ماذا سيحدث في حال إلغاء مهرجان كان؟

في ظل اجتياح فايروس “كوفيد – 19” القاتل العالم، قرّر العديد من المهرجانات السينمائية الدولية إلغاء فعالياته، فماذا عن أهم مهرجان عالمي، كان الدولي، والذي تنتظره غالبية عشاق الفن السابع ونجومه وموزّعو الأفلام عبر العالم؟

كتب بيتر ديبروج في مجلة “فاريتي” المتخصّصة في صناعة السينما مقالا يشرح فيه الوضع الحالي بعد تأجيل إقامة الدورة الـ73 من مهرجان كان السينمائي، وانعكاسات التأجيل أو الإلغاء إذا حدث، على صناعة السينما في فرنسا والعالم.

يفتتح الكاتب مقاله بالتساؤل التالي: عندما يتعلق الأمر بمهرجانات السينما، يسير الجميع على خطى مهرجان كان، ولهذا السبب من الغريب أن الحدث الفرنسي الكبير، الذي كان من المقرّر أن يقام في الفترة من الـ12 إلى الـ23 من مايو القادم، انتظر أكثر من أسبوع كامل بعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشي الوباء الناتج عن فايروس كورونا، وبعد أسبوعين من حظر الحكومة الفرنسية التجمّعات العامة حتى نهاية مايو، لكي يُعلن عن أن دورته القادمة لن تقام في موعدها كما كان مقررا.

ويمضي ديبروج ليطرح تساؤلات أخرى: إذن، ماذا يعني ذلك لفيلم مثل “التقرير الفرنسي” للمخرج ويس أندرسون، الذي بدا وكأنه رهان جيد مثل أيّ رهان على العرض العالمي الأول للفيلم في المهرجان الشهير. خاصة بعد أن أعلنت الشركة الموزّعة عن تاريخ عرضه في الـ24 من يوليو؟

فوز تاريخي للفيلم الكوري “طفيل” بمهرجان كان

وماذا يعني بالنسبة إلى أفلام أخرى مثل الفيلم الملحمي “بينيديتا”، للمخرج بول فيرهوفن، أو “أنيت” للفرنسي ليوس كاراكس أو فيلم “ميموريا” للمخرج الشهير من تايلاند أفيشاتبونغ ويراسيثاكول الذي تقوم ببطولته تيلدا سوينتون، وهي أفلام كان من المتوقّع أن يتمّ عرضها جميعا في كان؟

لقد انتشر الوباء في وقت حرج بالنسبة إلى المهرجان، بعد الفوز التاريخي بالسعفة الذهبية للفيلم الكوري “طفيل” (Parasite) الذي مضى ليصبح أول فيلم غير ناطق باللغة الإنجليزية يحصل على أعلى جائزة أوسكار لأحسن فيلم.

لحسن حظ عشاق السينما يبحث منظمو مهرجان كان إمكانية تأجيله لستة أسابيع، حتى أواخر يونيو، على أمل أن يكون انتشار العدوى قد خف، وأن يشعر السينمائيون مُجدّدا بالارتياح ويرحّبون بالقيام برحلات طويلة ثم الجلوس وسط زحام قاعات العرض مع أناس غرباء يسعلون أو يعطسون.


مدير مهرجان كان تييري فريمو يسعى بشتى الطرق للإبقاء على المهرجان

صندوق جراثيم

في رأي كاتب المقال وهو أحد كبار النقاد المخضرمين الذين يواظبون على حضور مهرجانات السينما في العالم منذ سنوات بعيدة، أن مهرجانات السينما عبارة عن صندوق ساخن للجراثيم، فهي تجمع الناس من شتى أنحاء العالم وتجبرهم على الجلوس داخل أماكن شديدة الضيق. أضف إلى ذلك مشاكل الرحلات الجوية الطويلة والإرهاق وما يُسبّبه من إضعاف لجهاز المناعة، أيضا نتيجة السهر حتى وقت متأخر من الليل، ولا عجب أن ينتهي الكثيرون إلى الإصابة بنوبات البرد.

