فيلم “يوم وليلة”: قصة جيدة سقطت في فخ النمطية
هل تكفي جودة القصة أو الفكرة الرئيسية للإعجاب بفيلم؟ بالتأكيد لا، لأن الأساس الطريقة التي قدمت بها تلك الفكرة والخطوط الدرامية التي نسجت من تلك الأفكار وهو ما ينطبق على فيلم “يوم وليلة” الذي يشارك في بطولته خالد النبوي وأحمد الفيشاوي ودرة وحنان مطاوع وخالد سرحان ومن إخراج أيمن مكرم وتأليف يحيى فكري الذي يقدم تجربته السينمائية الأولى بعد مسلسل “على كف عفريت” لخالد الصاوي.
ارتكز يحيى فكري في سيناريو الفيلم على ثلاث ثيمات يحبها الجمهور وسبق ان قدمت من قبل في أفلام سابقة وحققت نجاحا كبيرا: الأولى الأحداث التي تدور في يوم واحد، والثانية وجود حدث ما يجمع الشخصيات. أما الثالثة فهي تعدد النماذج من خلال الشخصيات دون الاعتماد على بطل رئيسي، وأفضل الأفلام التي جمعت الثيمات الثلاث وأكثرها تحقيقا للنجاح كان فيلم “واحد صفر” (2009) سيناريو مريم نعوم واخراج كاملة أبو ذكري. والمقارنة هنا لأنه الأكثر قربا على العكس من أفلام أخرى تشابهت في أمرين فقط هما اليوم الواحد وتعدد النماذج، مع غياب الحدث مثل أفلام “كباريه” و”الفرح” و”ساعة ونص”.. وغيرها.
الحدث في فيلم “يوم وليلة” هو يوم المولد في حي السيدة زينب من خلال خمس شخصيات محورية هي: الصول “منصور الذهبي” (خالد النبوي) والممرضة “ميرفت” (درة) واللص “يوسف” والموظفة الحكومية “إيرين” (حنان مطاوع) والبلطجي “بجاتي” (خالد سرحان).
النقطة الإيجابية الأولى في السيناريو تتمثل في صياغة تفاصيل العلاقات المتشابكة بين الأشخاص الخمسة، وكيف يرتبطون ببعض سواء بشكل مباشر أو غير مباشر كأنها دائرة مفرغة يدور فيها الخمسة تبدأ وتنتهي عند النقطة نفسها. فالصول منصور هو الذي يقود البلطجي بجاتي في الخفاء. ويوسف يعمل لدى بجاتي، ويوسف كثير التعرض لجارته ميرفت التي تعمل في المستشفى التي تعالج فيها والدة إيرين. ثم يتفرع السيناريو إلى مدار أكبر مع ظهور شخصيات جديدة تربط بين الدائرتين مثل دور الشاب الذي تعدى على الموظفة الحكومية، والمهندس شريف الذي سرقت سيارته، وشقيقا إيرين المدرس ضعيف الشخصية ميشيل والآخر بيتر وصديقته الفتاة المسلمة المحجبة، والمدرس المتشدد دينيا، والبلطجي المتواجد في السجن لنقل المعلومات للصول، ومأمور القسم.
النقطة الإيجابية الثانية في السيناريو (مع استثناء مشهد القبض على بجاتي) اقتراب المؤلف من حقيقة الطبيعة البشرية في أن كل إنسان يحمل في داخله مقدرات الخير ونوازع الشر.. وأن لكل شخصية وجهين: الأول ملائكي والثاني شيطاني، تلك النفس البشرية التي تحمل كل التناقضات، مع الابتعاد عن التعميم حول الخير والشر، فنجد منصور يقوم بتربية ابنة شقيقته المتوفية التي هي من ذوي الاحتياجات الخاصة ويقدم خدماته لأهل الحي ويقابلهم بابتسامته. أما في عمله فهو يحصل على الرشاوي ويشارك البلطجي في عمليات الاحتيال.
