كتاب “عتبات البهجة” لناجح حسن: متعة المعرفة
السينما الحقيقية التي تغوص في خبايا النفس البشرية ومشاعر وعلاقات الناس، سواء كانت مؤلمة أو مثيرة للفرحة هي من دون أدنى شك سينما ممتعة شعورياَ ووجدانياً. وقد يتساءل أحدهم كيف تكون الأفلام المؤلمة ممتعة.
ولهؤلاء أقول ممتعة لأنها تجعلنا نعيش خبرات وحيوات لم نعشها، ممتعة لأنها تكسبنا معارف جديدة وتجعلنا على خط تماس مع هؤلاء البشر من أبطالها إلى حد التماهي معهم في كثير من الأحيان، فنعيش معهم الألم والخوف والمعاناة بصدق أقرب وربما أكثر تأثيراً مما في الواقع. لذلك تعتقد صاحبة هذه الكلمات أن السينما الحقيقية مهما كانت درجة قسوتها تُصبح من خلال فنيتها العالية وقدرتها على التكثيف الشديد للواقع وتفوقها عليه أحد أهم أبواب الولوج إلى البهجة.
والنقد السينمائي الواعي النزيه – أو عيون السينما كما يحلو للبعض أن يًطلق على النقاد – هو أحد أهم عتبات تلك البهجة ومدخلاً مشرقاً إليها. جالت بخاطري تلك الأفكار عندما التقطت عيوني غلاف أحدث مؤلفات الناقد السينمائي الزميل ناجح حسن “عتبات البهجة”. لأن العنوان أعجبني رغم كونه مقتبساً عن إحدى روايات الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد، لكن وما المشكلة في ذلك فما أكثر التأثيرات والاقتباسات المتداخلة بين الوسيطين منذ وُلد كل منهما.
السينما في الأردن
في عتبات البهجة يتناول الناقد الأردني ناجح حسن مستجدات السينما في بلاده أثناء عقودها الأخيرة، سواء في مجال إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية والطويلة، ويهتم بالتطورات الحديثة التي صاحبت التجديد التقني من خلال تناوله للأفلام التي يقدمها الشباب، والدور البالغ الأهمية الذي لعبته شركات الإنتاج من خارج الأردن أو من داخله وأهمها وزارة الثقافة والهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وكيف أسهمت تلك المؤسسات في تحريك الواقع السنيمائي الأردني، وما حققته من قفزة واضحة في الإنتاج كماً ونوعاً.
يقع الكتاب في 385 صفحة من القطع المتوسط ويدور في خمسة فصول واستهلال عن التأسيس في بنية الأطياف والأحلام وفيها يرى ناجح أن الأردن شهد حركة سينمائية واضحة، فمن ناحية خرجت للنور إبداعات الشباب اعتماداً على الورشات والمعاهد الحديثة التي تتواصل مع بعض المعاهد والكليات في الخارج من ناحية، ومن ناحية أخرى شهدت الساحة السينمائية الأردن عودة عدد من السينمائيين الأردنيين ممن عملوا في أميركا وأوروبا وغيرها ليستأنفوا نشاطهم المحلي، وهو ما أسهم في تجديد ورسم معالم متطورة في الإنتاج السينمائي. ثم في الفصل الأول المعنون برهانات على مستقبل صناعة الأفلام، يتناول فيه حسن واقع وآفاق صناعة الأفلام في الأردن، ومحاولات الهيئة الملكية الأردنية للأفلام تفعيل حقل الثقافة السينمائية بالمجتمع من خلال إنشاء بيت الأفلام ووضع خطة لإنتاج الأفلام إلى جانب إنشاء الصندوق الأردني لإنتاج الأفلام، وتفعيل مشروع السينما البديلة لتنشيط صناعة سينمائية للشباب، إلى جانب الاهتمام بإنشاء دور عرض حديثة بين حين وآخر من قبل جهات استثمار أردنية، وعربية وأجنبية.
في الفصل الثاني يتناول ناجح حسن سلسلة حوارات مع شخصيات حول صناعة الأفلام الأردنية ومنهم المخرج محيي الدين قندوز، والمخرج جلال طعمة، والممثل نديم صوالحة، والمخرج والناقد السينمائي عدنان مدانات. أما الفصل الثالث من عتبات البهجة فيتناول رحلة صناعة الفيلم الطويل في الأردن وحكاية العثور على نسخة نادرة من الفيلم الروائي الأردني (وطني حبيبي) الذي حققته مجموعة من الشباب الأردني عام 1962.
ثم يخصص المؤلف الفصل الرابع ليكون في صحبة الأفلام القصيرة ومن خلاله يتناول مختارات لتجارب ومواهب تطرح قضايا إنسانية وجمالية متوقفاً طويلاً أمام تنوع الأشكال والمضامين في كل منها وقدرات مخرجيها. ثم يأتي الفصل الخامس محملاً بعنوان: سكوت إنهم يصورون. وفيه يطرح نماذج شديدة الخصوصية والنوعية من الأفلام الأردنية المتميزة.
كتاب عتبات البهجة كتاب مهم للمكتبة العربية السينمائية، ويمنح القاريء لقطة مشهدية واسعة وممتدة للحركة السينمائية في الأردن والتطور الحادث فيها. إنه الإصدار الأحدث لمؤلفه ناجح حسن الناقد السينمائي الهاديء والخجول والمعطاء واسع الإطلاع والثقافة، والذي صدر له من قبل عدد من الكتب السينمائية منها الآن على الشاشة البيضاء 1986، والسينما والثقافة السينمائية في الأردن 1990، ومتابعات سينمائية 1993 (تأليف جماعي). و«شاشات النور» (2003).