صناعة السينما السعودية: من الأحواش إلى نتفليكس
منار خالد
مرت صناعة السينما السعودية بمراحل مختلفة، تبدأ من فترة الثلاثينيات التي مثلت انتعاشة مبدئية لوجود دور عرض سينمائي، وأول من قام بإدخال دور العرض بها كانت شركة “كاليفورنيا العربية الأمريكية للزيت القياسي” والتي تحول اسمها فيما بعد إلى شركة “أرامكو” وذلك على يد الموظفين الغربيين العاملين بها، ثم قامت الشركة نفسها بإنتاج فيلم وثائقي عن “تدشين أول بئر بترولي بالمملكة
أنتج فيلم “الذباب” في عام 1950 ومدته 30 دقيقة، وتم تصويره بمدينة الهفوف بالإحساء وعرضه للسكان في المنطقة الشرقية، وهو من بطولة حسن الغانم، وذكر الغانم في أحد لقاءاته الإعلامية أن ذلك الفيلم شارك في صناعته طاقم من هوليوود.
ومنها انتشرت دور العرض السينمائي بعدما كانت تقتصر في البداية على التواجد داخل المجتمعات السكنية الخاصة، لتصل إلى عدد أربع دور عرض بمدن سعودية مختلفة، وهي الرياض، جدة والطائف وأبها.
وكانت الوسيلة الدعائية حينها عن طريق الميكروفونات التي تقوم بالإعلان عن الأفلام للناس في الأسواق.
تطورت المرحلة أكثر ليصل عدد دور العرض في مدينة جدة فقط إلى 30 دارًا، بأسعار تذاكر حينها تتراوح بين “3: 10” ريالات.
وزاد عدد دور العرض في الرياض، لدرجة أن أطلق سكان أهل الرياض على منطقة دور العرض فيها “حارة السينما”، وكانت تقع في حي المربع وتجمع عددًا كبيرًا من أماكن عرض الأفلام، وسجلت حينها أعلى أرقام للإقبال على تأجير الآلات والمعدات السينمائية.
مرحلة الأحواش
تم تأسيس دار عرض في المدينة المنورة، وأطلق عليها “حوش السينما”، بل وأطلق على تلك المرحلة كلها مرحلة “الأحواش السينمائية”، ذلك لأن الأحواش في اللهجة المحلية، هي مفرد حوش، وتعني فناء المنزل، أي تلك المساحات الكبيرة الملحقة بالبيوت، التي استغلها بعض المهتمين بالسينما لتحويلها إلى صالات عرض للأفلام.
كانت بكرات السينما تبدأ في الدوران كل يوم من بعد صلاة المغرب وتنعكس الصورة على شاشة بيضاء، أشبه بــ “البروجيكتور” اليوم، ولكن ببدائية أكثر نظرًا لعدم بزوغ التكنولوجيا بعد.
كما اقتصر حينها جمهور سينما الأحواش على الرجال فقط، ثم بالتدريج ظهرت السيدات والعائلات كجمهور أساسي يجلس في المقاعد الخلفية.
بوادر رقابية
في الفترة بين نهاية الستينات وبداية السبعينات، شهدت المملكة بدايات انتشار دور العرض بين السكان المحليين، بجانب وجود صالات عرض للمواطنين السعوديين في الأندية الرياضية المحلية، مع استمرار سينمات الأحواش بين الرياض وجدة والطائف وأبها والدمام، إلى جانب وجود بعض العروض السينمائية أحيانا داخل السفارات الأجنبية. كما ظهرت حينها ملامح أولية للرقابة مع قيام الهيئة السعودية بجولات تفتيشية على هذه الدور للتأكد من خلوها من أي مقاطع إباحية، دون النظر في مضمون الفيلم أو باقي تفاصيله.
مرحلة توطين الإنتاج السينمائي
يعتبر فيلم “الذباب” هو أول فيلم محلى في السعودية، وكانت مدته 30 دقيقة تقريبًا، يليه في الأهمية فيلم “تأنيب الضمير” عام 1966 للمخرج السعودي “سعد الفريح”، ومن بطولة الممثل السعودي أيضًا حسن دردير، وهو أول فيلم سينمائي سعودي تم تصويره بكاميرا سينما 16 ملم.
وفي عام 1975 تم إنتاج فيلم “تطوير مدينة الرياض” ثم فيلم “اغتيال مدينة” عام 1977، للمخرج السعودي “عبدالله المحيسن”، والذي تدور أحداثه حول الحرب الأهلية اللبنانية ومدى الضرر الذي ألحقته بمدينة بيروت، ومن الأحداث السعيدة حينها أن الفيلم حصل على جائزة “نفرتيتي” لأفضل فيلم قصير، ثم عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في العام نفسه، لكن سرعان ما تتعطل تلك المسيرة التي كانت على مشارف الانطلاق الحقيقي.
مرحلة التشدد
شهدت فترة الثمانينات تراجع وهبوط بعد الخطوات الجيدة التي حققتها السينما السعودية في المراحل السابقة، ويعود ذلك بفعل التغييرات الدينية والاجتماعية وموجة التدين الشهيرة.
