رحلة مارتن سكورسيزى في السينما

Print Friendly, PDF & Email

ترجمة: ممدوح شلبى

مارتن سكورسيزى – واستشهادا بجميع المراجع السينمائية – هو أكثر صانعى الافلام شهرة فى هذه الحقبة، لقد ارسى قواعد السينما الأمريكية الحديثة طوال السبعينات والثمانينات.انه يمتلك أسلوبا سرديا خاصا وأسلوبية فى الصورة كما لو انه يعيش ويتنفس السينما.

لقد حطى بشهرة تتناسب  مع شغفه بالسينما وقدراته التى وظفها فى سلسلة من الافلام الرائعة، وكان يعمل عكس التيار السائد، وبدأ العمل فى السبعينيات وسرعان ما بدا عملاقا فى صناعة السينما.لقد حقق الشهرة وحظي بالاشادة على مستوى العالم مثل كل نظرائه من عباقرة السينما، لقد عاش حياته مدافعا بلا كلل عن السينما، كما عمل على تقليص الفجوة بين ماضى السينما ومستقبلها مثلما لم يفعل اى مخرج آخر.

وقد تحدث سكورسيزى عن السينما التى الهمته فذكر أنه تأثربالكلاسيكيات الهوليودية والموجة الجديدة الفرنسية وحركة السينما السرية فى نيويورك – تلك التى ظهرت فى بداية الستينيات.أعاد سكورسيزى روح هذه السينمات عبر ابداعه ورؤيته الخاصة، وظلت افلامه دائما معبرة عن سينما طليعية، تدفع نحو تزويد التجربة السينمائية بنوع من الطاقة والاقدام، وهو أمر لم يستطع ان يحققه أى من مخرجى جيله.

البدايات

وُلد سكورسيزى فى 17 نوفمبر عام 1943 فى منطقة فلاشنج فى نيويورك وكان الإبن الثانى للأب تشارلز سكوسيزى والام كاثرين سكورسيزى.وقدظهر كل منهما كضيفينفى افلامه، وفى طفولته عانى سكورسيزى من حمى حادة، وعلى اثر ذلك حُرم من المشاركة فى الالعاب الرياضية وباقى الانشطة المعروفة فى مرحلة الطفولة.

عاش سكوسيزى فى منطقة تكتظ بدور العرض السينمائى، وسرعان ما اصبح مهوسا بالسينما.ونظرا الى نشأته فى اجواء كاثوليكية فقد بدأ فى الدراسة لكى يصبح قسيسا، لكنه غير مساره واتجه لدراسة السينما فى كلية السينما بجامعة نيويورك، وكان أول افلامه كطالب فى عام 1963 بعنوان (ماذا تفعل فتاه رقيقة مثلك فى مكان كهذا؟) ثم كان فيلمه الثانى 15 دقيقة بعنوان (لست انت فقط يا موراى) فى عام 1964 وهى سنة تخرجه.

ثم جاء عمله التالى فى عام 1967 وكان بعنوان (المذبحة الكبرى)، وفى عام 1969 اكمل فيلمه الروائى الطويل المثير للجدل (من ذا الذى يطرق بابى؟) وهو فيلم درامى وقام ببطولته الممثل هارفى كيتل، الذى مثل الكثير من انجح افلام سكورسيزى، وكان هذا الفيلم ايضا هو بداية التعاون معالمونتيرة ثيلما شونميكر التى لازمته طوال حياته، كما اُعتبر الفيلم حجر الأساس فى رؤية سكورسيزى الثورية للسينما.

أمضى سكورسيزى مرحلة قصيرة فى تدريس السينما فى جامعة نيويورك، وكان من بين تلاميذه اوليفر ستون وجوناثان كابلان، وبعد ذلك عرض سكورسيزى الفيلم التسجيلى (مشاهد من الشارع) الذى صور فيه مظاهرات الطلاب قى مايو 1970 احتجاجا على الغزو العسكرى لكمبوديا. وبعد هذا الفيلم سافر مباشرة الى هوليود مودعا نيويورك، والتحق بالعمل كمونتير فى افلام “وودستوك” و”دواء بول كارافان”و”ألفيس فى جولة”وقد اطلقوا علي سكورسيزى  لقب (الجزار) جراء عمله فى مونتاج افلام شركة السينما الامريكية العالمية لروجر كورمان.