أما ميرفت المطلقة التي تكافح لتربية أبنائها وترعى أسرة شقيقها فهي على النقيض لا تقدم خدمات للمرضى الا بعد الحصول على الأموال، وتقوم بسرقة الأدوية الممنوعة لبيعها في الصيدليات، وتدخل في علاقات مع الأطباء نظير الحصول على مال. أما إيرين المسيحية التي تسعى للطلاق الملتزمة دينيا والتي تراعي والدتها المريضة فهي في نفس الوقت نموذج للبيروقراطية الحكومية المرتشين. ويقوم يوسف بالسرقة والاعتداءات لحساب بجاتي بينما نجد يوسف يحمل بعض الإنسانية.
الرسم الأولي للشخصيات وعلاقتها المتشابكة كان مميزا مثل اللوحة الذي يبدأ الفنان برسمها بالقلم الرصاص. وكانت رائعة ومبشرة لكن حينما أراد المؤلف والمخرج استخدام الألوان لإظهار ما كتب بالرصاص على مستوى التنفيذ وملئ الفراغات جاءت بشكل شديد التقليدية والسطحية بلا أي جديد على مستوى كل الشخصيات فكلها نمطية سبق وأن قدمت في أفلام أخرى، جمل مستهلكة وعبارات مكررة وبالطبع أهمها العبارات الخاصة بالأقباط.
وإذا عدنا لفيلم “واحد صفر” وهو العمل الذي وضعته في مقارنة من البداية فقد تفوق في أمرين الأول الإجادة في خلق دراما ممتعة من رسم الشخصيات الرئيسية فوجدنا أنفسنا في حالة تعاطف مع أشخاص يحملون قدرا من الفجاجة لكن براعة الحبكة كانت عاملا مهما في ظهور نسيج متناغم.
والأمر الثاني الحدث (مبارة نهائي أمم أفريقيا 2008) الذي كان أكثر اتساقا مع الدراما وقربا من الشخصيات صناع الفيلم نجحوا في أن يجعلونا نعيش مع تفاصيل هذا اليوم من بدايته لنهايته برغم ان الاحداث تدور في الشوارع وليس الإستاد، أما الحدث في يوم وليلة كان مجرد إطار من بعيد دون الإقتراب منه حتى ولو بلقطات سريعة فقد كان هناك حاجز كبير بين الشخصيات وبين الحدث الذي من المفترض إنه رئيسي عكس واحد صفر الذي جعل الأبطال في قلب الحدث برغم بعد المسافة بين مصر وغانا.
المخرج أيمن مكرم أسهب في استخدام اللقطات القصيرة دون ضرورة درامية، فالتركيز الشديد على نظرات العيون وتعبيرات الوجه لم يضف أي جديد ولم يقدم به المخرج أي مغزى. ورغم اجتهاده في بعض مشاهد المونتاج المتوازي وخروجها بشكل جيد من خلال الانتقال بين الشخصيات إلا أن ضعف الحبكة والمبالغة في اللقطات القصيرة جدا جعلتها تبدو مستترة، كما ان إدارة المخرج لممثليه كانت ضعيفة فقد ظهر الأداء ضعيفا وفي بعض الأحيان مفتعلا، وفشل المخرج مثلا في لفت نظر أحمد الفيشاوي الأكثر موهبة ضمن أبطال الفيلم إلى عدم تكرار دور رجب في الجزء الثاني من فيلم “ولاد رزق” أي بنفس طريقة الأداء والحركات والملابس وطريقة الحديث.
ازدواجية المواطن المصري والتناقضات التي تحملها شخصيته تيمة جيدة ومهمة وخرج من رحمها أعمال مميزة جدا لكن صناع فيلم “يوم وليلة” اتجهوا إلى التقليدية في السرد وخلق حبكة ركيكة جدا مع ان الأساس الذي بني عليه عمل كان يحتمل الإبداع والعمل بشكل أكبر على المشروع ليخرج بصورة أفضل.