فيلم “نادي الرجال السري”.. من المعاقبة إلي المراقبة
بعد فترة انقطاع دامت أربع سنوات يعود النجم كريم عبد العزيز إلي جمهوره السينمائي، منذ قدم “الفيل الأزرق”، بفيلم “نادي الرجال السري” ليتصدر إيرادات موسم إجازة نصف العام الدراسي. وهو فيلم كوميدي اجتماعي، في قالب تشويقي أقرب إلي الفانتازيا. الفيلم من تأليف أيمن وتار، وإخراج خالد الحلفاوي، وبطولة كريم عبد العزيز وغادة عادل وماجد الكدواني وبيومي فؤاد. تبدأ الأحداث بمشهد تقليدي يعكس أجواء الأسرة المصرية العصرية، التي تعيش في المدن الجديدة وتمتلك وسائل الرفاهية من منزل وسيارة ومساحات خضراء تطوق المباني. وفي حوار صباحي مشحون بين الزوجة هاجر (غادة عادل) والزوج الطبيب أدهم (كريم عبد العزيز) نكتشف مساحة الخلاف الكبيرة التي بينهما، والتي ستدفع الأحداث إلي مداها البعيد في المشاهد التالية المتسارعة من الفيلم. يبدو أدهم زوجا مثاليا مطيعا لزوجته إلي أبعد حد، حتي أنه يتصرف – ولو ظاهريا- علي النحو الذي يرضيها، خاصة أنه يعرف أنه مراقب طوال الوقت من قبلها عن طريق ال GBS. وفي قفزة سريعة ينقلنا السيناريو إلي الوجه الآخر لأدهم، زير النساء، الذي يشترك في نادي أعد خصيصا للأزواج الذين يعانون من مشاكل زوجية ويرغبون في الإفلات من قبضة الزوجة، والارتماء في أحضان عالم ليلي مبهج بصحبة نساء أخريات. يستعرض الفيلم النماذج الرجالية المنضمة لهذا النادي لنلحظ أنها في الغالب لا تعاني الفتور في العلاقة فحسب، كما اعتدنا في تيمات السينما المصرية التي تعالج هذا النوع من المشاكل، وإنما هي في الحقيقة تعاني الشعور بالقهر من الزوجة العصرية التي تملك من الشخصية ما يمكنها من التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوج، بدءا من اختيار نوع الملبس الذي يرتديه وحتي طريقته في المشي والكلام. يتضح ذلك في نموذج كريم عبد العزيز، العضو القديم في النادي، ونموذج ماجد الكدواني الذي يرغب في الحصول علي عضوية النادي حتي يتمكن من خيانة زوجته، إلا أن بيومي فؤاد، المسؤول عن النادي يكتفي بأن يمنحه عضوية استماع فقط في نوع من الكوميديا الهزلية التي تعكس عبثية الموقف برمته. تمضي الأحداث في إيقاع سريع ومشوق، بحيث ينجح خالد الحلفاوي في كسر حالة الملل التي غالبا ما تصيب المشاهدين في مثل هذا النوع من الأفلام التي تعتمد علي قصة بسيطة تهدف إلي الإضحاك. يمكن للمشاهد المتمرس أن يشتم رائحة اقتباس أجنبي، إلا أن المعالجة الموفقة للفكرة، وسيطرة المخرج علي أدواته، تجعلنا نغض الطرف عن هذا التفسير، ونترك لأنفسنا العنان كي ننخرط في أحداث الفيلم ومفارقاته العجيبة والمثيرة. يمكن للفكرة الرئيسية للفيلم أن تردنا إلي أعمال أخري مصرية شبيهه مثل فيلم “أزواج طائشون” الذي أخرجه نيازي مصطفي عام 1976، ومسلسل “الزوجة أول من يعلم” الذي أخرجه فايز حجاب عام 1987، إلا أن الجديد في فيلم “نادي الرجال السري” أنه نجح في تقديم صورة معاصرة للتيمة القديمة، اعتمد فيها علي توظيف مفردات العالم الافتراضي التي تغلغلت في حياة المصريين، وصارت في كثير من الأحيان هي البديل عن واقعهم المأزوم.
