حصاد السينما المصرية 2012.. صامدون حتى إشعار آخر!

Print Friendly, PDF & Email

تعوّدتُ أن أقدم فى نهاية كل موسم سينمائى حصاداً تفصيلياً عن الأفلام والظواهر، وفى كل عام تدهشنى السينما المصرية بقدرتها على الإستمرار، وسط ظروف أقل ما يقال عنها أنها سيئة وربما كارثية، وخصوصاً فى عام 2012 الذى انتهى بإعلانات غير دستورية أقرب الى الإنقلاب السياسى الشامل على الثورة، مما انعكس على المجتمع فى صورة احتقان وتخبط وفوضى سياسية وقانونية واقتصادية.

ولكن السينما المصرية أثبتت أيضاً فى هذا الموسم العصيب قدرتها على الصمود حتى إشعار آخر، المستقبل بالقطع شديد الغموض بالنظر الى تصاعد الصراع بين المتأسلمين والقوى المدنية، ربما كانت النقطة المضيئة هى أن الأفلام أصبحت إحدى وسائل الجمهور للهروب من اليأس الذى أفرزه وصول رئيس إخوانى الى السلطة، وإدارته الكارثية والعجيبة للأمور، مما جعل الناس أمام عرض يومى يكاد ينافس عروض الأفلام الكوميدية والتراجيدية معاً.

قد يدهشك وسط هذه الظروف غير المستقرة، أن تعرف أن دور العرض، استقبلت فى عام 2102 عدداً معقولاً من الأفلام المصرية المتنوعة، تحديداً حوالى 29 فيلما، وهو رقم يزيد بمعدل فيلمين عن الأفلام المصرية التى عرضت فى عام 2011.

هذه هى القائمة الكاملة للأفلام المعروضة فى الموسم كله، نسجلها ثم ننطلق الى تحليل المؤشرات الفنية فى كل الإتجاهات، ثم ننتهى باختيار قائمة الأفضل، مثلما تعودنا، لكى يكون التقرير شاملاً للكم والكيف معاً ، هذه هى الأفلام  التى عرضت فى عام 2012:

(1)واحد صحيح  (2) عمر وسلمى _ الجزء الثالث  (3) جدو جبيبى  (4) بنات العم (5) ريكلام  (6) على واحدة ونصّ (7) حظ سعيد ( 8) رد فعل  (9) بنطلون جولييت (10) المصلحة  (11) حصل خير  (12) حلم عزيز  (13) جيم أوفر  (14) غش الزوجية (15) الألمانى   (16) تيتة رهيبة   (17) بابا  (18) مستر آند مسز عويس  (19) البار  (20) بعد الموقعة   (21) ساعة ونصّ ( 22) برتيتا  (23)  الآنسة مامى  (24) عبده موتة   (25) مهمة فى فيلم قديم  (26) جوّة اللعبة (27)  30 فبراير  (28) مصوّر قتيل   (29)  لمح البصر.

شملت الأفلام ألواناً  من الموضوعات والأنواع، تراجعت أفلام الثورة الى فيلم واحد فقط هو “حظ سعيد” من بطولة أحمد عيد، كانت هناك نسبة كبيرة من الأعمال الكوميدية، كوميديا الموقف كما فى “تيتة رهيبة”، وكوميديا جنسية كما فى “بابا” و”بنات العم”، وكوميديا رومانسية كما فى “جدو حبيبى”، وكوميديا فارص كما فى “جيم أوفر”، وكوميديا غنائية كما فى فيلم “مستر آند مسز عويس”، وفانتازيا كوميدية كما فى “حلم عزيز”، بل إن لدينا ما يمكن أن نسميه كوميديا الهلْس كما فى فيلم “مهمة فى فيلم قديم”.

اتسعت الساحة أيضاً لتقديم الميلودراما كما فى “ريكلام” و”عبده موتة”، والتشويق كما فى “بارتيتا” و”مصوّر قتيل”، وأفلام الحركة كما فى “المصلحة” من بطولة الثنائى أحمد السقا وأحمد عز.