واثناء ذلك اخرج اول افلامه الذى لم يحظ باى فرصة للتوزيع خارج الولايات المتحدة الامريكية وهو فيلم “السيارة الصندوق بيرثا”فى عام 1982 وكان من بطولة باربارا هيرشى وديفيد كارادين.

وبعد ذلك عاد الى نيويورك ليبدأ العمل فى اول تحفه السينمائية “شوارع قذرة” عام 1973، وفى هذا الفيلم يغوص بعمق فى السير الذاتية ويستقصى الازمات الداخلية والروحية التى تواجه نفس مجموعة الشخصيات الذين ظهروا فى فيلمه السابق “من ذا الذى يطرق بابى؟”. إن فيلم “شوارع قذرة” يؤسس لأسلوب سكورسيزى الذى يتميز بتوظيف شخصيات مهمشة لا تتميز بالبطولة، وكذلك أسلوبه غير التقليدى فى التصوير وتقنية المونتاج، ويظهر فى الفيلم ولعه بحياه رجال الدين ورجال العصابات، كما يظهر توظيفه العبقرى للموسيقى الشعبية.

كان هذا الفيلم هو الذى وضع سكوسيزى فى مقدمة جيل جديد من عباقرة السينما الامريكية، كما ان هذا الفيلم ايضا يؤسس  لعلاقة سكورسيزى مع الممثل روبرت دى نيرو، والذى دائما ما جسد الشخصية المحورية فى معظم افلام سكورسيزى بعد ذلك.

وبعد ذلك سافر سكوسيزى الى الامازون ليبدأ تصوير فيلمه “آليس لم تعد تعيش هنا” فى عام 1974، وجاء هذا الفيلم كنوع من التحدى، فقد اتهمه النقاد بأنه لا يستطيع تقديم فيلم عن شخصية نسائية، وكانت المفاجأة ان الممثلة الين برستين التى قامت بدور البطولة، حصلت على جائزة الاوسكار كاحسن ممثلة فى نفس العام، كما ترشحت الممثلة دايان لاد لأوسكار احسن ممثلة مساعدة عن نفس الفيلم.

وبعد ذلك وفى نفس العام قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا بعنوان “الامريكى الايطالى” ودائما ما يُشير سكورسيزى الى هذا الفيلم باعتباره احب افلامه على الاطلاق، وهذا الفيلم التسجيلى يتناول تجربة الهجرة للايطاليين، كما يتناول الحياة فى حى “ايطاليا الضغيرة”فى نيويورك، وكان بطلا هذا الفيلم هما أب وأم سكورسيزى، وتضمن الفيلم اسرار عمل صلصلة الطماطم لكاثرين سكورسيزى (أم المخرج)!

سائق التاكسى

بدأ سكورسيزى العمل فى الفيلم المذهل “سائق التاكسى” فى صيف عام 1974، وكتب له السيناريو بول شرايدر، وهو يتناول ظاهرة العنف فى المجتمع الامريكى المعاصر، وكان من بطولة روبرت دى نيرو الذى جسد شخصية ترافيس بيكل. لقد حصل فيلم “سائق التاكسى” على السعفة الذهبية فى مهرجان كان 1976، وبعد خمس سنوات اصبح هذا الفيلم موضوعا للتحقيق بسبب احتواءه على محاولة اغتيال مرشح رئاسى، وتصادف ان تعرض رونالد ريجان الى محاولة اغتيال من شخص يدعى جون هينكلى، وقيل ان الفيلم ألهمه.

وبعد هذا الفيلم اخرج سكورسيزى فيلم “نيويورك .. نيويورك” وهو فيلم موسيقى من بطولة روبرت دى نيرو وليزا مانيلى لكنه لم يحقق لسكوسيزى نفس النجاح النقدى الذى حظيت به جميع افلامه، كما اُعتبر هذا الفيلم بمثابة سقطة.

وعلى الرغم من براعته فى الافلام الروائية، فإنه واصل عمله التسجيلى لفيلم عن توديع فرقة موسيقية للعروض، وقد تم تصوير فى عام 1976 ، وقد ظهر فى هذا الفيلم عديد من الرموز الغنائية الامريكية كضيوف شرف مثل مودى ووترز، وبوب ديلان وفان موريسون.

اما فيلم “الفالس الأخير” فقد اخرجه سكورسيزى فى عام 1978، وقد شارك هذه الفيلم فى العديد من المهرجانات، كما نال اعجاب محبى اغانى البوب الامريكيين.

