سيرجى أيزنشتاين: أسلوبه ومنهجه وأفلامه

اسمه بالكامل سيرجى ميخايلوفيتش ايزنشتاين، وُلد فى 23 يناير عام 1898 فى مدينة ريجا– لاتفيا، وأصبح واحدا من اشهر صناع السينما فى النصف الاول من القرن العشرين.

ينتمى نسبه من ناحية جديه الى اصول يهودية، وكان والده يعمل فى بناء السفن حتى عام 1910، وهى السنة التى انتقلت فيها العائلة الى سانت بطرسبورج، حيث كان لتدربه على فن العمارة والهندسة اثره الكبير فى عمله السينمائى لاحقا.

تأثر ايزنشتاين بمفاهيم عصر النهضة عن المساحة والحيز، كما  درس اعمال ليوناردو دافنشى وتأثر بكتابة فرويد عن دافنشى.

وقد حاول أن يسد الفجوة فيما احسه من تشوه للمساحة والحيز الناتج عن التكنولوجيا عبر سعيه الى تحقيق ذلك فى اخراجه للافلام.

حاول ان يفهم كيف أن الأحاسيس فى عصر الآلة يمكن ان تندمج مع اسلوب عصر النهضة العظيم وكيف ان انسانية الماركسى يمكن ان يكون لها جذور فى روح فن القرن السادس عشر فى ايطاليا، ذلك الفن الذى سُمى الكواتروسنتو.    

تم تجنيده فى الجيش الاحمر، وتعاون فى تنظيم وبناء النظام الدفاعى، وفى هذا العمل بدأ مشواره الفنى كسينمائى عبر انتاج افلام ترويحية للجنود، ثم قرر ان الحياة العسكرية لا تناسبه.

وفى عام 1920 دخل مسرح البرولتكولت (مسرح العمال السوفيتى) فى موسكو وعمل مهندسا مساعدا للديكور، وسرعان ما اصبح مخرجا ولكنه فى جميع اعماله لم ينس ابدا مهامه السياسية وحتى عندما اصبح مخرجا سينمائيا مشهودا له فى النظام الشيوعى.   

المونتاج الذهنى او الدعائى

كان فيلماضرابالثورى هو اول افلامه وقد تم انتاجه فى عام 1924 وتبعه بنشر مقالته الاولى فى نظريات المونتاج فى مجلة (ليف) التى كان يرأس تحريرها الشاعر العظيم ماياكوفسكى.

اسسأيزنشتايناسلوب مونتاج جديد، ذلك المعروف باسم المونتاج الذهنى او الدعائى او التحريضى، وهو الاسلوب الذى يقول بضرورة الاختيار القصدى للقطات بمعزل عن سياق الحدث، ضمن خلق كل ما من شأنه احداث التأثير النفسى فى ابلغ صوره.    

وعلى ضوء ذلك، فان المخرج السينمائى يجب ان يهدف الى تشكيل وعى المشاهدين عبر العناصر التى تقودهم الى الفكرة التى يريد المخرج ان يوصلها لهم، ويجب على المخرج ان يعمل لوضع الجمهور فى الحالة الروحية والموقف النفسى وهذا ما يمنح الحياة لتلك الافكار، كما ان ايزنشتاين كان يرى ان السينما نشاط مركب يجمع بين الفن والعلم.

لقطة من فيلم “الاضراب”

هذه المبادئ هى التى استرشد بها ايزنشتاين طوال مشواره السينمائى، كما كان لها تأثيرها على مخرجى السينما منذ ذلك الوقت وحتى الآن، نظرا لاختلافها الجذرى عن الاسلوب الامريكى فى السينما والذى يعتمد على المونتاج السردى.

أفلام ايزنشتاين

فى فيلم “اضراب” الذى يعيد تجسيد عملية القمع التى مارسها جنود مدينة سار على المضربين، مزج ايزنشتاين بين لقطات للعمال يتساقطون تحت نيران المدافع وبين لقطات لذبح الخراف فى المذبح، ونتج عن ذلك تأثير مُذهل رغم تشويه الحقيقة الموضوعية.

وفى عام 1925 ومن اجل احياء ذكرى ثورة 1905 أشاد الحزب الشيوعى بفيلم بوتمكن والمعروف ايضا باسم “المدرعة بوتمكن”، وقد تم تصوير هذا الفيلم فى ميناء اوديسا على البحر الاسود، واختير الفيلم فى عام 1957 من خلال تصويت نقاد السينما من جميع انحاء العالم باعتباره احسن فيلم فى تاريخ السينما.

والفيلم التالى لايزنشتاين كان فيلم “اكتوبر” الذى يدوم ساعتين وهو معروف ايضا باسم آخر هو “الايام العشرة التى صدمت العالم” وهو يتعاطى مع التحولات الثورية بين شهرى فبراير واكتوبر من عمر الثورة، حيث يظهر لينين ويظهر الصراع بين البلاشفة وبين اعدائهم.   

الفيلم الملحمي

وبعد عدة افلام مثيرة للجدل مثل فيلم “القديم والجديد” و”الخط الرئيسى” و”المعنوية الشاعرية” و”رعد فوق المكسيك”، استطاع ايزنشتاين عمل الفيلم الملحمى عن العصور الوسطى والذى اسمه “الكسندر نيفسكى”، متزامنا مع سياسة ستالين فى تمجيد ابطال روسيا.

أنتج هذا الفيلم عام 1938 وهو يُظهر الروح الجماعية، ويستعين فيه بموسيقى بروكوفيف، ذلك الموسيقار الروسى الشهير حيث يمزج بين الصورة والموسيقى فى وحدة ايقاعية مترابطة.