 كل الأجيال

قام بالمشاركة فى هذه الأفلام فنانون من كل الأجيال، وبينهم عدد كبير من الدماء الجديدة فى كل فروع الفيلم تقريباً، لدينا مثلاً 6 مخرجين جدد هم: (1) هادى الباجورى “واحد صحيح”  (2) محمد سامى “عمر وسلمى _ الجزء الثانى” (3) جمعة بدارن “على واحدة ونصّ”  (4) طارق الإبيارى “بنطلون جولييت (5) الألمانى “علاء الشريف”  (6) لمح البصر “يوسف هشام”.

ظهرت على العناوين أسماء لمؤلفين جدد  كثيرين بصرف النظر عن مستواهم الفنى، لدينا مثلا صلاح الجهينى “30 فبراير”، وسما المصرى وعادل نجيب “على واحدة ونصّ”، و وائل ابو السعود “رد فعل”، وطارق الإبيارى “بنطلون جولييت”، كما اكتظت بعض الأفلام بالوجوه الجديدة مثل ماهى صلاح الدين ومنى ممدوح وعلى الطيب فى فيلم “البار”، وريم الكاديكى فى فيلم “30 فبراير”، وطارق الإبيارى فى فيلم “بنطلون جولييت”، وياسمين رئيس فى فيلم “واحد صحيح”، وميريت، ابنة الممثلة شيرين، فى فيلم “حلم عزيز”، ومدحت شاكر فى فيلم “مهمة فى فيلم قديم”.

مُنحت البطولة المطلقة لأول مرة لوجوه صاعدة شابة بصرف النظر أيضاً عن مستواها، محمد رمضان قام ببطولة فيلمين هما “ألألمانى”و ” عبده موتة”، كما اشترك فى فيلمين آخرين هما “ساعة ونص”و ” حصل خير”، كانت أيضاً أول بطولة لمحمد أحمد ماهر فى فيلم “البار”، ولإياد نصار فى فيلم “مصور قتيل”، ولسامح حسين فى فيلم “30 فبراير”، وطبعا طارق الإبيارى الذى صنع فيلماً من بابه كمؤلف وممثل ومخرج هو “بنطلون جولييت”،  وقدم محمود عبد المغنى بطولته الثانية فى فيلم “رد فعل”، وقام عمرو يوسف بالمشاركة فى أفلام مثل بارتيتا وواحد صحيح ورد فعل، يضاف الى هؤلاء الأبطال الرجال، السورية كندة علّوش التى قامت بأول بطولة لها فى فيلم”بارتيتا”، كما اشتركت فى بطولة فيلمى “واحد صحيح” و “المصلحة”.

ولكن الملاحظة أيضاً أن الساحة اتسعت لعودة الكثير من الوجوه القديمة، وفى بطولات أو أدوار قصيرة، عادت لبنى عبد العزيز بعد سنوات طويلة من الغياب، ومنذ عصر الأبيض والأسود، بمشاركتها فى فيلم “جدو حبيبى” مع محمود ياسين، وعاد حسين فهمى ببطولة فيلم “لمح البصر”، وعادت سميحة أيوب وعبد الرحمن أبو زهرة فى فيلم “تيتة رهيبة”، وعادت يسرا مع مى عز الدين فى بطولة فيلم “جيم أوفر”، شاهدنا محمد وفيق فى فيلم “بابا”، ونادية فهمى فى فيلم بارتيتا”، ومظهر أبو النجا فى فيلم “30 فبراير”.

على صعيد بورصة النجوم والنجمات نستطيع أن نتحدث عن استمرار النجاح الجماهيرى لكل من أحمد السقا وأحمد عز، نجحت تجربتهما المشتركة فى فيلم “المصلحة”، النجاح هنا تجارى رغم الملاحظات الفنية، كما أن فيلم السقا المتواضع وعنوانه “بابا”، حقق أيضاً إيرادات جيدة، وحقق فيلم عز المرتبك وعنوانه “حلم عزيز” أيضاً بعض النجاح، فى كل الأحوال، هما أكثر نجوم جيلهما اجتهاداً، وربما يفتح نجاح تجربتهما المشتركة الباب أمام تجارب أخرى مشتركة مع نجوم آخرين.

فى مقابل ذلك النجاح، تراجعت البطلات مثل مى عز الدين رغم مشاركتها فى الجزء الثالث من عمر وسلمى، وفيلم جيم أوفر، بطولات مشتركة عادية، وغابت عبلة كامل، ولم تبق فى الساحة سوى ياسمين عبد العزيز التى حقق فيلمها “الآنسة مامى” نجاحاً كبيراً، رغم مشاكل الفيلم الفنية الواضحة، ورغم صعوبة السيطرة على أداء وتعبيرات ياسمين مع التسليم فى نفس الوقت بموهبتها الكبيرة، وحيويتها التى لا شك فيها.

