنثى التي لم يرها من قبل حتى في أحلامه، قبل أن يحاول عرض خدماته عليها محاولا استرضاءها.
نموذج أرستقراطي
يبدو أن مخرج الفيلم محمد خان أراد الهروب من شكل المرأة المقهورة التي باتت تنتمي إلى المجتمعات الفقيرة أو المتوسطة مثلما اعتاد من قبل، لهذا فاجأنا بنموذج المرأة الأرستقراطية أو هالة سري، التي تجسد دورها هنا شيحة، التي تتمتع بحياتها رغم انفصالها عن زوجها، وقيامها بتربية أولادها بمفردها. حيث تأتي للقرية بمفردها بملابسها القصيرة، وتحاول استرقاق قلب حبيبها وهو ممثل من الدرجة الثانية من أجل البقاء معها أطول وقت ممكن حتى أنها تستأجر له شاليه بجوارها على حسابها.
تظهر هالة بين الحين والآخر في مشاهد متقطعة على البحر، ترتدي لباس البحر وتقوم بوضع كريم حماية الشمس على جسدها، في مشاهد تثير لعاب جمعة وتدفعه إلى التلصص عليها.
ونراها كذلك طوال الوقت في اتصالات دائمة مع عشيقها حالمة بموعد اللقاء، حتى يأتي إليها خلسة، وبينما توقعنا أن يصنع المخرج من اللقاء حدثا دراميا تترتب عليه بقية أحداث الفيلم، فوجئنا بوصلة من اللقطات العاطفية الحارة من دون توظيف درامي.
ويأتينا الدكتور يحيى الذي يحرص على قراءة الجرائد يوميا لمتابعة تداعيات أزمة فساد مشفاه الخاص، فهو رجل تبدو عليه علامات الاضطراب النفسي بسبب مخاوفه على سمعته، كما تبدو عليه اضطرابات جنسية أيضا تظهر في محاولاته التلصص على جارته، ومشاهدته لصور عارضات عاريات عبر الإنترنت، وهنا تظهر زوجته، ويبدو في نظراتها الاشمئزاز مما يفعله.
رغم التوقعات بأن الكاتبة ستربط بين الدكتور يحيى، وهالة، باعتبار ما يجمع بينهما من تشابه في الحياة الزوجية، لكن هذا لم يحدث، والمخرج لم يرد أن يعبر بكاميراته سوى عن امرأة مكبوتة المشاعر تحاول التنفيس عن أنوثتها.
على جانب آخر، قدم خان مقارنة بين أحلام ورغبات ذكرين متفاوتي الثراء والثقافة هما جمعة صبي توصيل الجرائد، والدكتور يحيى الطبيب الناجح الثري، مع أن هذا الثالوث كان من الممكن أن يثري الأحداث بشكل أكثر عمقا، خصوصا أن التفاوت الذي أرادت الكاتبة توضيحه بقصتها من نظرة الفتى الفقير لاثنين من أثرياء المجتمع لم يأت بجديد. كما لم يبد الصراع الدرامي للمشاهد إلاّ بشكل سطحي وساذج يخلو من البهجة أو حتى الفانتازيا التي يبحث الكثيرون عنها في نماذج الأفلام العالمية، حيث تعتبر أكثر انتشارا من نظيرتها المصرية.
أداء شاحب
من الملاحظات اللافتة على السيناريو أن الكاتبة غادة شهبندر وضعت وسيطا زمنيا لأحداث قصتها، حيث تبدأ من الاثنين حتى الجمعة في أسبوع واحد، ثم تنقلنا في مشهد النهاية إلى الصيف دون مراعاة لهذا التسلسل الزمني.
واستعانت شهبندر كذلك بالجريدة كوسيط آخر يخدم أحداث قصتها، دون أن تنتبه إلى أن الاستعانة بجريدة قومية مثل “الأهرام” قد تكون مبررة للسيدة الثرية الباحثة عن الاستجمام عن حق، والتي تقرأ لمعرفة أخبار الدنيا بشكل عام.
وفي المقابل، يختلف الأمر بالنسبة إلى الدكتور يحيى الذي يبحث بالتأكيد عن الصحف الخاصة التي تفرد مساحات كبيرة للحديث عن قضايا الفساد، سواء عن معلومات أو شائعات، وهو ما يحتاج الدكتور إلى معرفته.
معروف عن المخرج محمد خان أنه صنع اسمه الفني بقدرته على التوظيف الجيد والحرفي لأبطاله، إلاّ أنه افتقد ذلك في فيلمه الجديد، ربما لأن القصة لم تخدمه، لكنه وضع ثلاثة فنانين، هنا شيحة، وماجد الكدواني، وأحمد داوود في أدوار أقل من إمكانياتهم وما حققوه سابقا من حفاوة جماهيرية وإشادة من النقاد.
هنا شيحة باتت نجمة في الدراما التلفزيونية تحرص على اختيار أدوار غير نمطية وتنجح في فرض أدائها وسط مجموعة كبيرة من المشاركين معها، غير أنها اختزلت موهبتها في الفيلم في مشاهد القبلات والأحضان غير المبررة دراميا.
وماجد الكدواني قدم سابقا أدوارا شديدة التعقيد والحرفية حتى أصبح ضيف الشرف للكثير من الأعمال من هذه النوعية، وهو ما انسحب أيضا على أحمد داوود الذي حقق نجاحا ونقلة في مشواره الفني بدور صابر في مسلسل “سجن النسا”، لكن لا شيء من هذا نراه في فيلم خان الأخير.
الفضاء الواسع الذي اختاره خان لتصوير فيلمه ربما لم يتح له أيضا منح المشاهدين صورة غنية تمتلئ بالتفاصيل المعتادة منه، خصوصا أن الصورة كانت واحدة من أدوات الإبداع التي ميزت المخرج في السابق.
ربما تكون موسيقى الفيلم التي وضعتها ليال وطفة الاستثناء الوحيد من حالة الرتابة والملل التي سادت العمل.
ولعل عنوان الفيلم “قبل زحمة الصيف” ينطبق على حقيقته التجارية، في ما يتعلق بعدم الدفع به في سباق أفلام موسم الصيف والأعياد، كونه يفتقد إلى القدرة على المنافسة.