اما فيلم  “ولد امريكى.. صورة لستيفن برينس”  فكان يتناول شخصية بائع الاسلحة الذى سبق ظهوره فى فيلم سائق التاكسى، وتم اخراج هذا الفيلم فى عام 1978 ايضا.

الثور الهائج

وفى ابريل 1979، وبعد عام من الاعداد، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم “الثور الهائج ” وهو يعتمد على السيرة الذاتية للملاكم جاك لاموتا وقد كان هذا الفيلم ابيض واسود، انه اكثر افلام سكورسيزى طموحا حتى ذلك الوقت، كما اعتبره النقاد افضل افلام الثمانينات، وحصل روبرت دى نيرو على اوسكار احسن ممثل لتجسيده شخصية جال لاموتا، كما ترشحت الممثلة الصاعدة كاثى موريارتى لاوسكار احسن ممثلة عن دورها فى تجسيد الزوجة الثانية لجاك لاموتا، وحصلت المونتيرة ثيلما شونميكر على اوسكار احسن مونتاج عن هذا الفيلم.

وفى عام 1983 عاد روبرت دى نيرو مرة اخرى الى مارتن سكورسيزى، فى فيلم “ملك الكوميديا” الذى يتناول بسخرية حياه البذخ والشهرة.

الاغواء الاخير للمسيح

ونظرا الى ان سكورسيزى كان يحلم منذ ان كان فى العاشرة من العمر، ان يقدم فيلما عن حياة يسوع المسيح، فقد كان على وشك تحقيق هذا الحلم فى عام 1983 عندما اعد رواية نيكولاس كازنتزاكس التى تحمل عنوان “الإغواء الاخير للمسيح”، لكنه وقبل اربعة اسابيع من تصوير الفيلم، فوجئ بعدم توفر الميزانية الكافية للفيلم.

وفى عام 1985، ونظرا لصعوبات مادية صادفت سكورسيزى، فقد اضطر للموافقة على اخراج المسرحية الكوميدية “بعد ساعات العمل” لأحد مسارح نيويورك.

وفى عام 1986، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم “لون المال”، من بطولة بول نيومان الذى حصل عنه على اول جائزة اوسكار احسن ممثل، وكان فيلم  “لون المال” هو اول افلام سكورسيزى التى نجحت جماهيريا، وعلى اثر ذلك اصبح قادرا على اخراج فيلم “الاغواء الاخير للمسيح”، وكان من بطولة ويليام دافو، وقد ظهر هذا الفيلم الروائى فى عام 1988، وتعرض الى الانتقاد الشديد فيما يتعلق بحقيقة حياه المسيح، لكن هذا الانتقاد كان احد اسباب نجاح الفيلم جماهيريا كما ترسخ اسم سكورسيزى كمخرج سينمائى جماهيرى.

وفى عام 1989 اخرج سكورسيزى جزءا من فيلم شارك الاخراج فيه كل من فرانسيس فورد كوبولا وودى ألن، انه فيلم “قصص نيويورك” وكان من بطولة روبرت دى نيرو.

وفى عام 1990 بدأ فى اخراج الفيلم التحفة “أولاد طيبون” الذى يعتمد على كتاب لنيكولاس بيليجى يتناول جريمة قتل حقيقية، ويتناول الفيلم تفاصيل العالم الاجرامى وخفاياه فى نيويورك، وقد حصل الممثل جو بيسكى على اوسكار احسن ممثل مساعد.

ونظرا الى ان سكورسيزى كان قد وقع عقدا مع شركة يونيفرسال التى انتجت له فيلم “الاغواء الاخير للمسيح” فقد تعين على سكورسيزى ان يخرج للشركة فيلما آخر يكون تجاريا ، فكان هذا الفيلم هو “منطقة الرعب” عام 1991، وهو اعادة انتاج لفيلم اثارة هوليودى قديم.

وفى عام 1993، اخرج سكورسيزى فيلم “زمن البراءة” اعتمادا على رواية لاديث وارتون، ويتناول الفيلم عادات مجتمع نيويورك فى سبعينات القرن التاسع عشر ، وكان من بطولة دانييل داى لويس وميشيل فيفر.

وفى عام 1995، قدم سكورسيزى فيلمين، اولهما “كازينو” الذى يوثق لصعود وانهيار مدينة لاس فيجاس فى السبعينيات، أما فيلمه الثانى فكان “رحلة شخصية مع مارتن سكورسيزى خلال السينما الامريكية” وهو يتناول تطور عملية اخراج السينما فى هوليود.

