“كيرة والجن”.. ملحمة جماهيرية لأبطال منسيين

محمد كمال

ينطبق مصطلح “ملحمة جماهيرية” على فيلم “كيرة والجن” الذي طرح في دور العرض المصرية يوم 30 يونيو الماضي وتصدر بطولته كريم عبد العزيز وأحمد عز وهند صبري وسيد رجب وأحمد مالك وعلي قاسم وهدى المفتي وإخراج مروان حامد وتأليف أحمد مراد والفيلم مأخوذ عن رواية لمراد تحمل اسم “1919”.

كانت الأمنيات أن يطول المصطلح أكثر ليشمل ملحمة سينمائية مصرية شعبية تاريخية أو أي مصطلح اخر لكن لم يتعدى الفيلم حدود تلك الجملتين خاصة وأن كل العوامل توافرت ليخرج المشروع بأفضل صورة بعد تأجيل عرضه في أكثر من مناسبة قبل الاستقرار على طرحه قبل بدء موسم عيد الأضحى المبارك بأيام ليكون في اخر أيام شهر يونيو وما يمثله هذا التاريخ بالنسبة للمشهد السياسي المصري.

استند اختيار مصطلح “ملحمة جماهيرية” على خمسة عوامل، الأول أن الفيلم يجمع الثنائي الأقرب للجماهير كريم عبد العزيز وأحمد عز وما يتمتع به كلا منهما من حب وتقدير وثقة رغم تذبذب مستوى أعمالهما مؤخرا من الناحية الفنية، الثاني كلاهما “كريم وعز” أفلامهما تحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر المصري في الأعوام الأخيرة، العامل الثالث أن الفيلم يحمل توقيع الروائي أحمد مراد صاحب أكثر الروايات تحقيقا للمبيعات في مصر وأيضا المخرج مروان حامد الذي يعد من المخرجين القلائل الذين أعادوا فكرة المخرج البطل، بالإضافة إلى وجود عوامل مساعدة أخرى مثل أسماء مهمة قريبة من الجماهير أيضا مثل هند صبري وسيد رجب وأحمد مالك وأيضا الموسيقار هشام نزيه الذي قدم الموسيقى التصويرية.

بالتالي كان العامل الخامس طبيعيا ومنطقيا في أن يحقق الفيلم بعد أسبوع فقط من عرضه 18 مليون جنيه وذلك قبل دخول موسم عيد الأضحى والأجازات الطويلة،  لهذا فأن الفيلم أقرب للمظاهرة الجماهيرية على غرار الفترة التي تقدمها أحداثه قبل وأثناء وبعد ثورة 1919 والمظاهرات الشعبية ضد الاحتلال الإنجليزي.

يحسب لصناع “كيرة والجن” التطرق والعودة إلى فترة مهملة “سينمائيا” في التاريخ المصري خاصة مع الأجيال المتعاقبة منذ بداية الألفية الجديدة وسيطرة الكوميديا خلال العقد الأول لتلك الفترة فقد كانت العودة لتلك الفترة على سبيل الإضحاك فقط، حتى عندما بدأ الأكشن يحتل مساحة كبيرة نسبيا لم تهتم أيضا تلك الأعمال بتلك الفترة رغم ما تحمله من زخم حول فكرة الحرب والمقاومة والاحتلال، على مستوى الأعمال في الأعوام الأخيرة لا نذكر سوى فيلم “حرب كرموز” عام 2018 الذي قدمه أمير كرارة والمخرج بيتر ميمي ودارت أحداثه في تلك الفترة وتطرق لفكرة المقاومة ضد الإنجليز.

لم يتطرق فيلم “كيرة والجن” إلى الفترة التاريخية فقط بل إلى شخصيات حقيقية أيضا مثل أحمد عبد الحي كيرة وعبد القادر شحاتة الجن ودولت فهمي ورغم أن الثنائي الجن ودولت تم تقديم سهرة درامية عنهما عام 1987 وشارك في بطولتها ممدوح عبد العليم وسون بدر إلا أن بشكل عام لم تكن شخصيات وأحداث تلك الفترة ملهمة لصناع السينما في الجيل الجديد.