يقول ديبروج: ما زلت لم أتغلّب على ما حلّ بي بعد أن قُمت بتغطية مهرجان برلين قبل أكثر من أسبوعين. إنها صفقة نعقدها نحن النقاد مقابل التواجد في الحدث الكبير الأكثر إثارة في السينما العالمية. ولكن الثمن قد يكون فادحا الآن بعد انتشار فايروس كورونا، فلم يعد الأمر يقتصر على مجرد الإصابة بنزلات البرد المألوفة. وهنا يتساءل المرء عن عدد زملائنا الذين سيهتمون بتغطية هذا المهرجان؟

وهو يؤكّد أنه لم يكن ليفاجأ تماما لو ألغى مدير مهرجان كان تييري فريمو، الحدث تماما. لقد حدث ذلك مرتين من قبل: توقّفت الدورة الأولى من المهرجان بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة بعد عرض فيلم الافتتاح “أحدب نوتردام”، ثم توقّف المهرجان عام 1968 بعد أن بلغ منتصف الطريق مع إعلان مجموعة من المخرجين، بينهم جان لوك جودار وفرانسوا تروفو، إغلاق المهرجان تضامنا مع احتجاجات الطلاب والعمال.

ولكن لا توجد سابقة حقيقية للإلغاء نتيجة وباء – باستثناء ما وقع مؤخرا من جانب مهرجانات أخرى، من بينها مهرجانات أميركية مثل SXSW وترايبيكا، اتخذ منظموها قرارا صعبا بالإلغاء أو التأجيل في مواجهة زحف فايروس كورونا – وهو ما قد يُفسّر لماذا استغرق مهرجان كان وقتا طويلا لكي يتّخذ قرار التأجيل. (هناك أيضا نظرية أنهم ملتزمون بالمضي قُدما، بعد عقد اتفاق للتأمين على المهرجان ضد الأوبئة).

وعندما أعلن مهرجان SXSW عن إلغاء دورته قبل أسبوعين، تساءل الكثيرون في عالم السينما: ما الذي سيحدث لأكثر من 100 فيلم من المقرّر أن يشهد مهرجان كان عروضها العالمية الأولى؟ وهل ستستطيع مؤسّسة المهرجان نفسها تحمّل هذه الخسارة المالية الفادحة؟

يتمّ تمويل مهرجان كان بشكل كبير من قبل الحكومة الفرنسية، وهي لا تنظم فقط مهرجان السينما الأكثر شهرة في العالم، ولكن أيضا سوق إنتاج مشترك ضخم حيث يسعى صانعو الأفلام للحصول على دعم للمشاريع القادمة. إن إخراج كان من المعادلة لمدة عام واحد ستكون له أصداء هائلة في جميع أنحاء عالم السينما العالمية.

إنه ببساطة، أهم حدث سينمائي لهذا العام، يقوم الموزّعون خلاله بوضع قوائم الأفلام الفنية الخاصة بهم وتضع المهرجانات الأخرى ملامح البرمجة الخاصة بها من هناك، وتطلق دول العالم أفلامها التي سترشّحها للأوسكار. وتنتقل الأفلام التي يتمّ إطلاقها في كان إلى المهرجانات الصغيرة حول العالم وتظل تعرض لمدة عام أو أكثر. وبالنسبة إلى العديد من الأفلام السينمائية الدولية، تعتبر السعفة الذهبية جائزة أكثر جاذبية من تمثال الأوسكار.

بين كان وفينيسيا

تأسّس مهرجان فينيسيا السينمائي في عام 1932. ولكن الفساد في عهد موسوليني أدى إلى إقامة مهرجان كان، وعلى مدى العقود التالية أكد المهرجان الفرنسي هيمنته، فقد سيطر على الأفلام التي يخرجها كبار المبدعين في العالم.

ومن حين إلى آخر كانت هناك اعتبارات أخرى، مثل موقف كان ضد شبكة نتفليكس (الذي جعله يخسر العرض الأول لفيلم “روما”) أو موقف الموزّعين الأميركيين الذين يعتقدون أن مهرجانات الخريف قد تكون مناسبة أكثر لإطلاق أفلامهم التي يأملون أن ترشح فيما بعد لجوائز الأوسكار (وهو السبب في عرض “مولد نجمة” لأول مرة في مهرجان فينيسيا بدلا من كان). ولكن كقاعدة عامة، يُفضّل معظم منتجي الأفلام العرض الأول في كان.