أهم ما يميز الفيلم أنه يحمل نبوءة خطرة فيما يتعلق بطبيعة العلاقة التي بين أزواج وزوجات هذا العصر، والتي ستتخذ في المستقبل القريب شكل الصراع التقليدي بين القط والفأر. فبعد أن أن كان الرجل قديما يضع زوجته تحت المراقبة، صار هو موضوعا للمراقبة من قبل الزوجة. والمراقبة هي الوسيلة التي تتحكم بها السلطة في الأفراد بحيث تتحول إلي بديل عن العقاب على نحو ما توصل اليه ميشيل فوكو في كتابه “المراقبة والمعاقبة”، وجورج أورويل في رواية “1948“، وبنحو ما يعيش إنسان هذا العصر أسيرا لعيون الكاميرات التي ترصد حركته في كل مكان يذهب إليه. إن “سي السيد” لم يكن في حاجة إلي GBS أو كاميرات مراقبة ليرصد حركة “أمينة” التي خرجت من البيت من وراء ظهره، لأنه كان يعلم أن خوفها، الذي تربت عليه، حتما سيفضحها، وإن رجل هذا العصر قد استعد جيدا للصراع الضاري الآتي من المجهول. والملاحظ أن النساء تعملن فرادي بينما يتعاون الرجال من أجل تحقيق أهداف مشتركة، كما أن الرجل يخون المرأة مع امرأة أخري علي طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء”، وتستعين المرأة في صراعها مع الرجل برجل آخر في الغالب. وفي كل الأحوال تظل مسألة إحساس الفرد بأنه مراقب طوال الوقت من قبل آخر هو أصعب موقف يمكن أن يواجهه الإنسان خلال السنوات القليلة القادمة. وفي هذا السياق يمكننا القول إن الفيلم يرصد حالة التحول التاريخية التي حدثت في صميم العلاقة بين الزوج والزوجة منذ ثلاثية نجيب محفوظ في الخمسينيات وحتي يومنا هذا، حيث توقف الزوج عن المعاقبة وبدأت الزوجة في المراقبة حتي صارت المراقبة نوع من المعاقبة. جاء أداء كريم عبد العزيز موفقا ومناسبا للدور بفضل عدالة التوزيع الكوميدي التي حققها السيناريو لكل الممثلين، فاختفت المبالغات التي اعتاد النجوم علي أن يقعوا فيها في الأفلام التي لا تحمل من المضمون سوي الرغبة في الإضحاك، واحتل “الموقف” محل “الإفيه”. وكان من الممكن لكريم أن يضيف رصيدا جديدا إلي تاريخه الفني لو استمر في أداء دور الزوج المغلوب علي أمره، إلا أن السيناريو لم يستطع أن يصمد أكثر من الربع ساعة الأولي من الفيلم قبل أن يتحول إلي “نادي الرجال السري” مفضلا أن يعيد كريم عبد العزيز النجم، ذا الكاريزما الفنية الخاصة إلي جمهوره الذي انتظره طويلا، علي أن يضحي بالفكرة الجديدة المغرية، ذات الإبهار التجاري الكبير. الطبيعة التقليدية لبعض الأدوار أثرت علي أداء بعض الممثلين، فلم تضف جديدا لغادة عادل ولا لماجد الكدواني، وإن كان للكدواني حضور مميز ناجم عن الألق الخاص به الذي يشع في كل دور يلعبه مهما كان حجمه أو طبيعته. وفي المقابل كان دور رئيس نادي الرجال السري الذي قام به بيومي فؤاد جديدا وموفقا، واستطاع من خلاله أن يقدم “كراكتر” جذابا يجمع بين الجدية المفرطة وخفة الظل. كما استطاع حمدي الميرغني، في المشاهد القليلة التي ظهر فيها، أن يضفي علي الفيلم مذاقا خاصا، ويترك أثرا مبهجا في نفوس المشاهدين. أتت النهاية تقليدية مثل البداية، فلم تتناسب مع الطابع الحداثي المميز لمعظم فترات الفيلم، ولم يكن الحوار الأخير الذي دار بين أدهم وهاجر موفقا، باعتباره يقدم للمشاهد كلحظة كاشفة تفصح عن رسالة الفيلم التي من المفترض أن تكون مضمرة. فالأسباب التي قدمها أدهم كمبرر لخيانته لزوجته التي أهملت في نفسها بعد الزواج مما أدي إلي فتور العلاقة بينها، لم تكن مقنعة، لأنها صارت من كلاسيكيات الأعذار التي يقدمها الرجل الشرقي، في الفن أو الواقع، فلم تضف جديدا. المشهد الذي جمع بين كريم عبد العزيز، وماجد الكدواني، وزوجة الكدواني يكشف لنا عن رسالة تقليدية مؤداها أن الرجل من فرط اعتياده علي زوجته الجميلة لا يراها كما يراها الآخرون. كما أن ظهور فرع آخر للنادي الذي تم تدميره في نهاية الفيلم، إنما يدل علي أن المرأة لن تتغير، والرجل لن يتغير، والأوضاع ستظل كما هي عليه. فقرة “الماكينج” التي ظهرت مع تترات النهاية كشفت عن روح الود والمرح التي كانت سائدة بين طاقم العمل في أماكن التصوير، ونقلت للمشاهد مزيدا من البهجة قبل مغادرته لصالة العرض.