فيلم “رجل الجاز”.. تجربة تسجيلية مثيرة
من أفضل الأفلام التسجيلية التي عرضت بالدورة الـ 46 من مهرجان روتردام السينمائي، الفيلم التسجيلي- من الإنتاج الألماني- “رجل الجاز” أو The Cairo Jazzman. ويتابع الفيلم العلاقة بين بطله “عمرو صلاح”، وولعه بموسيقى الجاز ومحاولته إدخالها إلى مصر من خلال مهرجان دولي ينظمه سنويا في القاهرة بجهود ذاتية محدودة.
عمرو صلاح.. عاشق الجاز، نشأ وتعلم منذ الصغر بمساعدة والدته، العزف على البيانو، ثم كبر وتفرغ للموسيقى وللتأليف الموسيقي وكون فرقة موسيقية ثم أصبح ينظم أيضا دورات تدريبية للأطفال لتعليم الموسيقى، ثم أسس المهرجان السنوي لموسيقى الجاز في مصر.
يؤمن عمرو صلاح بأن موسيقى الجاز شكل من أشكال الاحتجاج السياسي، وهي أساسا تجتذب جمهور الشباب المصري الذين يمثلون- كما يقول- النقيض للطبقة السياسية الحاكمة، ليس فقط في أعمارهم، بل في تطلعاتهم ورغباتهم في اجتياز المألوف للتعبير الحر عن أنفسهم. ويعرض الفيلم للتجربة الشخصية لبطله، علاقته بوالديه، إيمانهم العميق به وبموهبته، وعلاقته بأفراد الفرقة الموسيقية التي تعمل معه، وانطباعات الموسيقيين من الفرق التي شاركت في المهرجان، كما يصور الاستعدادات التي يجريها عمرو مع فريق العمل وصولا إلى اقامة الحدث الكبير نفسه، ويجري المخرج من وراء الكاميرا مقابلات مع عدد من سكان منطقة الأزهر الذي يقام المهرجان في حديقته الحديثة، لمعرفة انطباعاتهم عن التجربة وأهميتها.
يعرض صلاح وفريقه للكثير من المشاكل، أهمها مشكلة التمويل، وضعف الامكانيات، وتقاعس الحكومة عن تقديم الدعم الكافي للمهرجان، ورغم أن المسؤول في وزارة السياحة يكرر أمام الكاميرا أنهم على قناعة بأن المهرجان يساهم في تحسين صورة مصر في الخارج إلا أن وعوده بزيادة الدعم المالي لا تتحقق.
المخرج عاطف أبو زيد، وهو ألماني من أصل تونسي، يرصد ببراعة تفاصيل الأيام التي تسبق إقامة الدورة الجديدة من المهرجان، بكل ما يواجهه عمرو صلاح من مشاكل، وتصاعد التوتر والاثارة وتعقد العلاقة مع السلطة، التي تفرض ضرائب باهظة وتطالب صلاح بدفع مبالغ طائلة مقابل تأجير المكان، وهو ما يشكل محاولة لتقويض الحدث لكن ما يثير الفرح ويدخل السعادة على قلوب المشاهدين، أننا نرى كيف تثمر جهود صلاح في النهاية عندما يقام المهرجان وتشارك فيه فرق متنوعة من العالم.
الفيلم من النوع التسجيلي الموسيقي، وهو يتمتع بايقاع سريع ومونتاج يقوم على الانتقال بين الأماكن والشخصيات، لا يتوه أبدا عن موضوعه، ولا عن بطله الحاضر في معظم أجزاء الفيلم الذي يبلغ زمن عرضه 82 دقيقة، كما يتميز باللقطات البديعة من الناحية البصرية، والاهتمام بالمزاوجة بين الايقاع البصري والايقاع الموسيقي.