وفي بعض الحالات، كما حدث مع فيلم “شجرة الحياة” لتيرينس ماليك، اقتضى الأمر أن ينتظر الفيلم عاما كاملا قبل الحصول على فرصة للتنافس على السعفة الذهبية. لذا إذا أُلغي مهرجان كان، وهو أمر لا يزال محتملا في حالة استمر الوباء، أو لم ينجح المهرجان في إعادة الجدولة كما يُخطّط، فماذا سيفعل صانعو الأفلام الذين يتطلّعون وهم لا يزالون يصوّرون أفلامهم، إلى عرضها عروضا أولى في قصر المهرجان الشهير في كان؟

تكهنات بالغاء مهرجان فينيسيا هذاالعام

بعض المهرجانات الأخرى طرح فكرة العرض الرقمي عن طريق شبكة الإنترنت كما فعل مهرجان يقام في كوبنهاغن، إلاّ أن هذا الحل يتعارض تماما مع تقليد العرض في كان على الشاشات الكبيرة، خاصة بعد قرار المهرجان عدم قبول أفلام نتفليكس في مسابقته.

وكما هو الحال مع ضحايا إلغاء مهرجان SXSW، فالمهرجانات الأخرى ستُرحّب بالطبع بعرض الأفلام التي كان من المقرّر أن تذهب إلى مهرجان كان، على الرغم من أنه يمكن للمرء أيضا أن يتخيّل سيناريو يقرّر فيه بعض المخرجين مثل أولريش سيدل النمساوي الذي أنهى فيلمه “ألعاب غريبة” قبل عامين، أو برونو ديمون، أحد المفضّلين في قائمة مدير كان تييري فريمو، مع فيلمه “في نصف نهار صاف”، الانتظار للعام القادم بعد أن يستأنف المهرجان نشاطه

في حالة تلاشى خطر فايروس كورونا، قد يستفيد مهرجان كان من التأخير الطفيف، الذي منح أعضاء فريق البرمجة -المستمرّون في الفرز والاختيار وسط الحجر الصحي في فرنسا- وقتا إضافيا لتقييم ما هو موجود.

وهناك شائعات بأن مهرجان فينيسيا السينمائي قد لا يقام هذا العام بالنظر إلى مدى تضرّر إيطاليا الكبير بالفايروس القاتل، الأمر الذي سيجعل الكثيرون يتردّدون في السفر إلى المدينة التي أصبحت حاليا مهجورة تماما، ممّا قد يدفع أصحاب الأفلام الذين يعتقدون أن مهرجانات الخريف مناسبة أكثر لهم، لإعادة النظر فيما إذا كان مهرجان كان هو الخيار الأكثر جاذبية.

يمكن أن يفقد مهرجان كان عددا قليلا من الأفلام بسبب التوقيت، على الرغم من أن تواريخ العروض الأولى تتغيّر في كل مكان ويتردّد الموزّعين في عرض أفلامهم مع استمرار الجمهور في العزوف عن العودة إلى دور السينما على عكس المهرجانات الأميركية، فإن مهرجان كان له أهمية كبيرة لصناعة الأفلام الفرنسية، حيث يقوم العديد من الموزّعين المحليين بجدولة مواعيد إطلاق عروض أفلامهم في دور السينما، في الأيام التي تلي عرضها الأول في كان، ممّا يشير إلى أن الصناعة المحلية ستبذل كل ما بوسعها للحفاظ على بقاء دورة كان هذا العام، مع تعديل خطط عرض أفلامهم طبقا للمواعيد الجديدة.

زحام الصحفيين من سمات مهرجان كان

لم يكن الانتظار حتى الآن للإعلان عن تأجيل مهرجان كان دليلا على الغطرسة من جانب مدير المهرجان تيير فريمو، بل كان انعكاسا للمسؤولية الهائلة التي يتحمّلها فريقه تجاه الجهات الراعية: صناعة السينما الفرنسية والسينما العالمية بشكل عام.

وكان هذا الانتظار يعكس أيضا تفاؤلا غريبا بأن الأزمة الصحية العالمية قد تنتهي في غضون أسابيع قليلة فقط. ولا يمكن لأحد أن يُحدّد بالضبط متى سيكون الوضع آمنا مرة أخرى للعودة إلى قاعات السينما، ناهيك عن السفر إلى أوروبا من بلدان العالم المختلفة في أميركا وآسيا وغيرها. ولكن مع القليل من الحظ، يمكن أن يكون مهرجان كان إذا أقيم في أواخر يونيو، حدثًا يعيد التماسك إلى صناعة السينما.

Visited 89 times, 1 visit(s) today