فيلم “استخراج”.. مفهوم جديد لأفلام الأكشن

       لولا النمطية التى وقع فيها صناع فيلم استخراج أو Extraction  لكان فى تقديرى واحدا من أهم أفلام الحركة فى العقد المنصرم ،الفيلم يقدم رؤية ولغة بصرية جديدة ، وتكنيك معقد لتصميم وتنفيذ اللقطات وتتابعها فى شريط لاهث صنع بجهد كبير، هذا الفيلم الممتع بصرياً لا يحاول أن يبهرنا فقط بل يحاول أن يرفع بإصرار سقف المنتظر من أفلام الحركة القادمة .

     الفيلم بطولة النجم الاسترالى كريس هيمسورث الذى قدم مع شركة مارفل أعمالا شهيرة مثل (ثور 2011) وبعدها (المنتقمون 2019) ليصبح كريس بعد هذا النجاح التجاري واحداً من أهم نجوم هوليوود وأعلاهم أجراً.

الفيلم من إخراج سام هارجريف  في أول أفلامه الروائية الطويلة، بعد أن قام بإخراج خمسة أفلام قصيره كان أخرها فيلم   The Shoot عام 2019 ، بالاضافة إلى كونه مصمم حركة ناجح لعدة أعمال شهيرة مثل سلسلة  Avengers، ولهذه المعلومة دور كبير في كيفية قراءة فيلم “استخراج”، فنحن أمام فيلم لا يعتمد بشكل أساسي على المؤثرات البصرية والخدع كباقى أفلام الأكشن فى السنوات الأخيرة بقدر ما يهتم بحرفية اللقطة وسلاسة تدفقها في إيقاع سريع وقوي لا ينقطع كشلال ماء ينهمر من سد عظيم ، فتجد الكاميرا وسط ازدحام بصري كبير تتحول لحاله شبحيه تعبر الجدران وتقفز داخل السيارة دون أن ينفتح الباب ثم تخرج من الزجاج الخلفى المنكسر وتقفز وراء البطل فوق الأسطح ثم تسقط معه من الشرفة

 نجد هذا واضحا خاصة في مشهد المطاردة  الذي أمتد لأكثر من 11 دقيقة اقنعنا فيها المخرج المجتهد بأنه عبارة عن لقطة واحدة  one Shoot دون قطع.  تحركت هنا الكاميرا بحرفية عالية بين الممرات والحجرات والشوارع الضيقة والأسطح مع ظهور الطائرات في عمق الكادر وعلاوة على مئات الأشخاص الذين تحركوا فى ديناميكية مدروسة وتزامن ملفت ،  جهد لايقوم به إلا فريق إخراج رفيع المستوى بذل جهد كبير ليقنع المشاهد بأن صناعة السينما ليست رهن شاشات  الحواسيب وبرنامج الجرافيك فقط .

ألوان نارية

   من المحزن أن يقع فيلم كهذا فى فخ النمطية بداية من القصة التى كتبها جو روسو،  فنحن أمام رجل محطم فاقد الأمل يتم الاستعانة به لإعادة طفل مختطف خطفته عصابة مخدرات فى بنجلادش انتقاماً من أبيه تاجر المخدرات الهندي وخلال عملية الإنقاذ والخروج به من تلك المدينة المحصنة يمتد خيط إنسانى بين هذا الطفل و(تايلر) ويصبح إنقاذ الطفل ليس مجرد مهمة عمل بل واجبا أبويا تجاه طفل استبدله عاطفيا بابنه الذى اختطفه المرض اللعين فيصر رغم تلقيه أوامر بإلغاء  العملية الاستمرار فى مهمة انقاذ الطفل حتى لو كلفه الأمر حياته وكأنه هنا يكفرعن خطايا حياته وتقصيره فى حق طفله الحقيقي ، يحاول هنا السيناريو الذى عانى من نواحى قصور واضحة تأسيس ملمح إنساني كدافع للأحداث. حتى النهاية المفتوحة التى وضعها السيناريو للفيلم جاءت لتأصيل النزعة الفلسفية لمضمون الفيلم وهذا سنراه حين نشاهد الفيلم.

