فيلم “الكويسين” ونظرية “عجبتك النكتة”!
تخيل أنك تجلس مع صديق يقول لك نكتة مضحكة ثم يسألك بعدها: عجبتك النكتة؟ فترد عليه بالإيجاب فيقول لك: طيب حقولها تاني عشان عجبتك ويقول نفس النكتة بنفس الأداء ثم يسألك مرة أخرى: عجبتك النكتة؟ فتجيبه بالإيجاب فيقول لك: حقولها تالت عشان شايفك مبسوط ثم يقولها لك رابع وخامس وسادس. ما هو رد فعلك تجاه هذا الشخص؟ إذا كنت ستشعر بالملل فغالبا سينتابك نفس الشعور تجاه فيلم “الكويسين”.
لعل المشكلة الرئيسية التي وقع فيها الفيلم هو السيناريو نفسه، فالفيلم تدور أحداثه حول النصاب مفتاح، الذي يحاول، بمساعدة أخته، سرقة جوهرة ثمينة من أسرة ثرية تدعى أسرة الكويسين، ومن أجل تحقيق هذا الغرض ينتحل مفتاح شخصية الابن مظهر كويس المفقود من سنوات طويلة ويعيش بينهم على هذا الأساس. وهذه هي أول عيوب الفيلم فهذه الفكرة سبق وأن شاهدناها عشرات المرات، ففكرة اختراق فرد لعائلة عن طريق الانتحال، هي فكرة مكررة ورتيبة، وغير مبتكرة، على خلاف أفلام أحمد فهمي السابقة التي كانت أهم ما يميزها هي الفكرة البراقة المضحكة في حد ذاتها. فعند ذكر أحمد فهمي يدور في أذهان المشاهدين قصة بنات الع الذين تحولوا لرجال عن طريق لعنة وقعوا فيها (بنات العم)، أو قصة شاب يفهم لغة الكلاب ويستطيع التعامل معهم بعد أن رضع من كلبة في طفولته (كلب بلدي).
فأفكار أفلام أحمد فهمي، التي يشارك غالبا في كتابتها، هي أفكار مضحكة ومبتكرة في حد ذاتها. على خلاف هذا الفيلم، الذي كتبه أيمن وتار منفردا، فعند مشاهدته تشعر أنه سبق وأن شاهدته من قبل، على سبيل المثال لا الحصر (في محطة مصر، النمر والأنثى، لا تراجع ولا استسلام الخ). ولقد انتبه صناع الفيلم لهذا التكرار، وحاولوا أن يجعلوا من قصة الفيلم المكررة مادة للضحك، في أحد مشاهد الفيلم، لكن هذا الإيفيه نفسه سبق وأن ذكر من قبل، في فيلم لا تراجع ولا استسلام لنفس مخرج العمل أيمن الجندي.
كان من الممكن ألا تكون فكرة الفيلم المكررة مشكلة كبيرة، إذا تم التناول بشكل جيد، فالأفكار كما هو معروف ملقاة على قارعة الطريق، والمهم هو التناول. لكن التناول نفسه يوجد به كثير من المشاكل، فالفيلم، كما ذكرنا من قبل، عبارة عن نكتة تم تطويلها وتكرارها المرة بعد المرة لعمل فيلم روائي طويل. فأنت على سبيل المثال، من الممكن أن تضحك في المرة الأولى على دكتور لطيف (الممثل عمرو وهبة) الذي يعالج خطيبته المصابة بأعاقة ذهنية ويكرر دائما الشئ ونقيضه في نفس الوقت من خلال جملة (نظريا هو ….. لكن عمليا ….) لكن مع تكرار هذا الإيفيه وكثرة ترديده أصبح متوقع وباعث على الملل. وهذا يندرج على كل عناصر الفيلم فالفيلم عبارة عن موقف ثابت لكل شخصية يتم تكراره بطريقة رتيبة.
فحتى الشخصية الأكثر إضحاكا وهي شخصية عم جوهر (الممثل أحمد فتحي) هي شخصية مقتبسة من فيلم الرجل الصغير (little man) فمن لم يشاهد هذا الفيلم من الممكن أن يضحك على القزم الذي ينتحل شخصية طفل صغير لكن سيصيبه الملل عاجلا أم أجلا. المشكلة الرئيسية تقع على كاتب الفيلم نفسه أيمن وتار، فأيمن وتار هو كاتب متمرس للاسكتشات الكوميدية وله تجربة ناجحة في هذا المجال من خلال عدة برامج شارك في كتابتها كبرنامج البرنامج لباسم يوسف، وبرنامج بيومي أفندي لبيومي فؤاد، وهو ممثل لا بأس به أيضا. لكن يوجد اختلاف كبير بين الاسكتش الكوميدي الذي يعتمد على المبالغة والنكتة السريعة المكثفة، وبين الفيلم الكوميدي الذي يحتاج إلي بناء درامي متماسك يجعل المتفرج مشدودا ومتشوقا لما سيحدث مستقبلا. فالفيلم ليس مجرد عدة اسكتشات مكررة يتم تمريرهم من خلال عقدة بسيطة كما حدث في فيلم الكويسين.
وهذا الفرق الذي لم يستوعبه أيمن وتار حتى الآن، أدى إلي هبوط مستوى الأعمال التي كتبها سابقا لياسمين عبد العزيز. ولعل أحمد فهمي قد تحمس لأيمن وتار بعد نجاحه في كتابة مسلسل الوصية لصديقه أكرم حسني. لكن يظل مسلسل الوصية مجرد استثناء ولعل جودة الكتابة ترجع إلي أن مصطفى حلمي شارك في كتابة المسلسل مع أيمن وتار. ولكن إذا كان المستوى السيء للكتابة متوقعا من كاتب لم يدرك بعد الخيط الرفيع الذي يفصل بين الاسكتش الكوميدي والفيلم الكوميدي فما هو عذر مخرج الفيلم أحمد الجندي.
وأحمد الجندي واحد من أفضل مخرجي الأفلام الكوميدية في هذا الجيل، بشكل يجعل اسمه على الفيلم علامة جودة في حد ذاته، فهو قادر على توظيف امكانات الممثل الكوميدي بشكل جيدا جدا. لكن على عكس المتوقع، لم ينجح أحمد الجندي في إدارة الممثلين المشاركين في الفيلم، فكانت المبالغة في الأداء هي السمة السائدة في العمل، خصوصا نجوم الاسكتشات الكوميدية ومشاهير السوشيال ميديا كجيلان علاء وعمرو وهبة ومحمد مكاوي.
بل أن محاولة انتزاع الضحكات عن طريق المبالغة في الأداء والصفع على الوجه يجعل المشاهد يتشوش ويظن أنه يشاهد فيلما من توقيع السبكي وليس أحمد الجندي.
من الإيجابيات القليلة التي ظهرت في الفيلم، أداء ضيوف الشرف نفسهم، فظهورهم خفف من حدة الملل قليلا، فالظهور المتميز لأحمد مالك جعلك تخرج وأنت متذكر أداؤه بل يجعلك غير قادر على استياب الفيلم بدونه. والظهور المرح لمحمد ثروت يجعلك تضحك أخيرا بعد أن نسيت أنك أمام فيلم كوميدي. أما ظهور هشام ماجد فيجعلك تتساءل هل خسر أحمد فهمي كثيرا بعد انفصاله عن الثنائي شيكو وهشام ماجد؟