وتمثل ذلك في غلق أول صالة للسينما بالسعودية بسبب فيلم “البدوية العاشقة” بطولة سميرة توفيق، وتسبب أحد المشاهد في هذا الغلق، نظرُا لأن الممثلة اللبنانية كانت تؤدي “غمزة” أحدثت عراكًا كبيرًا بين جموع الجماهير بسبب ادعاء كل شخص أنها تقصده وحده بها، وتدخل رجال الأمن حينها لفض المشاجرات.
ثم تطورت المرحلة بغياب دور العرض تمامًا وغلقها كليًا، واستمرت محاولات تلك الفترة في إنتاج أفلام سعودية، لكنها تسببت أغلبها في توجيه اتهامات لقطاع السينما السعودية أنه يروج للانحلال والمخالفات الشرعية، مما أدى إلى الغلق النهائي لكافة دور العرض السينمائي بالمملكة، وأصبحت مجرد فكرة إنتاج فيلم سينمائي منذ فترة الثمانينيات في نظر كثيرين “جريمة أخلاقية محرمة” ولم تنتج السعودية حينها إلا بعض التجارب الشبابية للأفلام القصيرة أغلبها تجارب مستقلة وفردية.
عودة غير مكتملة
عادت السينما السعودية من جديد عام 2006، محاولة استعادة قوامها، وذلك يعود إلى كثرة إنتاج الروايات الأدبية وقتها، التي أدت إلى وجود حراك فني شمل معه السينما أيضًا، فظهر الفيلم السعودي “كيف الحال” والذي تم إنتاجه في العام نفسه، من بطولة الممثلة الأردنية ميس حمدان والممثل السعودي هشام الهويش. وتدور أحداثه حول حياة أسرة سعودية بين التحرر والتقاليد عبر أجيالها الثلاثة. وتدور حبكته عن الصراع بين التشدد الديني والحرية.
وفي عام 2008، بدأت فيه السينما تقتحم عالم المهرجانات بشكل أكبر، بسبب إنتاجات أفلام الشباب، وبزوغ التكنولوجيا، واستخدام الكاميرات الديجيتال والكمبيوتر، وظهور فريق شبابي اهتم بإنتاج الأفلام القصيرة.
استمرت المحاولات وصولًا لعام 2017 بصدور قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، بفتح دور عرض سينمائي من جديد، ووضعت الهيئة وقتها شروطًا رقابية صارمة حول سلامة المحتوى وخلوه من أي قضايا دينية أو إباحية، أو أي شئ يؤثر على سلوكيات وأفكار المجتمع السعودي بالسلب.
السينما السعودية تنتعش
منذ عام 2018 إلى عامنا الحالي 2023 شهدت السعودية، نموًا ملحوظًا في أعداد دور العرض، والخدمات المساندة لصناعة الأفلام، مما أثمر عن كثرة إنتاج الأفلام، وتحسين جودتها، وذلك بسبب كثرة عدد شركات الإنتاج والعرض والمنتجات المحلية السعودية.
وقد بلغ إجمالي السجلات التجارية الحالية لشركات إنتاج الأفلام ما يقارب 1510 سجلات تجارية بنهاية عام 2022، ووصل عدد شاشات السينما إلى 584، وعدد دور السينما إلى 63 دار عرض موزعة على مناطق المملكة بنسبة زيادة في دور السينما تعدت 100% عن 2020. كذلك الأفلام المنتجة المحلية وصلت إلى أكثر من 11 فيلمًا روائيًا مقابل 7 أفلام أُنتجت في عام 2021.
وبالتبعية زادت أعداد مبيعات تذاكر السينما والمنصات الرقمية المتاحة للمُشاهد السعودي، مما ساهم في المنافسة الكبيرة بين شركات السينما في تطوير وجذب الجمهور من خلال مرافق العرض الحديثة وخدمات كبار الضيوف، وهو ما أدى إلى تحسين التجربة السينمائية بشكل عام. إضافة إلى انتشار صالات السينما، ويتضح ذلك أكثر مع وجود أفلام في عام 2022 حققت نجاحًا لافتًا على مستوى الجماهير والأرقام مثل: فيلم “سطار”، وفيلم “الهامور”. ومؤخرًا فيلم “راس براس”، وكذلك فيلم “الخطابة” الذي تم طرحه هذا العام ٢٠٢٣ على منصة نتفليكس.
المصادر:
إبراهيم الحسين، بالصور.. قاعات سينمائية في السعودية قبل ٤٠ عامًا، منصة العرب نت.
صفاء محمد الزوري، العوامل المؤثرة على أداء القائمين بالاتصال في السينما السعودية.
عبدالرحمن الغنام، نظرة على المستقبل.. توجهات صناعة السينما السعودية وفرص التوسع والنمو، موقع مركز سمت للدراسات.
قصة غمزة “سميرة توفيق” التي تسببت بإغلاق أول سينما سعودية قبل 60 عامًا، موقع نبض.
محمد جراح، من الأحواش لصالات AMC .. هذه قصة السعوديين مع السينما، موقع العربية.
ميرزا الخويلدي، السينما في السعودية.. الشباب يكسبون الجولة، جريدة الشرق الأوسط.
هاميس المناوي، السماح بفتح دور العرض يعيد إلى الأذهان تاريخ السينما السعودية، منصة الغد.