ربما كان النجم القادم هو محمد رمضان، فشل فيلمه “الألمانى”، ونجحت بطولته الثانية فى فيلم “عبده موتة”، رغم أن الفيلمين متقاربان فى الحديث عن ظاهرة البلطجة، ولكن يظل هناك ما لايمكن الخلاف عليه، وهو أننا أمام ممثل موهوب، ويستطيع أن يقدم الكثير بشرط ألا يكرر نفسه أو أدواره.

مازال السبكية يسيطرون على سوق الإنتاج، أفلامهم شديدة التباين والتفاوت، بعضها يقدم الخلطة العشوائية من الغناء والرقص والتهريج مثل “مهمة فى فيلم قديم” وحصل خير”، وبعضها يحاول أن يقدم كوميديا أكثر اتقاناً، أقول “يحاول” لا أكثر، ومن أمثلة ذلك فيلم “الآنسة مامى” و فيلم”عمر وسلمى _3″، وهناك نوع ثالث أكثر إتقاناً واختلافاً يقدمه السبكية كل فترة وأخرى، من أمثلته الواضحة فيلم “ساعة ونص” و”واحد صحيح”، إذا كان السبكية قد أصبحوا من حقائق السينما المصرية ، نتمنى فقط أن يزيد إنتاج النوع الثالث، وأن يتراجع إنتاجهم من النوع الأول.

كل الأجيال من المؤلفين ظهرت فى عناوين الأفلام من يوسف معاطى “تيتة رهيبة” الى عمر شامة “بعد الموقعة”، ومن تامر حبيب “واحد صحيح” الى خالد جلال “بارتيتا” و” الآنسة مامى”، ومن زينب عزيز “جدو حبيبى” و”بابا” الى الثلاثى أحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد “بنات العم”.

أجيال متنوعة من المخرجين ظهرت فى القائمة، من يسرى نصر الله “بعد الموقعة” الى أحمد البدرى ” جيم أوفر” و “مهمة فى فيلم قديم”و”غش الزوجية”، ومن كريم العدل فى “مصوّر قتيل” الى وائل إحسان مخرج فيلمى “ساعة ونص” و”الآنسة مامى”، ومن ساندرا نشأت “المصلحة” الى عمرو عرفة “حلم عزيز”، ومن طارق عبد المعطى “حظ سعيد” الى إسماعيل فاروق “عبده موتة”، ومن مازن الجبلى “البار” الى شريف مندور “بارتيتا”، يضاف الى ذلك المخرجون الجدد الذين سبق ذكرهم، الملاحظ  أيضاً استمرار إعطاء الفرصة لمخرجين جاءوا من عالم الفيديو كليب مثل هادى الباجورى ” واحد صحيح”، ومحمد سامى ” عمر وسلمى _3″.

قوائم الأفضل

لم يكن المستوى الفنى العام رديئاً، تقريباً نحن فى حدود الجيد والردئ كل عام، المشاكل الكبرى المعتادة مازالت فى السيناريوهات، ومازال الممثلون أقوى عناصر الفيلم المصرى، يكفى ان تشاهد فيلماً مثل “ساعة ونص” لتتأكد من ذلك، ربما يستحق أبطاله جائزة جماعية على التشخيص.

فيما يلى اختياراتى للأفضل فى موسم 2012 السينمائى :

أفضل فيلم: “ساعة ونصّ”.. لتعبيره القوى الإنسانى والمؤثرعن كارثة قطار بوصفها مرثية للوطن.

 أفضل سيناريو: أحمد عبد الله عن “ساعة ونص” .. لنجاحة فى رسم نماذج بشرية لا تنسى، وتقديم حكاية كل واحد منها فى بناء محكم ومتماسك.

  أفضل إخراج: وائل إحسان عن “ساعة ونص” .. لنجاحه فى توظيف أدواته فى التعبير عن معاناة المصريين بصورة نبيلة ومتعاطفة، ولبراعته فى اختيار وقيادة فريق الممثلين فى فيلمه الهام.