بدأت أحداث الفيلم بحادثة دنشواي عام 1906 والتي عبر عنها الفيلم على أنها كانت الشرارة الأولى لوجود مقاومة مصرية فاعلة ضد الاحتلال الإنجليزي بشكل متطور وسريع من خلال شخصية أحمد عبد الحي كيرة “كريم عبد العزيز” الذي أصبح طبيبا عام 1919 لكنه لم ينس مهمته الوطنية خاصة وأنه تم إعدام والده وقتل والدته على يد الجنود الإنجليز في دنشواي، ويقوم كيرة بإعادة تشكيل المقاومة من جديد.

ضمت المقاومة بجانب كيرا، كلا من دولت فهمي وهي مدرسة مسيحية من صعيد مصر (هند صبري)، وابراهيم الهلباوي تاجر سابق (سيد رجب)، وابراهيم شوكت رسام من عائلة أرستقراطية “أحمد مالك”، وحبيبته إلكسندرا (لارا إسكندر)، وراغب اليهودي الذي لا يتحدث (علي قاسم) ونعيم الذي كان يعمل في مطبعة (محمد عبد العظيم) بالإضافة إلى الراقصة نرجس (هدى المفتي) التي تعمل معهم بشكل متفرق.

أشار الفيلم من خلال شخصياته إلى أن المقاومة تضم جميع الأطياف الشعبية اتخذوا من مقهى “ريش” مركزا لاجتماعتهم والتجهيز للعمليات، ثم ينضم للمقاومة عبد القادر شحاتة الجن “أحمد عز” الذي كان يعمل في معسكرات جيش الاحتلال حيث يقدم لهم المخدرات بعد مقتل والده الضابط السابق في الجيش المصري “أحمد كمال” على يد أحد قادة الجيش الإنجليزي أثناء ثورة 1919.

بعد التمهيد واستعراض الخلفيات التاريخية التي قدمها الفيلم بإستفاضة وتحديد لكن لم يكن تأسيس الشخصيات على نفس القدر من الجودة فلم يقدم لنا السيناريو أي تفاصيل عن بقية أعضاء المقاومة سوى معلومات بسيطة دون التطرق إلى معرفتهم السابقة وعلاقتهم ببعضهم أو حتى الأسباب الكاملة والظروف التي جعلتهم ينضموا للمقاومة بعيدا عن الثلاثي كيرة والجن ودولت.

فقد وقع الفيلم في نفس أزمات هذه النوعية من الأفلام التي تسرد فترة تاريخية أو شخصيات حقيقية حيث الاهتمام بمشاهد الأكشن والحركة والخدع البصرية على حساب التأسيس والبناء الدرامي وخلق تفاصيل من الشخصيات الكثيرة التي يحتويها العمل، فقد وصل الأمر في “كيرة والجن” أن بقية الشخصيات، باستنثاء الثلاثي كيرا والجن ودولت، مجرد أشباح لا نعرف عنهم أي شئ.

التقليدية كانت هي العنوان الرسمي للسرد من خلال شخصية كيرة الذي يعمل طبيبا ظاهريا هو تابع للإنجليز ويتعاون معهم ويعاني من هذا الامر أمام زوجته وابنه فهمي “الذي تسرد الأحداث بصوته في فترة الخمسينيات” ثم شخصية الجن السكير الهوائي الذي يبرر عمله مع العدو رغم أن والده جندي سابق في جيش أحمد عرابي حتى على مستوى تنفيذ العمليات ضد الإنجليز فقد كان العامل المشترك هو الإغواء والاستدراج عن طريق النساء.

أول مشهد  نجد خلاله بعد درامي بعيدا عن الحركة والمطارادات وعبارت كيرة والجن الملحمية  كان الخاص بإتجاه كيرة والجن كلا منهما بشكل منفصل لقتل الضابط الإنجليزي كأن الثنائي يسير على نفس الخطى رغم الاختلافات بينهما في التوجهات والأسباب، وكان هذا المشهد هو الذي جعل الجن ينضم للمقاومة لكن سرعان ما عاد مروان حامد وأحمد مراد إلى السطحية في التناول من خلال المشهد الذي جاء بعده خاصة الشجار الذي تم في المركب بين كيرة والجن.

