عاشوراء في إيران- السينما والتليفزيون: أداة للتمويه
الکبر قاسم
شهر محرم بحلوله في كل سنة، يترك آثاره على الحياة اﻹجتماعية والثقافية في ‘إيران’ و من ضمنها ساحة السينما والمسلسلات بحيث تختفي في هذا الشهر وما بعده شهر صفر، الافلام الكوميدية او ما يماثلها، عن اﻷنظار ويتم عرض تلك التي فيها الحزن والمأساة.
لذلك يطلق اهل السينما على هذه الفترة، فترة “احتضار السينما” فلا يوجد استقبال يذكر للأفلام.
المسلسلات واﻷفلام التليفزيونية ايضا ليست بمعزل ولا بمأمن من هذه الهجمات العاشورائية العمياء والصماء التي لا تستند الى روية ولا فكر بل تتكأ على اﻷذواق الشخصية ومقولة “الجمهور عايز كده”. نعم، انما جماعة قليلة تريد هكذا ولكن الكثيرين ضجروا من الوضع الراهن.
هذه المسألة ليست بجديدة على الشارع الايراني، لقد كانت قبل الثورة الاسلامية واﻹطاحة بنظام الشاه ايضا ولكنها لم تكن بهذه الشدة والحدة. انما في العهد السابق كان يتم اغلاق الحانات والبارات وحفلات الرقص و… من اليوم التاسع (تاسوعاء) الى اليوم الثاني العشر فيمتد حتى يصل المسرح والسينما لكي تبدأ احتفالات اخرى بطقوسها الخاصة بريادة الناس دون تدخل الدولة – خلافا لما نراه في العصر الحالي- من ضمنها اقامة المسرحيات التي تسمى “الشبيح” او “التعزية” والتي تروي مقتطفات من الأحداث الدامية التي حدثت بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية في سنة 60 الهجرية فانتهى بمقتل الحسين واصحابه، مع اضافة شيء من توابل الخرافات عليها بنية التأثير الشديد، ومن نوايا حكومية اخرى ارتدت رداء الوجود والظهور، بنية اضفاء القداسة على الحكام، وأنهم خلفاء الله على البرية والبهيمة، بالمثل، قال لي احد الذين شاهدوا تلك المسرحيات: انه كان فيها رجل يرتدي جلد “اﻷسد” ويقوم باﻷداء فيها. انما اﻷسد هذا الحيوان المتمكن من امره كان منذ القرون الخالية رمز القدرة والسلطة والشاه بإيران، ومازال هكذا.
هذه كانت “إيران قبل الثورة” ولكن اﻷوضاع تغيرت كثيرا في “ايران بعد الثورة” عندما سيطر رجال الدين على السلطة فخرج عاشوراء عن طقس احتفالي ديني تاريخي يشاركه الجميع، الى قضية الحق و الباطل فصار الحسين رائد الثورة و الانقلاب على الظلم، والدفاع عن المظلوم، فتبعا لذلك جلس “الخميني” رائد الثورة الايرانية مجلس الحسين واستوعب سلطته اﻹمامية واﻹلهية فنتيجة لذلك اكتسبت الحكومة ومتولوها سمة القداسة والحقانية فاصبح الخميني خليفة الله فهو حق، فقوله حق، فطاعته واجبة على الجميع ومن خرج عليه ظالم وكافر بالله ﻷنه بخروجه قد خرج عن سلطة اﻹله.
لكن بعد مضي اﻷيام واﻷعوام وبعد ان استقرت وثبتت أقدام الحكومة على الارض والشعب تغيرت الاوضاع تغييرا جذريا فاصبحوا يحاولون الابقاء على السلطة بكل قوة، وصاروا يحلبون الدنيا درها بالدين.
في هذا الاطار استثمرت الفن ولاسيما فن السينما، تأييدا وتأكيدا على حقانيتها فصنعت افلام كثيرة وبخاصة المسلسلات بالرعاية المالية للحكومة انتصارا للحكومة.
في التلفاز صنعت افلام عن حياة اﻷئمة المعصومين، ائمة المسلمين الشيعة، مثل “اﻹمام علي” عن سيرته الشخصية وحقبة خلافته وفي النهاية مقتله، و”القائد اﻷوحد” الذي تدور حوادثه في ايام حسن بن علي ومعاوية بن ابي سفيان، و”ولاية عشق” الذي يروي الاحداث الجارية في عصر الامام رضا الامام الثامن لدى الشيعة الذي يصادف عهد الخليفة مأمون العباسي، “يوسف النبي”، و”أصحاب الكهف”، والمسلسل اﻷخير كان “مختار” الذي يروي الوقائع التي وقعت بعد مقتل الحسين بحيث يقوم مختار الثقفي بالثأر له ممن قتلوه هو وأصحابه.
المسلسلات يعاد بثها دوريا في القنوات التليفزيونية كل سنة ومسلسل مختار يتم بثه من جديد في كل شهر محرم ويعرض حاليا في احدى القنوات.