وفى عام 1997 اكمل فيلم “كاندن” الذى يتناول سنوات من حياة الدالى لاما فى المنفى، وفى نفس العام حصل سكورسيزى على جائزة معهد السينما الامريكى عن مجمل اعماله.

وفى عام 1998 شارك سكورسيزى فى احتفالية معهد التراث السينمائي الأمريكى التى حملت عنوان “مائة عام.. مائة فيلم” وقدم سكورسيزى رؤيته للعلاقة بين سينما الماضى وسينما المستقبل.

ثم عاد سكورسيزى مرة اخرى لاخراج الافلام فى عام 1999 بفيلم “استخراج الميت”وهو فيلم درامى طبى من بطولة نيكولاس كيدج.

عصابات نيويورك

ومع بدء الألفية الجديدة اخرج سكورسيزى اول افلامه لشركة ميراماكس الذى حمل عنوان “عصابات نيويورك”، وكان هذا الفيلم يراود ذهن سكورسيزى طوال ربع قرن الى ان تمكن من اخراجه، وتم عرضه فى ديسمبر 2002، وفى هذا الفيلم نرى صراع عصابات نيويورك اثناء الحرب الاهلية، وقد حصد هذا الفيلم العديد من جوائز الاوسكار من بينها احسن فيلم واحسن مخرج، كان هذا الفيلم سببا لكى يقوم سكورسيزى بدور المنتج المنفذ فى فيلمه التالى الذى حمل عنوان “يمكنك ان تعتمد على”.

ثم اخرج فيلم “الطيار” وهو عبارة عن السيرة الذاتية للمليونير الامريكى هوارد هيوز، ويركز الفيلم على ايام صباه. وقد استعان سكورسيزى بالممثل الامريكى ليوناردو دى كابريو فى فيلمى “عصابات نيويورك” و”الطيار” بعد كان يستعين بروبرت دى نيرو.

وفى عام 2004، شارك سكورسيزى فى تمثيل احد شخصيات فيلم التحريك “قصة سمكة قرش”.

وفى عام 2005 انجز سكورسيزى فيلما تسجيليا من اربع ساعات، هو عبارة عن مقابلات مع الموسيقى بوب ديلان الذى كرس حياته للحفلات الموسيقية فى بريطانيا، حيث ثار عليه الجمهور بسبب استخدامه للآلات الموسيقية الكهربية.

الراحل

وفى العام التالى، اخرج سكورسيزى فيلم “الراحل” من بطولة ليوناردو دى كابريو ايضا، وهذا الفيلم يعتمد على رواية  “أمور جهنمية” ويحكى عن شرطى سرى، وقد شارك فى التمثيل جاك نيكلسون ومات ديمون، وقد اُستقبل الفيلم بحفاوة من النقاد، كما حظى بنجاح جماهيرى لم يسبق لسكورسيزى ان حققه، كما جعل المخرج يحصل على العديد من الجوائز من بينها الجولدن جلوب كاحسن مخرج ، كما حصل على الاوسكار عن مجمل اعماله.

وفى عام 2008 قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا عن موسيقى الروك ، “بريق الضوء” وهو اول افلامه الذى عُرض على الشاشات بتقنية “آى ماكس”.

وفى عام 2010 اخرج سكورسيزى فيلم الاثارة “الجزيرة المحطمة” معتمدا على رواية لدانيس لاهان، ان هذا الفيلم ايضا من بطولة ليوناردو دى كابريو.

كما واصل سكورسيزى اخراج الافلام التسجيلية فقدم فيلما عن مغنية البوب ويتى فران ليبوتز، كما قدم فيلما عن المخرج الامريكى اليا كازان بعنوان “خطاب الى إليا”، كما قدم فى عام 2011 فيلم “جورج هاريسون: العيش فى عالم الماديات”.

وفى عام 2011 قدم فيلم “هوجو” وهو يعتمد على كتاب لبراين سيلزنك، وهذا الفيلم يمثل تحديا تقنيا لسكورسيزى لانه استخدم تقنية الفيلم ثلاثى الابعاد لاول مرة، ونتيجة لجودة الفيلم فقد حصل الفيلم على عدة ترشيحات للاوسكار الامريكى اكثر من اى فيلم امريكى آخر لهذه السنة، وقد حصل سكورسيزى على جائزة الجولدن جلوب كاحسن مخرج، كما حصل على الاوسكار، وحصل ايضا على جائزة نقابة المخرجين لهذا الفيلم

Visited 86 times, 1 visit(s) today