أفضل ممثل دور أول (رجال): باسم سمرة عن دوره فى “بعد الموقعه” .. إنه أفضل أدوار الممثل المجتهد حتى الآن، قدم الشخصية بكل تفاصيلها رغم صعوبة الإرتجال فى معظم المشاهد.

  أفضل ممثل دور أول (نساء): غادة عبد الرازق عن فيلم “ريكلام” .. نجحت باجتهادها فى تحويل شخصية محددة قدمت فى أفلام سابقة الى نموذج للإنسحاق الإنسانى.

أفضل ممثل دور ثانى (رجال): ماجد الكدوانى عن دوره فى فيلم “ساعة ونص”.. لمسات هذا الممثل الرائع تلغى ببراعة الحدود الفاصلة بين الضحك والشجن.

أفضل ممثل دور ثانى (نساء): ناهد السباعى عن فيلم “بعد الموقعة” .. خطفت الأنظار بامتزاجها مع شخصية فاطمة، قدمتها بوعى وحضور، من أفضل النماذج النسائية التى ظهرت فى الأفلام المصرية.

 أفضل تصوير: سمير بهزان عن فيلم “بعد الموقعة” مع تنويهات بالجهد المبذول فى الصورة فى أفلام كثيرة أخرى مثل: واحد صحيح “أحمد المرسى”، و جدو حبيبى “أحمد عبد العزيز”، وسامح سليم “ساعة ونصّ”.

أفضل ديكور: فراس أسعيد عن فيلم “واحد صحيح”.

  أفضل مونتاج: شريف عابدين عن “ساعة ونصّ”.

 أفضل ملابس: داليا يوسف عن “ساعة ونصّ”.

    أفضل وجه صاعد (رجال): عمرو يوسف عن دوره فى فيلم “بارتيتا”.

 أفضل وجه صاعد (نساء): ياسمين رئيس عن فيلم “واحد صحيح”.

  أفضل فيلم كوميدى: “تيتة رهيبة”.

 أفضل ممثل كوميدى: محمد هنيدى عن “تيتة رهيبة”.. وتنويه خاص باجتهاد سامح حسين فى فيلمه  “30 فبراير”.

 أفضل مخرج (عمل أول): هادى الباجورى عن فيلم “واحد صحيح”.

تنويه خاص بالإداء المتفوق والمؤثر للكبيرة كريمة مختار فى فيلم “ساعة ونص”، والأداء المميز لسميحة أيوب فى “تيتة رهيبة”.

   أفضل أفيش: فيلم بعد الموقعة.

 أفضل تريلر لفيلم “ساعة ونص”.

  أسوأ أفلام العام: “على واحدة ونص” بطولة ورقص سما المصرى وإخراج جمعة بدران، و”مهمة فى فيلم قديم” بطولة إدوارد وفيفى عبده وإخراج أحمد البدرى.

أفضل أخبار العام السينمائية: المشاركة المصرية فى مسابقة مهرجان كان بعد غياب طويل بفيلم “بعد الموقعة”، والمشاركة فى قسم “آفاق” فى مهرجان فينسيا بفيلم “الشتا اللى فات”، والإصرار على عقد دورة مهرجان الإسماعيلية للأفلام الوثائقية رغم مواكبته لإعلان الإنتخابات الرئاسية العصيبة، وعقد مهرجان القاهرة السينمائى رغم مواكبته لفوضى الإعلانات غير الدستورية التى جعلت البلد على شفا حرب أهلية، وفوز فيلم “الخروج للنهار” للمخرجة هالة لطفى بأكثر من جائزة فى مهرجانات عربية مثل قرطاج وابو ظبى، وفوز عمرو واكد بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان دبى عن دوره فى فيلم “الشتا اللى فات”، وفوز فيلم “هرج ومرج” بجائزة لجنة التحكيم الخاصة فى نفس المهرجان، وافتتاح 27 شاشة عرض مرة واحدة فى مدينة السادس من أكتوبر من بينها شاشة ايماكس، مما يفتح الباب أمام المزيد من الإستثمار فى صناعة الترفيه السينمائى.

كل عام والسينما المصرية باقية على قيد الحياة، رغم الظروف غير المواتية، ورغم المستقبل الغامض، ورغم تربّص طيور الظلام.

Visited 86 times, 1 visit(s) today