هذه المسلسلات عادة تحقق استقبالا واسعا لأسباب عدة، إذ ترصد لها ميزانيات كبيرة ويوظف لها من الكتاب والمخرجين والممثلين والمهنيين اﻵخرين، من يتميز بالكفاءة والمهارة في عمله وأدائه، ايضا ديكوراتها واكسسواراتها تصنع بشكل جيد، وكذلك يوجد هناك شئ من الخوف من بعض المؤمنين، إذ المسلسلات الدينية مغلفة باﻹيمان والقداسة، لو شعر المشاهد المؤمن بشيء من اﻹهانة بإيمانه او بقداسة محبوبه لانقلبت الاوضاع رأسا على عقب ووجد الصناع أنفسهم في مهب الخطر والحكومة دوما تخشى منه ﻷنها تحكم الناس باسم الدين.
اما بالنسبة للسينما فقد انتج فيلم “ابراهيم خليل الله” وقصته معروفة لدى المسلمين وترتبط بتشييد الكعبة و طقوس الحج وذبح إسماعيل.. الخ. الفيلم لم يحقق نجاحا ملحوظا. والفيلم اﻷخير هو “محمد رسول الله” بإخراج المخرج مجيد مجيدي، الذي يمتد ثلاث ساعات وتم انتاجه بميزانية ضخمة للغاية، ولم يحقق نجاحا جماهيريا ولا نقديا وارتطم بجدار الرفض و عدم اﻹقبال بحيث قامت الحكومة ببيع التذاكر لموظفي مؤسساتها إما بنصف السعر واما مجانا، والفيلم بعد مدة قصيرة ولج في طور المحاق اﻷبدي وطواه النسيان.
حينما شاهدت اﻹعلان الترويجي له على شاشة التلفاز تذكرت اﻷفلام الهوليوودية التوراتية بسماتها الخاصة ولم أر فيه شيء من المسحة العربية والرائحة الاسلامية بحيث يطغى عليه التصنع والخيال، لهذا تخليت عن مشاهدته حتى على شاشة التلفاز. انما الناقد أمير العمري له نقد على الفيلم اذ انه قد شاهده بإيران في عرض خاص اقيم لحضرته، وأنا يوم قرأت المقال وجدت الفيلم كما توقعت.
اما هذه اﻷفلام والمسلسلات الدينية لدى الكثيرين تتخذ ميزة الترفيه والتسلية بخلاف البعض الذي يأخذها بمأخذ الدين والايمان والقداسة والحق. اما السلطة الحاكمة نواياها فهي إضفاء صفة الحقانية على نفسها وتصرفاتها واستجلاب عواطف الناس ومشاعرهم اليها لكي تتمادى في تربعها على العرش وتخمد وتمتص احتجاجاتهم وتخرج اليهم بإدعاء ان مسيرتها مسيرة الدفاع عن الحق والتشيع للمظلوم.
اصحاب السلطة ورجال الدين
في إيران ممنوع نقد الحكوميين والوزراء وغيرهم في اﻷفلام وخاصة المسلسلات ﻷن التلفاز والسينما تديرهما الدولة ويخضعان لها. فلابد ان نراهم في صورة أفراد جهاديين مخلصين لله غير مرتشين وهذا اﻷمر يرجع الفضل فيه للمرشد الاعلى الايرانية الخامنئي (شاه إيران) بحيث حسب تصريحاته تسير امور المملكة، انه دوما ينتصر لهم، فلا مفر لباقي المسئولين شاءوا ام أبوا، عن القول بخلاف ما قاله.
وممنوع ايضا انتاج الافلام التي تقلل من شأن رجال الدين وخاصة اصحاب اﻹجتهاد منهم. في التلفاز الايراني، الخامنئي يعادل النبي وخليفة النبي فلا يمكن المساس بكرامته واقواله فهو حق لا ريب فيه.
وايضا محظورة الافلام التي تقلل من شان القضاة والوزراء ورئيس الجمهورية انهم لابد ان يحاطون بهالة من البراءة والاخلاص.
والجنس في اﻷفلام والمسلسلات اﻹيرانية محظور ومرفوض بالتمام ولاي مكن التحدث عنه وذلك يعود للثقافة السائدة المألوفة بين المسلمين ويصنف الحديث عنه من صنف قلة الحياء واﻷدب السلوكي واﻷمور المخجلة. انا شخصيا لا احب حضوره في الافلام ولا اجادل عنه اللهم الا اذا كانت الحبكة او القصة او الرواية لا تتم الا به وتبقى ناقصة غير مكتملة بدونه. ولكن ما نراه في كثير من الأفلام من الجنس والعري ليس ناتجا عن مسار حبكة الفيلم ولا داعي لذاك بل الصناع يضيفون الجرعة الجنسية استجلابا لمزيد من المشاهدين واستدرارا لمزيد من اﻷرباح.
البعض قائل بأن الجنس جزء مهم من الحياة الانسانية الجسدية فحضوره على الشاشة امر عادي. نعم، هذا صحيح ولكن ليس يحضر داخل السينما كل ما هو مهم داخل الحياة، في السينما نحن نختار ماذا نستجذب وماذا نستبعد.