وقع الفيلم في مأزق اخر أي محاولة تحقيق التوازن بين النجمين الكبيرين كريم عبد العزيز وأحمد عز فلم يعد الأمر مجرد كتابة الأسماء على التتر أو صورة الأفيش بل وصل إلى حتيمة تحقيق هذا التوازن أو التعادل بينهما سواء في عدد المشاهد أو في مساحات الظهور والجمل الحوارية حتى على مستوى اللكمات ففي أحد المشاهد في بداية الأحداث أعطى الجن لكمة لكيرة فقام كيرة بردها له في نهاية الأحداث ليخرج الثنائي كريم وعز بتعادل مرضي لهما لكن بالنسبة للفيلم كانت خسارة كبيرة.

ظهر الجزء الأول من الفيلم بصورة أكثر تماسكا على مستوى السيناريو والتسلسل الدرامي والانتقال بين الأحداث، والحفاظ على وتيرة الإيقاع، حتى في تنفيذ مشاهد المعارك والمطاردات عكس النصف الثاني الذي جاء سطحيا ضعيفا فيه فجوات كبيرة والذي بدأ بتسلسل سقوط أفراد المقاومة وهو الأمر الطبيعي في معظم  أفلام الحركة المصرية في البداية تهميش الشخصيات المساندة ثم التخلص منهم حتى يتبقى النجمين في النهاية لهذا لا نتأثر نحن الجماهير بسقوط أي منهم لأننا في الأساس لم نكن نشعر بوجودهم أو تأثيرهم من الناحية الدرامية.

تصل الأحداث إلى القبض على ابراهيم  الهلباوي دون معرفة كيف؟ سوى أن المحقق الإنجليزي تعرف عليه من آثار الحذاء وبصرف أن النظر عن هذه التفصيلة البولسية الغير مؤكدة وتحتاج إلى شارلوك هولمز للإجابة والتوضيح نجد أن الهلباوي سقط بمنتهى السهولة رغم أنه ظهر في البداية كشخص محب للأصدقائه ووطنه وترك تجارته وأمواله لينضم للمقاومة لدرجة أن حذر الجن في حالة الغدر بكيرة لكن حتى يكتمل البناء النمطي للشخصيات فقد كان يجب أن يكون ضمن المقاومة خائنا يشي بالبطلين ويشارك في فخ للقبض عليهما في تركيا التي انتقلت لها أحداث نهاية الفيلم دون وجود أي أسباب مقنعة حول كيفية هروب كيرة ثم خروج الجن ليعيده مرة أخرى.

الشخصية الأثرى دراميا في الفيلم كانت دولت فهمي ورغم الأداء المرتبك من هند صبري للشخصية إلا ان على مستوى الكتابة كانت للدور روح وتأسيس درامي وخط سارت عليه وصولا إلى الدور الحقيقي الذي قدمته دولت أثناء شهادتها لصالح الجن ثم تعرضها للقتل من جانب أسرتها لأنها أساءت لهم في الصعيد، وقدمت هند أفضل أداء لها في الفيلم خلال مشهد الاعتراف أثناء القبض على الجن.

رغم التوازن في المشاهد بين كريم وعز إلا أن التفوق في الأداء كان للأول فلم يكن عز في أفضل حالاته وهذا عكس ما ظهرا عليه الثنائي في الجزء الثالث من مسلسل “الاختيار” الذي شهد تفوقا كاسحا لعز لكن في “كيرة والجن” يعود التفوق لكريم من جديد، لكن الأداء الأفضل على مستوى الفيلم كان للممثلة اللبنانية رزان جمال في دور “إيملي” التي كان ظهورها وحضورها وأدائها متفوقا على من قدموا شخصيات المقاومة.

على مستوى الصورة وحركة الكاميرا والمونتاج والإكسسوارات فقد كان هناك تفوقا كبيرا وهي عادة مروان حامد حتى على مستوى الإنتاج الفني فهو الفيلم الأفضل في تقديم تلك الفترة في هذه الجزئية ويحسب أيضا للفيلم التطرق إلى أبطال منسيين في مرحلة تاريخية مظلومة سينمائيا لكن تظل أزمة الثنائي أحمد مراد ومروان حامد في تقديم معالجة سينمائية محكمة دراميا بقدر اهتمامهم بالمؤثرات البصرية ومشاهد الحركة والمطاردات.

Visited 2 times, 1 visit(s) today