“صاحب المقام”: الفكرة النبيلة وحدها لا تصنع فيلما جيدا
دائما ما يُقال أن أزمة السينما المصرية في العقود الأخيرة هي الكتابة.. الورق كما يقول البعض أو السيناريو والحوار كما هي التسمية الأكاديمية وهذا ما نراه جلي في فيلم “صاحب المقام”، منذ الدقائق الأولى تنهال على آذان المشاهد قدر كبير من الحوار الأشبه بمناقشة الندوات وتداول وجهات النظر بما يتلائم وفن كتابة المقال، ويستمر هذا الكم من الحوار الذي غلب عليه الزخم، السؤال هل حقا احتاج الفيلم لكل هذا الكم من الحوار والتوضيحات التي توجه المشاهد على مدار أحداث الفيلم؟
لم يكن فيلم “صاحب المقام” الأول في طرح قضية الأضرحة والأولية وإن كانت قليلة حيث سبقه لها فيلم “للحب قصة أخيرة” لمخرجه وكاتبه “رأفت الميهي” الذي تعرض إلى قضية الأضرحة والإيمان بين كفتي الجهل والعلم، المختلف بين الفيلمين هو الطرح أو بمعنى آخر لماذا يناقش الفيلم الأضرحة ويضعها كعنصر أساسي داخل أحداث الفيلم؟
يتعاطى فيلم “للحب قصة أخيرة” مع الأضرحة بقدر من الانتقاد الذي لا يخفى ضمن حوار الشخصيات، في حين يعزز فيلم “صاحب المقام” لقيمة الأولية وهو أمر ليس بالضرورة أن تكون معه أو ضده، تكمن الأزمة الحقيقية للفيلم في صعوبة اعتباره فيلما رغم زخم الأحداث وتباين الشخصيات.
فيلم ولكن!
وذلك لافتقار الشخصيات إلى أي تأسيس لها كما يتعامل الكاتب “إبراهيم عيسى” مع كتابة السيناريو بمنطق تلقين الشخصيات وتحريكها من الخارج ولا حاجة إلى التعمق في أبعاد شخوص فيلمه، لهذا ظهرت أغلب الشخصيات سطحية دون عمق يذكر رغم براعة الممثلين في أداء أدوارهم، لاسيما أن الفيلم يغلب عليه استضافة ضيوف شرف كُثر.
طالت تلك الأزمة الأحداث وترتيبها الدرامي والمبررات الدرامية التي دائما ما تتبع بداية المشاهد، وهو ما يجعل الفيلم مليء بالحوارات التي من الممكن أن يتم الاستغناء عنها إذا ما كُتب الفيلم بطريقة أفضل أو الاستعانة بكاتب سيناريو مع الاحتفاظ بحق الكاتب إبراهيم عيسى بفكرته.
رغم تلك الأزمات كانت وتيرة الفيلم المتسارعة وكثرة الأحداث تُغيب أزمات الفيلم لمشاهده، لكن عدم منطقية حوار أو ركاكته أضعفت من توحد المشاهد مع أحداث الفيلم، لاسيما مع البلوت تويست الذي سبق مشهد نهاية الفيلم.
لا يغيب على أحد توجهات إبراهيم عيسى والانتقادات التي تصل إلى حد البغض للفكر السلفي الذي يعتبر متشدد في تعامله مع العديد من القضايا وكذلك ولعه بالجانب التاريخي والصوفي وهو ما ظهر في فيلمه الأخير، ورغم نبل الفكرة لكنها لم ترتقي إلى تكوين فيلما جيدا على صعيد الكتابة، رغم نجاحه في العناصر السينمائية الأخرى.
نجاح بصري
تجربة مخرج الفيلم محمد العدل في السينما ليست طويلة لكن تجربته بصورة عامة في الدراما تبشر به كمخرج وهو ما قدمه في فيلم “صاحب المقام”، حيث شهد العدل تطور ملحوظ على مستوى الإخراج وخلق حالة من التتابع والإيقاع، وذلك بالتوافق مع المونتيرة رانيا المنتصر بالله التي شاركت العدل في عدد من الأعمال الدرامية.
ساندت خبرة مدير التصوير سامح سليم في تقديم صورة سينمائية متوازنة وواضحة المعالم، في الوقت الذي خطفت موسيقى خالد الكمار آذان المشاهد محاولة إضفاء حالة من الملحمية على المشاهد، حتى وإن فشلت في خلق هذه الحالة نتيجة لمباشرة القصة لكن موسيقى الفيلم كانت آسرة وعوضت عن هذا الضعف بعض الشيء.
بالنظر إلى مناخ السينما المصرية الحالية خاصة خلال جائحة كورونا فهناك ركود يضفي بظلاله على صناعة السينما ويمثل فيلم “صاحب المقام” عودة الصناعة إلى العمل من جديد وإن كان اكتفى منتجه “أحمد السبكي” بعرضه على منصة شاهد بدلا من العرض في السينمات كما صرح من قبل.
ما تكاد تألف عين المشاهد عدد من الشخصيات حتى يتم استبدالهم بشخوص آخرين وهذا بحسب حبكة الفيلم المعتمدة على تنوع وإحلال قصص مرتادي ضريح الإمام الشافعي ليعينهم “يحيى” الذي يلعب دوره آسر ياسين بعد تعرضه إلى أزمة طالت زوجته ما إن قام بهدم أحد الأضرحة، ولهذا يقرر مساندة من راسل الإمام الشافعي طلبا للعون في الأزمات.
نجاح الضيوف وغياب الأبطال
هذه القصص لم تكن ثقيلة خاصة أنها سايرت أزمة “يحيى” وتضافرت مع أزمته، كما منحت المشاهد قدرا من التمثيل الجيد على مختلف القصص التي قدمت، وتعتبر قوة الأداء أحد عوامل نجاح الفيلم، خاصة أن الشخصيات الدرامية لضيوف الشرف تنطوي على قدر من الشجن العاطفي والإنساني وهو ما احتاج إلى أداءات مميزة لتعبر عنه، رغم مباشرة الحوار في أغلب الأحيان.
أما عن الأدوار الرئيسية فنتيجة لغياب التأسيس للشخصيات فقدت هذه الشخصيات الكثير من العمق وهو ما أثر على قراءة المشاهد لها وتعاطفه أو دعمه لها ولدوافعها، فكثيرا ما تنطلق الأفعال وحدها دون الشخصيات ويرجع هذا إلى عدم الربط الدرامي بين الشخصية وما يريد أن يقوله مؤلفها لهذا تظهر كظل بلا أبعاد.
وسط زخم الأحداث يضيف الكاتب إبراهيم عيسى قدر من الكوميدي التي ساعدت في موازنة الأحداث وهي كوميديا موقف، ساعدت في التقاط المشاهد لأنفاسه وسط مارثون الأحداث الذي لا يتوقف، في الوقت الذي تتسم كتابات إبراهيم عيسى الأدبية بوجود النفس في الإيقاع يحتاج الفيلم إلى القدر نفسه حتى يتنفس الصعداء وتتوقف الشخصيات للحظات لتفكر فيما تريد أن تفعل وحدها.