    القصه رغم اعتمادها على رابط إنسانى وعاطفى يدفع أحداثها إلا أنها مكررة ونمطية شاهدناها فى أكثر من عمل أهمهم رائعة دينزل واشنطون وانتوني سكوت (رجل متوقد Man on fire ) كذلك تنميط صورة البلدان الفقيرة وشخوصها في أفلام هوليوود دائما نجد زعيم العصابة السادي الذي يحكم المدين، تسانده شرطة فاسدة مرتشية، أطفال عراة يلعبون فوق أكوام القمامة، صبية تنهشهم أنيات سماسرة الجريمة ، كاميرا ترصد بتعمد القبح والفقر الجاثم على صدور الأزقة الضيقة، صورا نمطية شاهدناها في أفلام عديدة تم تصويرها في دول العالم الثالث مثل الفيلم الأيقوني “مدينة الرب” الذي صور في البرازيل و”المليونير المتشرد” الحائز على ثمانية جوائز اوسكار المصور في مومباي، وفيلم “بابل” الذى أبدعه أليخاندرو غونزاليس ودارت أحداثه بين المغرب والمكسيك وغير ذلك من أفلام عديدة.

والغريب أن تكون دائما الألوان النارية المتأرجحة بين الأصفر والأحمر هي التى تسيطر على مشاهد تلك المدن الفقيرة أو هكذا تراها مرشحات العدسات الهيوليودية وحيقة لا أعرف سببا فنيا واضحا لهذا ولكن يبدوا أن هذا أصبح تقليدا.

لو استطاع الفيلم تجاوز تلك النمطية لاستحق بجدارة أن يكون في مقدمة أفلام الاكشن الاستثنائية التى ستبقى خالدة فى ذاكرة المشاهد  وهذا لا يقلل أبدا من قدر الفيلم فالسينما بالأساس هي لغة الصورة.

 وإن كان هناك مشكلة فى بناء السيناريو وجنوحه نحو التنميط إلا أن السيناريو الاخراجي أو ما يسمى بالديكوباج الذى صنعه سام هارجريف قد عوض الفيلم ما فقده وغفر له ذلاته، هذا المخرج الرائع الذي تخصص في صناعة مشاهد المجازفات والمطاردات عرف كيف ومتى وأين تدور عدساته بأفكار تصويرية جديدة ومبتكرة على مستوى الحرفة والتكنيك وحجم اللقطات وتصميم سينوغرافيا الحيز المكانى الذى تدور فيه الكاميرا علاوة على استخدام زوايا تصوير مختلفة لنفس المشهد كتقنية جديدة للسرد البصري (مشهد موت تايلر فوق الجسر في بداية الفيلم ) وتكراره بزوايا مختلفة فى نهاية الفيلم  ، ولن نكون مبالغين إن قلنا أن مشهد المطاردة الذى امتد لأكثر من عشرة دقائق سيكون مرجعأ بصريا لصناع أفلام الحركة ولم أراد أن يتعلم فن تحريك الكاميرا و بناء اللقطات وتسلسلها في بناء فني محكم .  

السقوط في النهر لا يعنى الغرق

الفيلم يتبنى عقيدة (جون ويك) القتالية حيث يستطيع البطل قتل العشرات كل دقيقة وكل ما عليه أن يغيير خزانة سلاحه ليقتل المزيد. ولما لا؟ طالما أن القتلى من الأشرار المقنعين الذين لا ينتمون لبنى الانسان فليس بالضرورة أن تكون هناك قصة إنسانية وراء كل واحدا منهم ،أنهم مجرد أعداد أعدت للقتل على يد البطل الخارق.

ورغم هذا قدم كريس هيمسورث أداء ملفتا تجاوز المطلوب منه فى فيلم يعتمد على الحركة والقتال المستمر، نجد هذا الأداء المميز في مشاهد عديدة من أهمها حين يحكى تايلرعن فقده لابنه الوحيد فى مشهد مفعم بالاحاسين لأب محطم داخليا حتى لو استطاع تحطيم العالم  كان أداء كريس مقنع ومتزن وصادق وخالى من المبالغة  مما يثبت أنه ممثل مجتهد لايرتكن فقط لقدراته الحركية . كذلك باقي فريق العمل المتعدد الجنسيات مثل الممثل البولندي الهندي الأصل رانديب هودا الذي قام بدور ساجو الذي جمع بين إجادة الاداء الحركي والدرامي والمغنة الايرانية غلشيفته فراهاني والممثل الامريكي ديفيد هاربر كانت أدوارهم مقنعة وادائهم مميز.

في النهاية نحن أمام فيلم أكثر من جيد يحمل تكنيك مختلف أراد مخرجه أن يقدم أوراق إعتماده كمخرج من الوزن الثقيل من خلال عمله الروائي الأول فهل ستقبل هذه الأوراق سنعرف حتما في أعماله القادمة .

Visited 87 times, 1 visit(s) today