وظل ايزنشتاين يسعى لنشر مهنة الاخراج السينمائى، كما استفاد من اهتمامه المبكر بمسرح الكابوكى اليابانى ودراما (النوه) واسلوبهم فى استخدام الاقنعة، حيث ظهر هذا فى فيلمه “ايفان الرهيب”.

واثناء الحرب العالمية الثانية ، بدأ ايزنشتاين يعمل فى فيلمه الملحمى الذى يدور عن ايفان السادس فى مدينة سار، وهو عن تللك الشخصية التى كانت محل اعجاب ستالين، وقبل ان ينتهى من الجزء الثالث من هذا الفيلم وافته المنية، بعد ايام قليلة من عيد ميلاده الخمسين، كان ذلك فى 11 فبراير من عام 1948.

ان دوره كسياسى ربما كان محدودا، لكن انجازه فى نظرية السينما والمونتاج لا يمكن ان يُنسى.

من فيلم المدرعة بوتمكن

المدرعة بوتمكن

يتناول الفيلم حادثة تمرد بحارة المدرعة بوتمكن على ضباط المدرعة والتى حدثت فى عام 1905، وكما اشرت من قبل فان هذا الفيلم تم اختياره افضل فيلم فى تاريخ السينما العالمية طبقا لاقتراع نقاد العالم فى عام 1957 ، وهو يُعتبر أيضا من اكثر الافلام الدعائية تأثيرا فى تاريخ السينما فى العالم.

وينقسم هذا الفيلم الصامت الذى يستخدم العناوين، الى خمسة اقسام كل قسم يحمل عنوانا هي:

1-   الرجال والدود. حيث يحتج البحارة على اللحم الفاسد الذى يكشف عنه طبيب المدرعة ويقٌول انه صالح للاكل.

2- دراما على سطح السفينة، وفيه يتمرد البحارة حيث يتم قتل فاكولينشوك.

3- رجل ميت ينادى بالعدالة، وفيه نرى اهل مدينة اوديسا يشيعون جثمان فاكولينشوف.

4- سلالم الأوديسا، اشهر مشهد فى تاريخ السينما ويتم الاشارة اليه دائما فى ادبيات المونتاج السينمائى لتوضيح نظرية المونتاج الذهنى او التحريضى، وفيه نرى المذبحة التى تعرض لها اهل مدينة اوديسا وهى من خيال ايزنشتين.

5- لقاء مع الاسطول، وفيه يتم انهاء مهام المدرعة بدلا من تخفيض مهامها، فيُهلل البحارة.

كتب ايزنشتاين هذا الفيلم ضمن نوعية السينما الدعائية الثورية، كما اختبر فيه نظريته عن المونتاج الذهنى او التحريضى، وهى النظرية التى اختبرها مخرجو السينما السوفييت فى مدرسة كوليشكوف، بهدف التأثير على الجمهور من خلال المونتاج.

وقد حاول ايزنشتاين ان يُمنتج الفيلم بنفس الطريقة لكى يُحقق اكبر تأثير عاطفى على الجمهور، وذلك بجعل الجمهور يتعاطف مع بحارة المدرعة بوتمكن الثائريين، وان يصبوا جام غضبهم على سادتهم، على  غرار كل الافلام الدعائية، التى تهدف الى شحن الجمهور عاطفيا وتوجيههم الى الانحياز للجانب التى يدعو لها الفيلم. 

كان اسلوب ايزنشتين ناجحا فى هذا الفيلم، لكنه شعر بالاحباط نتيجة لعدم اقبال الجمهور على هذا الفيلم، لكن الفيلم – من جانب آخر – تم توزيعة فى بلدان شتى حيث كان استقبال الجمهور له ايجابيا، لكنهصدم الجمهور السوفيتى وجمهور البلدان الخارجية، ليس بسبب مضمونه السياسي، ولكن بسبب مشاهد العنف التى لم يكن الجمهور معتادا عليها فى ذلك الزمان.

ان هذا الفيلم تمت الاشادة به من قبل جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازى فى ألمانيا باعتباره فيلما رائعا لا مثيل له فى السينما، فاى شخص يُشاهد هذا الفيلم – طبقا لجوبلز-  يمكن ان يُصبح بلشفيا حتى وان لم تكن له ميول لهذه العقيدة السياسية. 

سلالم الاوديسا

اكثر مشاهد الفيلم احتفاءا على صعيد النقاد فى العالم كله، هو مشهد سلالم الأوديسا التى شهدت مذبحة مواطنى المدينة، وفى هذا المشهد نرى جنود (سار) يصطفون فى طابور يبدو طويلا، بينما مظهرهم النظامى وحركاتهم تبدو كآلة جهنمية، ويطلقون النار على الجمهور، بينما جزء من هؤلاء الجنود يُحاكمون الحشود فى اسفل سلالم الاوديسا.

من بين الضحايا امرأة عجوز، وطفل رضيع مع امه، وطالب فى زى المدرسة وتلميذة فى سن الصبى، كما ان احدى الامهات تدفع طفلا فى عربته الصغيرة، ثم تسقط ميتة على الارض بينما عربة الطفل تتهاوى على سلالم الأوديسا بينما الناس يهرعون هربا.

هذه المذبحة لم تحدث ابدا على سلالم الاوديسا، ولكن الحقيقة ان ميناء الاوديسا على البحر الاسود شهد فعلا تظاهرات شعبية كبيرة من اهل المدينة اثناء انتظارهم لوصول المدرعة بوتمكن، وافاد مراسل جريدة التايمز البريطانية ان الجنود اطلقوا النار على الحشود وان اناسا – ليس معروفا عددهم – قد قُتلوا

مصادر المقالة

1 – http://www.russianarchives.com/gallery/old/eisen.html

2- http://en.wikipedia.org/wiki/The_Battleship_Potemkin

Visited 109 times, 1 visit(s) today